لبنان: 5 صيغ لحل الأزمة مدخلها «الاستقرار».. تشمل سحب تمويل المحكمة والقضاة عند «الشطط»

إيران وحزب الله يسلمان بعدم إمكانية إلغاء المحكمة وقرارها الظني.. ويسعيان لمواجهة التداعيات

جنود في الجيش اللبناني في تمرين للاستعراض العسكري يوم غد الاثنين لمناسبة عيد الاستقلال (إ.ب.أ)
TT

تتداول الأوساط اللبنانية عدة صيغ لمشروع حل للأزمة القائمة في البلاد على خلفية القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، منذ بدء التسريبات التي تشير إلى اتهام متوقع لعناصر من حزب الله في جريمة الاغتيال التي غيرت صورة المشهد السياسي اللبناني، مع ما قد يحمله هذا الاتهام من مخاوف من حصول «فتنة سنية – شيعية» وصدامات على الأرض.

وعلى الرغم من اختلاف العناوين التي توردها هذه الصيغ لما يتردد أنه «اتفاق سعودي - سوري بمباركة إيرانية»، إلا أن ثمة اتفاقا على وجود قرار كبير من كل الأطراف بمعالجة الأمور تحت سقف التهدئة، خصوصا مع تواتر المعلومات عن قبول حزب الله ومن خلفه إيران بعدم إمكانية إلغاء المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة الاغتيال، وعدم إمكانية منع صدور القرار الظني في الجريمة، وبالتالي الانتقال إلى بحث صيغ مواجهة القرار وتداعياته محليا، بما يضمن عدم تطور الأمور نحو الأسوأ ميدانيا إذا ما صحت التسريبات عن اتجاهات القرار الظني.

وتشير المعلومات المتوافرة لـ«الشرق الأوسط» من مصادر لبنانية متابعة للمحادثات الإقليمية الجارية حول الملف، إلى وجود أكثر من صيغة يتم التداول فيها حاليا بين العواصم المعنية، وأن الاتفاق على إحداها من شأنه أن يكون «نقلة نوعية» في مسار الأزمة اللبنانية، مشيرة إلى «اختلافات بسيطة بين هذه الصيغ، لكن طريقها واحدة». ويبدو – من خلال المعلومات هذه – أن الاتفاق سيكون مكتوبا ومضمونا من الدول المعنية بالملف اللبناني، بالإضافة إلى الأطراف اللبنانية الأساسية، بما يضمن حسن تنفيذه وترجمة بنوده على أرض الواقع. وتنطلق صيغ الحل كلها – وفقا للمعلومات – من التسليم بعدم إلغاء المحكمة، وعدم القدرة على التدخل في القرار الظني الذي لن يصدر قريبا جدا وفق التوقعات الجديدة، بالإضافة إلى إسقاط مبدأ اللجوء إلى العنف أو حتى التلويح به. وأشارت المصادر إلى أن كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن «التمييز بين القرارين الظني والاتهامي قد يكون المدخل إلى هذه التسوية، باعتبار أن القرار الظني، الذي سيصدره المدعي العام دانيال بلمار، يحتاج إلى موافقة قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، لأن الاتهام لا يمكن أن يصدر، بحسب نظام المحكمة، إلا بعد تصديق القاضي فرانسين الذي يمكنه أن يأمر بتعديلها أو يرد الاتهام، وذلك بعد إجراءات وتدقيق كبير».

وتقضي مسودة الاتفاق التي يتم تداولها حاليا بـ«تعهد صارم بعدم اللجوء إلى العنف أو التلويح به، وتلحظ تشكيل لجنة لمعالجة القضايا المركزية». وقد أشارت في المقابل مصادر لبنانية رفيعة المستوى إلى أن «هذه اللجنة قد تكون طاولة الحوار الوطني التي يرأسها رئيس الجمهورية والتي ستبحث في المواضيع المركزية، كقضية شهود الزور والقرار الظني وغيرها، على أن يتولى مجلس الوزراء القضايا الإجرائية تسهيلا لعمل الحكومة وعدم عرقلة إنتاجيتها، على أن تعود طاولة الحوار إلى مجلس الوزراء ليتخذ هو القرارات التنفيذية».

وأوضحت المصادر أن مهمة اللجنة ستكون الحرص على منع «الشطط» في القرار الاتهامي، وإذا ما تم الاتفاق على وجود هذا «الشطط» فإن «لبنان سوف يعمد إلى وقف التمويل اللبناني للمحكمة الدولية وسحب القضاة للبنانيين منها، وإذا لم يكن من شطط فإن الاتهام سيذهب نحو الأفراد لا الجماعات». وشددت المصادر على أن «هذه الاتفاقية ستلحظ تعهدات لبنانية بهذا الشأن ومباركة عربية وإقليمية لها».

وقالت مصادر لبنانية قريبة من حزب الله إن الحزب «سلم بعدم إمكانية منع صدور القرار الظني بما يحمله من مخاطر بتوجيه الاتهام إلى أفراد من المقاومة»، مشيرة إلى أنه عمل على مسارين: أولهما تفريغ القرار من مضمونه لجهة زرع الشكوك بتسييسه، وثانيهما «القوطبة» على تداعياته، وهذا ما يتم من خلال الحوار الداخلي ومن خلال الجهد السعودي السوري الإيراني، مشددة على أن «كل العملية هذه ستجري تحت سقف الاستقرار الداخلي». وأشارت المصادر إلى أن الرياض لم تحدد موقفها، لكنها أشارت في المقابل إلى اعتراف سعودي بضرورة المعالجة، مما يجعل الأمور أكثر إيجابية. لكن هذه المصادر تخوفت من «مسعى أميركي لتفشيل ما يحصل من جهود»، موضحة «أن الأميركيين لم يقولوا كلمتهم بعد في هذا الموضوع، وأنهم ربما يسعون إلى الحصول على ثمن خاص بهم من خلال أي تسوية أو أن تتم هذه التسوية من خلالهم».

ويعترف عضو كتلة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري النيابية، النائب عقاب صقر، بوجود «مشاريع للحل»، مؤكدا أنه تم الاتفاق على طريق المعالجة، لكن يبقى المدخل الذي سيتم من خلاله الدخول إلى الحل، مشيرا إلى وجود «سياق انطلق بدءا بمبادرة خادم الحرمين باتجاه سورية وترجم في القمة الثلاثية التي جمعته بالرئيسين اللبناني ميشال سليمان والسوري بشار الأسد في بيروت»، معتبرا أن «هذا السياق انطلق لحماية الوضع اللبناني ومن خلاله الوضع العربي». وقال صقر إن الجديد في هذا الموضوع «هو الدخول الإيراني على خط التسوية من خلال خطاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المتعلق بالوضع اللبناني الداخلي»، مستندا في ذلك إلى «الخطاب الإيجابي للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله»، معتبرا أن هذا الكلام يعني أن الإيراني انضم إلى المظلة العربية».

وأوضح صقر أن «الخطوط العريضة للتسوية تتضمن 3 نقاط، هي: أولا: حفظ الاستقرار الداخلي في لبنان، وثانيا: الحفاظ على حكومة الوحدة الوطنية وتسهيل عملها وإنتاجيتها، وثالثها: الاتفاق على الاحتكام إلى الحوار الهادئ لحل كل المشكلات». وشدد على أن «الجهد السعودي – السوري لم يأت ليحل محل اللبنانيين، بل ليضع مظلة أمان على الجهود اللبنانية»، مؤكدا التزام الحريري وفريق «14 آذار» هذه الجهود انطلاقا من العناوين التي رفعها هذا الفريق، وموضحا أن التسوية «تقوم على حفظ الثوابت كلها ولا تتضمن تنازلات أي من الأطراف عن ثوابتها، فلا الحزب سيتخلى عن المقاومة ولا نحن سنقبل بالتنازل عن دماء الشهداء، ولا إعادة نظر في طبيعة النظام اللبناني أو في اتفاق الطائف». وقال: «نحن نريد تأمين أعلى مستويات العدالة غير المسيسة مع أعلى مستويات الاستقرار غير المشوب بالتهديد». وأضاف: «تحت هذا السقف، تتم عملية تدوير للزوايا للوصول إلى الهدفين: الاستقرار والعدالة».

وقال: «القرار الظني أصبح وراءنا، والكلام الآن هو حول كيفية التعاطي مع القرار الاتهامي وما بعده»، مشيرا إلى 5 تسويات مطروحة تضمن مواجهة القرار من خلال إجماع لبناني، يلعب الحريري دورا أساسيا فيه ويحظى بتغطية عربية، وقد يلاقي موافقة دولية وأن يقبل حتى من المحكمة الدولية». وبعدما استبعد «السيناريوهات الخيالية» التي ترد في بعض وسائل الإعلام، قال صقر: «إن الصيغ الخمس التي يتم تداولها حاليا تسعى إلى إيجاد مخرج يحفظ ماء وجه الجميع وحقوقهم وتؤمن الشروط الأفضل للتسوية، والنقاش بدأ بالتفاصيل وخريطة كاملة قد ارتسمت للحل، وهناك 5 أبوب للدخول إليها، لكن الطريق واحدة»، مشيرا إلى أن ما تطرحه السعودية مع سورية «هو إرادة لبنانية، نحن أول من طالبنا بها، ولا الأميركي أو غيره قادر على أن يثنينا»، معتبرا أن الكلام عن فيتو أميركي «مضحك». قائلا: «عندما تنضج الأمور لا أحد سيستطيع الوقوف في وجه الحل»، دون أن يسقط الخشية من سعي البعض إلى «وضع العصي في الدواليب». وأشار صقر إلى أن اللعبة الأساس ليست في القرار، بل في شبكة الأمان لمنع أي شطط في هذا القرار وما بعده»، مشيرا إلى أن التسوية لا تتدخل في توقيت القرار الظني ولا في مضمونه، بل تمنع أي تسييس له»، قائلا: «إذا توافقنا لبنانيا على وجود خلل في القرار، فستكون لدينا الإمكانات والوسائل التي تمكننا من المواجهة».

ورأى صقر أنه قد «نضج لدى الإيرانيين موقف متقدم جدا، مفاده أن طريقة المواجهة التي استخدمت في بادئ الأمر للقرار الظني والمحكمة تأتي بالضرر على حزب الله والشيعة، وأن القرار الظني لا يوازي واحدا في الألف من أخطار مشروع مواجهته». وأن المشروع الأقل خسارة هو التعاطي مع الموضوع بواقعية، وأن إيران وجدت بالانفتاح على الحريري مدخلا للحلول».