بعد 15 عاما.. البوسنة لا تزال تبحث عن سلم دائم

ذكرى اتفاقيات وقف الحرب تمر وسط انقسامات وقضايا عالقة كثيرة

بوسنيات يشاركن في عملية دفن جماعي لـ34 جثة عثر عليها في 25 أبريل 2009 (رويترز)
TT

احتفلت البوسنة، أمس، بالذكرى السنوية الـ15 لتوقيع اتفاقية دايتون التي أنهت الحرب فيها (1992 - 1995)، لكن سكانها من الطوائف المختلفة لا يزالون ينشدون السلم الدائم ويبحثون عن سبل إنشاء دولة طبيعية يمكنها دخول النادي الأوروبي.

ويعتبر صرب البوسنة (33 في المائة) اتفاقية دايتون بمثابة دستور أبدي للبلاد، ويحتفلون بذكراها كل عام، لأنها اعترفت بكيان لهم داخل البوسنة لأول مرة في التاريخ. بينما يرى المسلمون البوشناق (51 في المائة) أن اتفاقية دايتون كانت اتفاقية مؤقتة، ويرى الصرب في اتفاقية دايتون، اعترافا دوليا بكيانهم (جمهورية صربسكا)، أحد كياني البوسنة كما تنص على ذلك اتفاقية دايتون للسلام، التي تحتل 49 في المائة من مساحة دولة البوسنة، بينما يقع الكيان الثاني، وهو الفيدرالية البوسنية، على مساحة 51 في المائة، ويضم الكيانان إثنيات مختلفة، تشارك في السلطة، وإن كانت أغلبية سكان كيان جمهورية صربسكا، من الصرب، وكيان الفيدرالية من المسلمين. وهذا يثير كروات البوسنة (16 في المائة)، الذين لا يزالون يطالبون بكيان خاص بهم يمثلون فيه الأغلبية، على غرار جمهورية «صربسكا» والفيدرالية.

وقال الخبير في الشؤون السياسية البوسنية، فاطمير علي سباهيتش، لـ«الشرق الأوسط»: «مرت 15 عاما على اتفاقية دايتون، والكثير من المسائل لا تزال عالقة، منها عودة المهجرين، التي تنص عليها المادة السابعة من اتفاقية دايتون، لم يتم تطبيقها، وهناك من يريد أن يستغل عدم عودة المهجرين لإجراء إحصاء سكاني في أبريل (نيسان) المقبل، أي في جمهورية صربسكا، لتحقيق مكاسب سياسية، هي نتيجة لحرب الإبادة، التي يعد الاعتراف بها جريمة أخرى»، وتابع: «هناك قضايا ممتلكات الدولة، التي لم تُحل حتى الآن، والتي يريد الصرب أن يقسموها بين الكيانين ليصبح تقسيم البوسنة واقعا معاشا، وهو ما حدث بين صربيا والجبل الأسود قبل الانفصال سنة 2006».

وأردف: «هناك أيضا قضية التصويت داخل البرلمان، وآلية اتخاذ القرار في مجلس الرئاسة، فهناك من يدعو لاعتماد مبدأ الأغلبية، وهناك من يريد أن يبقى الوضع كما هو عليه، أي حق الفيتو لأي طرف من الأطراف لا يعجبه أي مشروع قرار. هذه القضايا وغيرها لا تزال عالقة على الرغم من مرور 15 عاما على توقيع اتفاقية دايتون للسلام».

لقد فشلت حتى الآن جميع محاولات تغيير الدستور في البوسنة، بسبب اختلاف الآراء، وهو ما عكسه تقرير المبعوث الدولي في مجلس الأمن الدولي الذي جدد يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مهمة قوات حفظ السلام الأوروبية في البوسنة (يوفور)، لمدة عام آخر. وقال المبعوث الدولي إلى البوسنة، فلانتينو انزكو: «بعد 15 عاما من توقيع اتفاقية دايتون، نجد أن الاستعداد للحوار والاتفاق بين الأطراف المختلفة غير مرض»، وأن «السنوات الأربع الماضية شهدت حالة من الجمود السياسي والركود في تنفيذ الإصلاحات الرئيسية، تعكس واقع التقوقع القومي لبعض الأطراف داخل البلاد، مما يعرقل التعاون والتوافق».

وكان مجلس الأمن قد جدد يوم الجمعة الماضي في بيانه بهذا الخصوص، عزمه التعاون مع جميع الأطراف المعنية بتطبيق اتفاقية دايتون، للمساعدة في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. وحول ذلك يرى الكاتب ماتي أيانوفيتش أن الاقتراحات لم تعد كافية، ويقول: «يبدو أن المجتمع الدولي، لا يريد أن يفرض حلا، وإنما يريد من مختلف الأطراف البوسنية أن يتوصلوا إلى حل، ولكن بعد مرور 15 سنة، لم يحدث حصول تفاهمات داخلية، فكل طرف يصر على موقفه، وعلى مطالبه، وإذا استمر المجتمع الدولي على هذا الحال، فإن الأخطار ستتفاقم أكثر»، وحذر من عودة البوسنة «إلى ما قبل اندلاع الحرب، وليس إلى اتفاقية دايتون فحسب».

وحول الموقف الدولي من الإصلاحات، والتطورات الناجمة عن سياسات كل من بروكسل وواشنطن في البوسنة، قال المعلق السياسي، ميروسلاف بيريتش: «هناك جزرة وليست هناك عصا، فالبعض يشعر بالدلال السياسي حتى وهو يستقبل العطايا الأوروبية والأميركية، وربما شعر نحوها بالمقت». ويشير إلى أن تأخر الاتحاد الأوروبي في إعفاء مواطني البوسنة والهرسك من تأشيرة الدخول الأوروبية مقارنة بدول المنطقة الأخرى، أعطى انطباعا لبعض الأطراف البوسنية أنهم يستطيعون فعل ما يشاءون في رفع سقف مطالبهم، مثل الرغبة في الانفصال أو المطالبة بكيان خاص.

وكان الاتحاد الأوروبي قرر في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي رفع قيود التأشيرة عن البوسنيين، على أن يبدأ سريان ذلك في 19 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بينما كانت هذه الخطوة قد اتخذت بحق مواطني صربيا والجبل الأسود ومقدونيا، العام الماضي. وقال بيريتش: «من شأن قرار إلغاء التأشيرة الذي اتخذ في 8 نوفمبر الحالي، أن يخفف من الأطماع، لكنه كمسكنات لتخفيف الألم، لا تزيل الأورام الخبيثة».

وكان مفوض شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي ستفان فيلي دعا البوسنيين إلى ضرورة الإسراع بالإصلاحات الدستورية لإدماج بلادهم في الاتحاد الأوروبي، ورفض إغلاق مكتب المبعوث الدولي فلانتينو انزكو، ما لم تتوفر شروط ذلك. وبالفعل تم التمديد له عاما آخر، كما مدد مجلس الأمن مهمة القوات الأوروبية الدولية عاما آخر. وفي 16 يونيو (حزيران) الماضي، وقعت البوسنة اتفاقية الاستقرار والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وستتقدم بملف ترشحها للاتحاد الأوروبي العام المقبل.

ويعلق بيريتش على هذه التطورات بقوله: «كل ذلك جميل وخطوات إلى الأمام، ولكنها غير كافية لإحداث نقلة نوعية في البوسنة. لا بد من مشروع دولي متكامل يساعد السياسيين المحليين للخروج من مأزق الأسقف المرفوعة والمعلقة بعد 15 عاما على توقيع اتفاقية دايتون».

من العواصم