مفاوض طالبان في المحادثات السرية لم يكن سوى محتال

«الناتو» نقله بطائرة خاصة إلى داخل كابل وأعطاه أموالا كثيرة * الرئيس كرزاي ينفي اجتماعه مع الرجل الثاني في الحركة

الرئيس كرزاي خلال مؤتمره الصحافي في العاصمة كابل أمس
TT

على مدى شهور، كانت كل الدلائل تشير إلى إمكانية أن تؤتي المحادثات بين طالبان والقادة الأفغان ثمارها لتنهي الحرب في أفغانستان، نظرا لمشاركة القائد الطالباني الملا أختر محمد منصور، أحد أبرز قادة طالبان والرجل الثاني في الحركة الأصولية في المفاوضات.

لكن ما تكشف الآن أذهل الجميع، فمنصور لم يكن منصور المفترض على الإطلاق، وفي واحدة مما يمكن أن تكون مأخوذة من إحدى روايات الجاسوسية أعلنت الولايات المتحدة والمسؤولون الأفغان أن الرجل الأفغاني المكلف من قبل طالبان بالتفاوض لم يكن سوى محتال، وأن المحادثات رفيعة المستوى التي أجريت بمساعدة من «الناتو» يبدو أنها لم تنجز سوى القليل. وقال دبلوماسي غربي في كابل شارك في المناقشات: «لم يكن هو، وقد أعطيناه الكثير من المال».

من جانبهم، أكد المسؤولون الأميركيون يوم الاثنين الماضي أنهم غير واثقين تماما من أن هذا الرجل هو الملا منصور أو حتى أحد قيادات جماعة طالبان.

وكان المسؤولون الأفغان قد قالوا إنهم عقدوا ثلاثة اجتماعات مع الرجل الذي سافر من باكستان، حيث يوجد قادة طالبان.

والطريف أن القائد الطالباني المزيف التقى الرئيس حميد كرزاي، حيث أقلته طائرة تابعة لقوات الناتو إلى كابل واستقبل في القصر الرئاسي، على حسب قول المسؤولين.

ولعل أهم ما يؤكده هذا الحادث هو الطبيعة الغريبة والغامضة للأجواء التي يحاول من خلالها القادة الأميركيون والأفغان البحث عن سبل للوصول إلى حل لإنهاء تسع سنوات من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن قادة طالبان يختبئون في باكستان، ربما بمساعدة من الحكومة الباكستانية التي تتلقى مليارات الدولارات من المعونات الأميركية. وقد أوضح المسؤولون الأميركيون أنهم كانوا متشككين منذ البداية بشأن هوية الرجل الذي زعم أنه الملا منصور، والذي تقول بعض الروايات إنه الرجل الثاني في طالبان بعد الملا محمد عمر. وقد ازدادت حدة الشكوك بشأن هوية الرجل بعد اللقاء الثالث مع المسؤولين الأفغان، الذي أقيم في قندهار، حيث أخبر رجل يعرف الملا منصور قبل سنوات المسؤولين الأفغان بأن الرجل الجالس على الطاولة لا يشبهه. وقال مسؤول أفغاني تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «قال إنه لم يتمكن من التعرف عليه». وقال الدبلوماسي الغربي إن الملا منصور المزعوم منح في البداية مبلغا كبيرا من المال للمشاركة في المحادثات ولإقناعه بالعودة إلى المحادثات مرة أخرى.

وبرغم إعراب المسؤول الأفغاني عن أمله في عودة الرجل من أجل جولة جديدة من المحادثات، يقول المسؤولون الأميركيون والغربيون إنهم خلصوا إلى أن الرجل محل الشكوك لم يكن منصور. ولم يتم التعرف بعد إلى كيفية توصل الأميركيين إلى هذه النتيجة القاطعة بشأن هوية الرجل الزائفة، سواء أكان ذلك عن طريق بصمات الأصابع أم بوسائل أخرى. قبيل اكتشاف هوية الرجل كان المسؤولون الأميركيون والأفغان يعلقون آمالا كبرى على هذه المحادثات، فأعرب الجنرال ديفيد بترايوس، أن المحادثات جارية، إشارة إلى أن قادة طالبان، الذين يتعرض مقاتلوهم لضغط كبير نتيجة الهجوم الأميركي، كانوا على الأقل راغبين في إنهاء الحرب. وقال مسؤولون أميركيون إنهم ومسؤولين من حكومات الناتو ساعدوا في تسهيل المحادثات، عبر تقديم النقل الجوي وتأمين الطرق لقادة طالبان القادمين من أفغانستان. وكان البيت الأبيض قد طلب من صحيفة «نيويورك تايمز»، الشهر الماضي، حذف اسم منصور في تقرير عن محادثات السلام، معبرا عن قلقه من إمكانية تعرض المحادثات للفشل والخطورة على حياته في حال الكشف عن اسمه. ولم تعارض «التايمز» رغبة البيت الأبيض ووافقت على حذف اسم منصور إلى جانب قائدين آخرين من قادة طالبان قيل إنهما شاركا في المحادثات. ولم يتضح مكانة قائدي طالبان الآخرين اللذين زعمت مشاركتهما في المحادثات. وفي أعقاب الجولة الأخيرة من المحادثات التي أقيمت خلال الأسابيع القليلة الماضية، أبدى المسؤولون الأميركيون والأفغان حيرة كبيرة بشأن هوية الرجل. فقال بعض المسؤولين إنه ربما يكون محتالا لا ينتمي لأي جماعة وقام بالادعاء بأنه زعيم طالباني سعيا وراء المال الذي يعلم أنه قد يجنيه من ذلك.

فيما قال آخرون إن الرجل ربما كان أحد عملاء طالبان. وقال مسؤول أفغاني بارز مطلع على القضية: «طالبان أذكى من وكالات الاستخبارات الأميركية واستخباراتنا أيضا، إنهم يناوروننا».

إلى ذلك، نفى الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أمس أنه التقى قياديا بارزا من حركة طالبان وسط تقارير أن هذا الشخص انتحل شخصية أحد قادة طالبان. وقال الرئيس في مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي إنه لم يلتق على الإطلاق الملا أختر منصور أحد زعماء طالبان البارزين الذي تردد أنه أجرى محادثات مع الحكومة.

وأضاف الرئيس «لم ألتق أي شخص اسمه أختر منصور. إنه لم يأت إلى أفغانستان». غير أن كرزاي أقر بأنه كانت هناك اتصالات غير مباشرة مع زعماء طالبان في السابق.

وكان منصور وزيرا للطيران المدني خلال حكم طالبان في أفغانستان وتردد أنه الرجل الثاني في ترتيب قيادات طالبان بعد مؤسسها فقط الملا محمد عمر. ويرى آخرون أن القائد الطالباني المزعوم، الذي لم تعرف هويته بعد، ربما يكون أحد عملاء الاستخبارات الباكستانية، التي يجيد أفرادها لعب دور العميل المزدوج في أفغانستان، فيؤكدون للمسؤولين الأميركيين أنهم يقدمون الدعم للجيش الأميركي في سعيه لتعقب طالبان في الوقت الذي يقدمون فيه الحماية للمتمردين.

من ناحيتها، أعلنت قيادة طالبان رسميا، أنها ملتزمة بنهجها في عدم إقامة أي حوار على الإطلاق، ففي أحدث رسائله إلى مقاتليه نفى الملا عمر وجود أي محادثات على أي مستوى.

* خدمة «نيويورك تايمز»