كوريا الشمالية تعرض أمام خبراء أميركيين منشأة نووية ضخمة جديدة

عالم اطلع على المنشأة يعبر عن «ذهوله».. وواشنطن: موقف بيونغ يانغ يزعزع استقرار المنطقة

العالم النووي الأميركي هيكر يدلي بإفادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في واشنطن عام 2004 (إ.ب.أ)
TT

كشفت كوريا الشمالية لعلماء أميركيين في الطاقة النووية مطلع الشهر الحالي عن منشأة جديدة ضخمة لتخصيب اليورانيوم تم تشييدها في سرية وسرعة، لتطرح أمام إدارة الرئيس باراك أوباما احتمال استعداد هذه الدولة لتوسيع ترسانتها النووية أو تصنيع قنبلة نووية ذات قوة تدميرية أعلى. وسواء كان هذا الكشف المدروس مجرد حيلة للتفاوض أم إشارة إلى نيتها في التسريع من برنامجها النووي على الرغم من مرورها بعملية تغيير خطيرة في القيادة، فإنه يمثل تحديا أمام الرئيس أوباما في وقت يبدو فيه برنامجه لنزع الأسلحة النووية في العالم تدريجيا مهددا بالخطر في الداخل والخارج. وسارعت إدارة أوباما إلى إطلاع الحلفاء والمشرعين يومي الجمعة والسبت الماضيين على ذلك واستعدت لنقاش عالمي حول العواقب.

وقال سيغفريد هيكر، العالم النووي والأستاذ بجامعة ستانفورد والمدير السابق لمعمل لوس ألاموس القومي، في مقابلة إنه «ذهل» من مدى تطور المفاعل النووي الجديد، حيث رأى «مئات ومئات» من أجهزة الطرد المركزي التي تم تركيبها مؤخرا في مبنى كان به مركز تصنيع وقود قديم وكان يتم تشغيله، حيث وصفه بأنه «غرفة تحكم حديثة جدا». وتزعم كوريا أنه تم تركيب وتشغيل ألفي جهاز طرد مركزي بالفعل، على حد قولها.

وفي تعليق على اكتشاف المنشأة الجديدة، اعتبر قائد الأركان الأميركي الأميرال مايكل مولن أن موقف كوريا الشمالية «العدائي» من شأنه أن يتسبب في «زعزعة استقرار المنطقة». وقال مولن في تصريح لشبكة «سي إن إن»: «من وجهة نظري، إن كوريا الشمالية تسلك مرة أخرى طريق زعزعة استقرار المنطقة برمتها». وأضاف: «إنني قلق منذ وقت طويل من زعزعة استقرار المنطقة، وكوريا الشمالية بصراحة في صلب كل ذلك». وتابع قائلا إن المعلومات حول مصنع تخصيب جديد «تؤكد وتدل على أننا على صواب منذ سنوات عندما نعرب عن القلق من تخصيب (كوريا الشمالية) اليورانيوم، رغم أنهم كانوا ينفون ذلك منهجيا».

ويعلم مسؤولون أميركيون أن المنشأة النووية لم تكن موجودة حتى أبريل (نيسان) 2009، عندما تم طرد آخر علماء أميركيين ومفتشين دوليين إلى خارج البلاد. وتشير سرعة تشييد المنشأة بقوة إلى تلقي الدولة الفقيرة المنعزلة، التي أجرت أول تجربة نووية في 2006، مساعدات أجنبية وتجنبها لعقوبات صارمة جديدة أصدرها مجلس الأمن لرفضها ضوابط دولية.

وصرح وفد من خبراء أميركيين ضم الدكتور هيكر، بأنه قد تأكد من أدلة أوضحتها صور التقطت بواسطة القمر الصناعي لتقدم جديد حققته كوريا الشمالية - يتمثل في مفاعل مياه خفيفة بني في موقع منشأة فككتها الدولة في إطار اتفاق مع المجتمع الدولي لوقف برنامج تسلحها النووي.

ولم يذكر الدكتور هيكر في البداية الاكتشاف المفاجئ لعملية تخصيب اليورانيوم عند مغادرته لكوريا الشمالية، لكنه أطلع البيت الأبيض بشكل خاص على هذا الأمر منذ بضعة أيام فقط. ويتطلع البيت الأبيض حاليا إلى استغلال هذه المعلومات في توضيح خرق كوريا الشمالية لأوامر من الأمم المتحدة عبر الاستمرار في تحقيق تقدم كبير نحو تطوير برنامجها النووي رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها نتيجة الانتهاكات السابقة.

وتم إرسال العلماء الأميركيين إلى الصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية، وهي الدول المشاركة في المحادثات السداسية، المحتضرة. وتأمل إدارة أوباما في إقناع الصين، التي تعد أهم دولة داعمة لكوريا الشمالية سياسيا واقتصاديا، بممارسة ضغط على حكومة كيم جونغ إيل، التي تشير المؤشرات إلى اتجاهها نحو مزيد من التسلح في ظل تغير وشيك في القيادة.

وترددت الصين كثيرا في قطع العلاقات التجارية مع كوريا الشمالية أو وقف إمدادها بالوقود، ويبدو أنها عازمة على المضي قدما في دعم حليفها التاريخي خلال عملية انتقال السلطة على ما في ذلك من صعوبة. لكن في الماضي اتخذت الصين خطوات متواضعة لدعم منحى أشد قسوة عندما أجرت كوريا الشمالية اختبارا على أسلحة أو صواريخ نووية متحدية بذلك التزاماتها الدولية.

وقال الدكتور هيكر إنه منع من التقاط صور أثناء جولته في المفاعل النووي في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولم يسمح له بالتأكد من مزاعم كوريا الشمالية ببدء إنتاج يورانيوم منخفض التخصيب. وكذلك قال هيكر إنه خامرته الشكوك بشأن وفاء كوريا الشمالية بوعدها ببناء مفاعل مياه خفيفة - نووي - لاستغلال الوقود، وأوضح قائلا: «هناك أسباب تدعو للتشكيك في صحة ذلك».

وهناك طريقان للوصول إلى إنتاج أسلحة نووية، وهما الحصول على بلوتونيوم من الوقود المستنفد من مفاعل نووي، أو تخصيب اليورانيوم إلى الحد الذي يسمح بتصنيع أسلحة نووية. ومنذ الخمسينات سعت كوريا الشمالية إلى الطريقة الأولى وضمت ترسانة أسلحتها وقودا نوويا مستنفدا من مفاعل «يونغبيون» النووي الصغير. وكان هذا الوقود يكفي تقريبا لتصنيع نحو 12 من الأسلحة، لكن المفاعل كان متهالكا وتم إغلاقه في 2008 بموجب اتفاق مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وصورت عدسات الكاميرات التلفزيونية تفجير برج التبريد للمفاعل.

وفي تلك الأثناء كانت كوريا الشمالية قد اتخذت بالفعل الطريق الآخر، وهو تخصيب اليورانيوم، وهو الطريق نفسه الذي اتخذته إيران في برنامجها النووي إلى حد بعيد. فكوريا الشمالية تصر، مثل إيران، على القول بأنها ستستخدم الوقود النووي في مفاعل تجريبي سيتم تشييده بغرض توليد الكهرباء.

ومع ذلك يعتقد المسؤولون الأميركيون أن غرض برنامج تخصيب اليورانيوم هو تصنيع وقود لأسلحة نووية. وربما يستحيل معرفة كم الوقود الذي تم إنتاجه أو إذا ما كان تم استخدامه في إنتاج أو تحسين قنابل نووية، نظرا إلى منع كوريا الشمالية المفتشين الدوليين من زيارة الموقع. وتقدم أجهزة استخبارات أميركية منذ 15 عاما أدلة على سعي كوريا الشمالية لتخصيب اليورانيوم بناء على تكنولوجيا اشترتها من العالم الباكستاني عبد القدير خان في عملية تعود إلى عام 1996. وتشير تقارير لاحقة إلى محاولات كوريا الشمالية لشراء مكونات جهاز طرد مركزي مهم. كما يبدو أن شحنة مريبة من سادس فلوريد اليورانيوم إلى ليبيا تعود إلى كوريا الشمالية. واتهمت إدارة بوش كوريا الشمالية عام 2003 بالسعي سرا إلى امتلاك التكنولوجيا النووية، وهو ما أدى إلى طرد المفتشين الدوليين.

وفي مقابلات صحافية، قال مسؤولون في الإدارة الأميركية إنهم كانوا يراقبون المنطقة التي رأى فيها الدكتور هيكر المنشأة الجديدة بالأقمار الصناعية، ولكنهم لن يقولوا ما إذا كانوا يعرفون هذه المنشأة قبل أن يتقدم بتقرير عنها. وقال جاك بريتشارد، وهو مسؤول سابق في الخارجية الأميركية كان قد زار المجمع النووي الرئيسي في كوريا الشمالية (يونغبيون) قبل أسبوع من زيارة هيكر، وسمع الكوريين الشماليين وهم يتباهون بالقدرات الجديدة: «لقد فشلت وكالات الاستخبارات». وقال مسؤول استخباراتي بارز مساء أول من أمس: «لقد كان من الخطأ بالنسبة إلى أي فرد أن يؤكد على أن وكالات الاستخبارات الأميركية قد فشلت. لقد كنا على دراية بأنشطة تخصيب اليورانيوم الكورية الشمالية لعدة سنوات».

وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية إن الكوريين الشماليين «من المحتمل جدا أن تكون لديهم منشآت نووية أخرى» سبقت منشأة «يونغبيون»، ولم يتم الكشف عنها. وفي مقابلات صحافية، قال مسؤولو الإدارة الأميركية إنهم لم يرغبوا في الحديث عن ردود الفعل المحتملة إزاء الإجراء الذي اتخذته كوريا الشمالية، لكنهم ذكروا أن خياراتهم محدودة.

وكانت الولايات المتحدة استبعدت خيار شن هجمات عسكرية ضد مفاعل «يونغبيون» تماما. وفي مقابلات أجريت على مدار اليومين الماضيين، وصف مسؤولون في الإدارة الدوافع الكثيرة المحتملة التي دعت كوريا الشمالية لبناء المنشأة، والتباهي بها. وأكثر هذه الدوافع وضوحا هي إيجاد ورقة جديدة للمساومة من أجل إجبار أوباما على تقديم حزمة تعويضات لكوريا الشمالية. وقال مسؤول بارز في الإدارة: «هذه ممارسة تقليدية من ممارسات كوريا الشمالية، ليروا ما إذا كنا سنكافئهم على تعليق العمليات أو تفكيك المنشأة».

لكن هناك تفسيرات أخرى محتملة. وبعد أن استغل الكوريون الشماليون حادث إغراق سفينة حربية كورية جنوبية خلال العام الحالي لبناء وتقديم أوراق اعتماد زعيمها المنتظر، كيم يونغ أون، نجل الزعيم الحالي وحفيد مؤسس كوريا الشمالية، فإن هذا الجهد قد يكون مصمما لإظهار أن كوريا الشمالية لا بد أن يتم قبولها كدولة نووية إلى جوار القوى النووية الكبرى، وأيضا باكستان والهند وإسرائيل. وقال مسؤولون في الإدارة الأميركية إنهم ليس لديهم أي نية لإعادة فتح ملف المفاوضات مع كوريا الشمالية، إلا إذا أظهرت جدية في عزمها واتخذت إجراء بناء للوفاء بوعودها السابقة بتفكيك منشآتها النووية.

وهناك احتمال آخر امتنع مسؤولو الإدارة الأميركية عن مناقشته، وهو أن كوريا الشمالية تنوي في نهاية المطاف بناء جيل من القنابل الهيدروجينية أو الأسلحة النووية الحرارية، وهي أسلحة أقوى كثيرا من أي شيء في ترسانتها الحالية.

وتعتمد الترسانة الحالية لكوريا الشمالية التي تضم عددا يتراوح ما بين 8 و12 سلاحا، على البلوتونيوم. ولكن اليورانيوم، المخصب إلى درجة تجعله قادرا على الاستخدام في قنبلة نووية، يمكن أن يستخدم أيضا من أجل زيادة القوة التدميرية للانفجار النووي بشكل كبير، وهذا هو الاستخدام الأساسي لليورانيوم في الترسانات الحديثة، بما في ذلك الرؤوس الصاروخية للولايات المتحدة. ولكن خبراء ينبهون إلى أن قنابل الهيدروجين الحقيقية يصعب صناعتها إلى حد بعيد، لذا يبدو أنه من غير الوارد أن تنجح كوريا الشمالية في فعل ذلك خلال الفترة القريبة.

* خدمة «نيويورك تايمز»