مصر تستغرب تحذير أديس أبابا لها حول حرب بشأن مياه النيل

قالت إن خياراتها تستند إلى التفاوض والقانون الدولي والحقوق المكتسبة

رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي (رويترز)
TT

أبدت مصر أمس استغرابها من تحذير أديس أبابا لها حول حرب بشأن مياه النيل، وقالت القاهرة إن خياراتها في هذا الملف تستند إلى التفاوض والقانون الدولي والحقوق المكتسبة. وأعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي عن الدهشة أمس إزاء تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، بشأن علاقة بلاده مع مصر، بشأن مياه النيل وقوله إن «مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل».

وقال المتحدث المصري: إن ما يثير الاستغراب بشكل أساسي هو حديث رئيس الوزراء الإثيوبي عن أي مواجهة عسكرية بين البلدين بشأن مياه النيل، مشيرا إلى أن الموقف المصري في هذه المسألة معروف ومعلن، ومفاده أن مصر لا تعتبر أن خيارها هو الحرب من أجل المياه، وأن الخيارات التي تبني مصر سياستها عليها هي جميعا خيارات تستند إلى الحوار والتفاوض والتعاون والتشاور والالتجاء إلى القانون الدولي والحقوق المكتسبة للدول.

وأضاف المتحدث المصري أن الاتهامات التي تضمنتها تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بشأن استغلال مصر مجموعات متمردة ضد النظام الحاكم في إثيوبيا هي اتهامات عارية عن الصحة، مشددا على أن مصر سوف يسعدها أن يتوصل نظام الحكم في أديس أبابا إلى توفير الأجواء والظروف التي تحول دون استفادة أي طرف من وجود هذه الجماعات.

وأعرب المتحدث المصري عن تمسك بلاده بمواقفها القانونية والسياسية الثابتة في موضوع مياه النيل، وشدد على أن مصر اتبعت نهج الحوار ومحاولة الإقناع والتفاهم مع إثيوبيا على مدار سنوات بهدف التوصل إلى التوافق المطلوب لتحقيق تقدم في الاستفادة الجماعية المتوازنة من مياه نهر النيل.

وقال المتحدث المصري: إنه كان من المؤسف أن تسرع بعض الدول، وفى طليعتها إثيوبيا، إلى استباق نتائج الحوار من خلال التوقيع على مسودة الاتفاق الإطاري غير المكتمل قبل التوصل إلى التوافق المنشود.

وأضاف المتحدث أنه من الممكن في ضوء التطورات الأخيرة تفهم الإحباط الذي يستشعره الجانب الإثيوبي تجاه الصعوبات التي تواجه مبادرة حوض النيل ومسودة الاتفاق الإطاري.

وقال، في ختام تعليقه: إنه من الغريب أن تصدر تلك التصريحات في وقت اختارت فيه مصر أن تتعامل بقدر عال من الانفتاح مع إثيوبيا وأن تغلب لغة المصالح المشتركة على دعاوى المواجهة، ولغة التعاون الاقتصادي على الخلافات المعروفة في وجهات النظر بين البلدين في موضوع مياه النيل حتى مع إدراكها للدور الإثيوبي في الدفع بمسودة الاتفاق الإطاري واستباق نتائج الحوار بهدف دعم التعاون بين دول الحوض وتحقيق مبدأ المنفعة للجميع من دون الإضرار بمصالح أي منها وهو المبدأ الذي تأسست واستمرت عليه مبادرة حوض النيل على مدار السنوات الـ10 الماضية.

كانت وكالة «رويترز» قد نقلت أمس أن رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي قال في مقابلة: إن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، مشيرا إلى أنها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة البلد الذي يقع في القرن الأفريقي.

وتخوض مصر وإثيوبيا، و7 دول أخرى يمر بها نهر النيل، محادثات صعبة منذ أكثر من عقد يخيم عليها الغضب بسبب ما يعتبره البعض ظلما ناجما عن معاهدة سابقة بشأن مياه النيل تم توقيعها عام 1929. ووفقا للاتفاق الأصلي يحق لمصر أن تحصل على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا وهو نصيب الأسد من إجمالي مياه النيل التي تبلغ 84 مليار متر مكعب على الرغم من أن نحو 85% من المياه تنبع من إثيوبيا.

على صعيد متصل، بحث وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور محمد نصر الدين علام، أمس الثلاثاء، مع وزير العلاقات الخارجية والتعاون الدولي في بوروندي، نسانزي ثيرنس، الذي يزور مصر حاليا، سبل تعزيز وتطوير علاقات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

كما تناول الوزيران خلال مباحثاتهما أوجه التعاون في مجال الموارد المائية والري وترتيبات التوقيع على مذكرة تفاهم يتم بموجبها دعم التنسيق في عدة مجالات، منها: حفر الآبار ومشروعات الاستفادة من مياه الأمطار ونقل الخبرة المصرية في مجال إدارة الموارد المائية للكوادر البوروندية ودعم برامج التدريب المشترك بين البلدين في مجالات الري والاستغلال الأمثل للموارد المائية. وتطرقت المباحثات إلى أهمية التعاون بين دول حوض النيل، وضرورة التحرك قدما لتحقيق التوافق بين جميع دول الحوض، بما يؤمن وحدة دول حوض النيل والحفاظ على إنجازات مبادرة دول الحوض وتحقيق مصالح شعوبها.

تأتي زيارة الوزير البوروندي لمصر في إطار استكمال المشاورات التي تمت خلال الشهر الماضي أثناء زيارة وزير المياه والبيئة وإدارة الأراضي في بوروندي للقاهرة ولقائه مع الوزير علام، الذي تم خلاله بحث سبل تعزيز التعاون في مجالات الموارد المائية والري بين البلدين.

من جانبه، ربط الدكتور حلمي شعراوي، مدير مركز الدراسات العربية والأفريقية بالقاهرة، بين تصريحات زيناوي واقتراب موعد اجتماع دول مبادرة حوض النيل. وقال، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: إن هذه التصريحات تعبر عن مدى القلق الإثيوبي من الأدوات والإمكانات التي حظيت بها مصر في ملف مياه النيل، خاصة بعد أن اقتربت من تجريدها من الأغلبية التي كانت تتمتع بها في موقفها المنادي بتعديل الاتفاقية، هذا على الرغم من أن مصر لم تعمل على استغلال جميع ما تتمتع به من أدوات.

وأشار شعراوي إلى أن إثيوبيا تحاول من خلال هذه النغمة «تثبيت» الموقف المصري الذي بإمكانه أن يتحرك على عدة أصعدة تثير قلق إثيوبيا، ومنها الاقتراب من إريتريا وجنوب السودان والأوغادين في الصومال، مع أن مصر لم تلوح بهذه الملفات، مشيرا إلى أن هذه التصريحات مفتعلة؛ لأنها جاءت بلا مناسبة ولا سبب مباشر وتعبر عن تحول مثير في السلوك الإثيوبي بعد أن كانت التصريحات أقل هدوءا وعقلانية في السابق. ولمح إلى أن زيناوي ربما يكون قد شعر ببعض الاهتمام الدولي مع تنافس الأدوار الأميركية والصينية والهندية والتركية والصينية والإيطالية وتدفق الاستثمارات من هذه الدول لبلاده. وقال شعراوي: «إن هذه الامتيازات كلها لا تعني عدم الاحتفاظ بموقف إيجابي مع القاهرة؛ لأن الاستفزاز المتبادل والتصعيد لن يجديا نفعا».