أجهزة المخابرات الغربية قد تزيد التركيز على القوى الصاعدة

تراقب مؤسسات صنع القرار وقدرات الإنترنت في روسيا والصين

TT

ربما تثير المؤشرات على تزايد أنشطة التجسس من جانب قوى صاعدة مثل الصين والهند على الدول ردود فعل أقوى من جانب الغرب بشرط أن تتمكن أجهزة مخابراته من إدارة الموارد المنهكة بالفعل بسبب أنشطة مكافحة الإرهاب. وكرست حكومات غربية منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 جانبا كبيرا من طاقاتها لاستكشاف المناطق القبلية النائية في أفغانستان واليمن والصومال، وكذلك لزيادة مراقبة السكان لدى تلك الدول الغربية. ويقول خبراء إنه في الوقت الذي سوف يستمر فيه هذا ربما تراقب أجهزة المخابرات الغربية عن كثب مؤسسات صنع القرار والجيش والقدرات في مجال الإنترنت لدى قوى منافسة مثل روسيا والصين، في الوقت الذي ينظر فيه إلى الصين على وجه الخصوص على أنها باتت تتبنى سياسة أكثر جزما من أي وقت مضى. ومن الصعب إثبات ما يحدث في عالم سري كهذا، إلا أن بعض مسؤولي المخابرات السابقين يتوقعون تحولات مقبلة. وقال نيجل إنكستر، المساعد السابق لرئيس جهاز المخابرات البريطاني «إم آي 6» لـ«رويترز»: «هذا المطلب كان موجودا دائما بشكل ما. ولكني أعتقد أنه سيكون أكثر أهمية مع تزايد نفوذ القوى الصاعدة».

ومضى يقول: بعض هذه المجالات كان يعاني نقصا نسبيا في عدد العاملين بسبب الحاجة إلى التركيز كثيرا على الإرهاب العابر للدول.

وبينما سيكون الصراع المباشر بين القوى الصاعدة والدول الغربية نادرا على الأرجح، فإن المنافسة والمواجهة بين الحين والآخر تزدادان سخونة في مجالات تتراوح بين سياسة العملة والتجسس الصناعي وحروب الإنترنت. ومن المعتقد أن القوى الصاعدة تزيد من التجسس على الغرب على نحو لم يلاحظ منذ الحرب الباردة مستهدفة الأسرار التجارية وأسرار الدول. ولكن الأمر لا يخلو من انتكاسات. وطلب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من جهاز المخابرات الروسي - الذي كان مرهوب الجانب في السابق - يوم الجمعة ترتيب أوضاعه بعد أن خان رئيس شبكة جواسيس في الولايات المتحدة أفراد شبكته في أحد أخطر إخفاقات المخابرات الروسية منذ عقود.

ويقول فريد بيرتون، وهو ضابط أميركي سابق في مجال مكافحة الإرهاب ويشغل الآن منصب نائب رئيس شركة «ستراتفور» لاستشارات المخاطر السياسية: إن الولايات المتحدة بدأت بالفعل إعادة توجيه موارد مكتب التحقيقات الاتحادي من محاربة الإرهاب إلى مكافحة التجسس. وقال بيرتون، في وقت سابق من هذا العام: «إنه تحدٍّ كبير تواجهه أجهزة المخابرات الغربية». وتابع: «كانت طوال السنوات العشر الماضية تركز على مكافحة الإرهاب والعراق وأفغانستان. هل سيعود التركيز إلى سابق عهده.. أعتقد أنه سيعود. والسؤال هو: بأي درجة؟ ومن بين العلامات على تغير الأولويات، الذي أشار إليه الخبراء، إعلان وزارة الدفاع الأميركية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) أن قيادة حرب الإنترنت في الجيش الأميركي المسؤولة عن حماية 15 ألف شبكة كومبيوتر عسكرية من المتسللين دخلت طور التشغيل الكامل. كما جرى الإعلان في مراجعة الإنفاق العسكري البريطاني في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن برنامج لأمن الإنترنت الوطني تكلفته 650 مليون جنيه إسترليني بزيادة كبيرة في الإنفاق في عملية لتحديد الأولويات تم فيها خفض الإنفاق بشكل عام. وقال ريتشارد ألدريتش، المحلل المتخصص في شؤون المخابرات البريطانية: أدب الأميركيين والبريطانيين يمنعهم من أن يقولوا إن عددا كبيرا من محركي مغامرات الإنترنت هذه يأتون من الصين سواء أكان التهديد من الحكومة الصينية أم من شعبها.

وقال إيان لوبان، رئيس الهيئة المكلفة بمراقبة الاتصالات في بريطانيا، وهي مكتب الاتصالات الحكومية: إن الدول تستخدم بالفعل أساليب حرب الإنترنت لمهاجمة بعضها، وينبغي أن تظل يقظة على الدوام لحماية أنظمة الكومبيوتر. وأضاف، في كلمة في 13 أكتوبر: إن الإنترنت خفضت حاجز الدخول إلى لعبة التجسس.

ويرى ألدريتش أن إطلاق الهند في يونيو (حزيران) 2009 قمرا صناعيا للتجسس العسكري علامة على أن نيودلهي تعتزم استغلال إمكانات المخابرات والدفاع الفضائية. وفي الشهر الماضي قال جون ساورز، في أول كلمة يلقيها علنا رئيس لجهاز المخابرات البريطاني وهو في الخدمة، إنه بينما قد يستهدف الإرهابيون الغرب مرة أخرى «بتكلفة بشرية هائلة»، إلا أن الانتشار النووي على أيدي دول يعتبر أشد خطورة بكثير، وأن مخاطر الفشل في معالجة التحديات في المنطقة، التي تشكلها دول مثل إيران رهيبة. وقال إنكستر، الضابط السابق بجهاز المخابرات البريطاني، الذي يرأس الآن وحدة التهديدات والمخاطر السياسية العابرة للحدود في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: إن ساورز ربما يتعامل يوميا أيضا مع أمور ملحة تشمل أنشطة روسيا والصين وقوى أخرى، وإن هذا سيتزايد على الأرجح. وأضاف: إنه الفرق بين الأهمية والإلحاح. وقال: بالتأكيد أنت تواجه مؤامرة إرهابية يتعين أن تفعل شيئا للتصدي لها في الحال. ربما تكون هناك أمور أخرى قد تكون أكثر أهمية لكنها أقل إلحاحا. وتابع: إن مراقبة القوى الصاعدة ليست مجرد مسألة رصد تهديد مباشر منها لبريطانيا وإنما تتعلق أيضا بجمع معلومات كافية لتقديم المشورة لصناع السياسة بشأن الخطوات التالية التي قد تتخذها موسكو أو بكين أو نيودلهي. ومن الصعب تحليل إنفاق جهاز المخابرات البريطاني؛ لأن التقرير السنوي للجنة المخابرات والأمن يخضع للرقابة. وقال التقرير في عام 2008 - 2009: إن نحو 37% من مجهود جهاز المخابرات السري كان مكرسا لمحاربة الإرهاب على المستوى الدولي. لكن جرى ذكر اسم روسيا في التقرير وكذلك دولة أخرى فرضت رقابة على نشر اسمها. وإيران مذكورة أيضا في التقرير الذي يقول إن أحد الجهود التي جذبت إنفاقا متزايدا في العامين أو الأعوام الثلاثة الماضية استهدف البرنامج النووي لطهران. وينبه البعض إلى أن أي تغير في الأولويات سيكون متواضعا.

وتقول أجهزة المخابرات الغربية إن الأولوية القصوى لها ستظل منع هجمات المتشددين. وتضيف أن التكلفة السياسية لنجاح تلك الهجمات لا تزال مرتفعة لكل من الحكومات الغربية ورؤساء أجهزة المخابرات أنفسهم. وقال ألستير نيوتن، وهو مسؤول سابق في مكتب مجلس الوزراء البريطاني ويعمل الآن محللا للمخاطر السياسية في بنك «نومورا» الياباني: لا يعني ذلك القول إن صعود آسيا ليس مهما.. لكنني سأفاجأ إذا شاهدت كثيرا من الأمور على غرار سحب موارد مخصصة لتهديدات أمنية وطنية قائمة. وقال ديفيد أوماند، المنسق السابق في المخابرات البريطانية، إنه سيتوخى الحذر من المبالغة في تقدير الدرجة التي يتغير بها العالم.