مسؤول أميركي لـ «الشرق الأوسط»: التهديد برد عسكري على قرارات المحكمة يخدم من يريد زعزعة لبنان

دعا إلى الكف عن تأمين تبريرات وتغطية سياسية للتهديدات بالعنف

TT

حذرت واشنطن من محاولات تصوير المحكمة الخاصة بلبنان على أنها مسيسة، وقال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن «محاولات تشويه سمعة المحكمة وإعاقة عملها لا تفيد إلا في زيادة عدم الاستقرار ورفع التوتر داخل لبنان وفي المنطقة، ولا يجب التسامح معها». وشدد المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لحساسية الموضوع، على أن «أي شخص يدعي بأن إشعال أزمة عسكرية في لبنان، هي رد شرعي على إجراء قانوني شفاف، يكون فقط يخدم مصالح أولئك الذين يريدون زعزعة استقرار لبنان».

ويلوح حزب الله منذ بضعة أسابيع برد عسكري في حال أصدر المدعي العام في المحكمة التابعة للأمم المتحدة لوائح اتهامية بحق أعضاء في حزب الله في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وقد أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، منذ نحو أسبوعين، وقف التعاون مع محققي المحكمة، وقال إن المعلومات التي يحصلون عليها يقدمونها لإسرائيل. واتهم كل من يتعامل مع المحكمة بأنه «يخدم مصالح» إسرائيل. كما حذر من أن «حزب الله سيقطع الأيدي التي ستمتد إلى المقاومة». وحذر مسؤول في حزب الله أمس من ذهاب لبنان «إلى المجهول» في حال عدم نجاح المسعى السعودي - السوري الذي «يسابق الضغوط الأميركية على المحكمة الدولية». وقال حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، بعد زيارة قام بها إلى حليف الحزب الرئيسي رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون، ردا على أسئلة الصحافيين حول تداعيات محتملة للقرار الظني المرتقب: «ما زلنا نراهن على الجهد العربي والإقليمي الذي يبذل». وأضاف: «هناك سباق محموم بين الجهد العربي، خصوصا السوري - السعودي (...) والضغوط الأميركية الكبيرة التي تمارس على المحكمة الدولية من أجل الإسراع في إصدار ما يسمى القرار الظني». وأشار خليل إلى أن المسعى السوري والسعودي يقوم على «محاولة جدية وكبيرة جدا لإنقاذ لبنان من المحنة التي يمكن أن تصيبه».

وكرر النائب ميشال عون، الحليف المسيحي لحزب الله، في زيارته إلى باريس مطلع الأسبوع أن اتهام حزب الله بالجريمة سيؤدي إلى اندلاع أعمال حربية في لبنان، «لأنه يعتبر نفسه بريئا من الاتهامات الموجهة إليه».

ودعا المسؤول الأميركي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» إلى «وقف التعليقات التي تؤمن تبريرات وتغطية سياسية للتهديدات بالعنف المحيطة بعمل المحكمة».

ويراهن اللبنانيون على تسوية سورية – سعودية، للتعاطي مع مرحلة ما بعد صدور القرار الظني الذي من المفترض أن يصدر في الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة. وكان أنطونيو كاسيزي، رئيس المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، قال الأسبوع الماضي إنه يتوقع صدور القرار الظني قبل نهاية العام. كما أعلن قبل أيام مايكل ويليامز، مبعوث الأمم المتحدة إلى لبنان، بأنه يتوقع صدور القرار الظني في الأسابيع المقبلة. ولكن المدعي العام دانيال بلمار لا يزال ملتزما الصمت حول تاريخ إصدار اللوائح الاتهامية، وقد أكد مرارا أنه سيقدم اللوائح عندما يكون واثقا بأن لديه أدلة كافية، بحسب المعايير الدولية، يستند إليها قراره.

وأمام تصعيد حزب الله، صعدت الولايات المتحدة أيضا من تصريحاتها الداعمة للمحكمة، وتطرق إلى الموضوع الكثير من المسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية، من بينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ومساعدها المتخصص في شؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان. وجددت كلينتون أمس تأكيد التزام الولايات المتحدة حيال لبنان «مستقل وسيد وموحد يتمتع بمؤسسات قوية وفاعلة». وأضافت، في بيان أمس: «لدينا إيمان راسخ بأن لبنان السلمي والمزدهر والديمقراطي والمستقر هو حيوي بالنسبة إلى أمن الشعب اللبناني وبالنسبة إلى المنطقة بشكل عام».

وأعلنت أيضا المبعوثة الأميركية في مجلس الأمن سوزان رايس، مطلع الشهر، أن بلادها قدمت 10 ملايين دولار أميركي إضافي لدعم عمل المحكمة الدولية. وأعلنت بريطانيا أيضا الأسبوع الماضي تقديم مليون جنية إسترليني للمحكمة الخاصة بلبنان التي تعتمد في تمويلها على الحكومة اللبنانية (51 في المائة من التمويل) وعلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (49 في المائة). وفي إطار الدعم الأميركي، زار السيناتور الأميركي جون كيري لبنان قبل أسبوعين أيضا، ليؤكد دعمه للحكومة اللبنانية والمحكمة الدولية. وقال السيناتور الديمقراطي الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، أن لا أحد يمكنه إيقاف مسار المحكمة، لا الحكومة اللبنانية ولا الولايات المتحدة.

وقد نفى المسؤول الأميركي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، مرة جديدة، تدخل بلاده في عمل المحكمة، وقال: «لم ولن نعمد إلى التأثير على عمل المحكمة، وكما قلنا منذ البداية، يجب أن يتم السماح للمحكمة بأن تعمل ضمن الإطار الزمني الخاص بها، من دون تدخلات خارجية». ويتحدث مسؤولون في لبنان عن ضغوط يتعرض لها المدعي العام لتأجيل إصدار لائحة القرار الاتهامي.

وحذر المسؤول الأميركي من أن «تسييس عمل المحكمة والتدخل في عملها، لا يخدم مصالح الشعب اللبناني». وأضاف: «إن حرمة العملية القضائية للمحكمة الخاصة بلبنان، يضمنها المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ويجب ألا يسمح بأن يتم التهجم عليها بالوسائل العنيفة نفسها التي تعمل المحكمة على جعلها من الماضي». وأكد على التزام الولايات المتحدة «الكبير» بـ«الدعم الثابت لتنمية مؤسسات قوية وفعالة تابعة للدولة». وأضاف: «لبنان مستقل ذو سيادة وآمن، قوي بكل مؤسساته، هي الطريقة الوحيدة لتأمين المصالح الفضلى للشعب اللبناني وللمنطقة ككل».