نذر حرب في شبه الجزيرة الكورية إثر أخطر مواجهات منذ حرب الخمسينات

قصف كوري شمالي يتسبب في مقتل جنديين.. وسيول ترد وتضع قواتها في حال تأهب * إدانات دولية واسعة * دعوة مجلس الأمن للانعقاد.. ومحللون يربطون التطورات بحسابات نقل السلطة في بيونغ يانغ

كوريون جنوبيون يشاهدون الدخان يتصاعد من جزيرة يونبيونغ بعد قصف أمس (أ.ف.ب)
TT

في أخطر مواجهات منذ الحرب الكورية في خمسينات القرن الماضي، أطلقت كوريا الشمالية أمس عشرات القذائف على جزيرة تابعة لجارتها الجنوبية ما تسبب في مقتل جنديين. وعلى الفور، ردت كوريا الجنوبية بعمل مسلح وتوعدت برد أقوى في حال تكرار «الاستفزاز». وفيما أثار القصف الكوري الشمالي قلقا كبيرا وإدانة واسعة في العالم، شددت واشنطن وبكين على ضرورة التزام الكوريتين بـ«ضبط النفس»، بينما أعلن عن بدء ترتيبات لعقد جلسة في مجلس الأمن الدولي بنيويورك.

وقتل جنديان كوريان جنوبيان في القصف المدفعي الذي سقط على جزيرة يونبيونغ الواقعة في غرب شبه الجزيرة الكورية في البحر الأصفر. وقال الجنرال الكوري الجنوبي لي هونغ كي إن خمسة جنود أصيبوا بجروح بالغة أيضا فيما أصيب عشرة آخرون إصابة طفيفة، مشيرا إلى أن ثلاثة مدنيين أصيبوا أيضا بجروح. وأضاف الجنرال لي أن الهجوم «كان مخططا له ومتعمدا وغير شرعي وينتهك اتفاق وقف النار المعلن من قبل الأمم المتحدة وفظاعة غير إنسانية تقوم على إطلاق قذائف على مناطق سكنية وعلى مدنيين عزل». وتابع أن كوريا الشمالية أطلقت «عشرات القذائف» على جزيرة يونبيونغ وفي البحر.

وأفادت شبكة تلفزيون «واي تي إن» الكورية الجنوبية بأن العديد من القذائف التي أطلقتها كوريا الشمالية تسببت في وقوع إصابات وأضرار لحقت بالمنازل. وقال أحد سكان جزيرة يونبيونغ إن نحو 50 قذيفة سقطت وإن عشرات المنازل قد تضررت فيما أصيب بعض الأشخاص بجروح. وقال لي جونغ سيك وهو أحد سكان الجزيرة أيضا: «هناك عشرة منازل تحترق على الأقل. الدخان يرتفع منها كما أن بعض التلال تحترق». وأضاف أن السلطات أبلغت عبر مكبرات الصوت بإخلاء المنازل. وأظهرت المشاهد التي بثها التلفزيون سحب الدخان تتصاعد في سماء الجزيرة.

وأظهرت اللقطات المصورة الواردة من جزيرة يونبيونغ التي لا تبعد سوى 120 كيلومترا إلى الغرب من سيول أعمدة الدخان وهي تتصاعد من المباني. وجاء هجوم أمس إثر تحركات من قبل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل لنقل السلطة إلى ابنه الأصغر، مما دفع بعض المحللين إلى القول بأن القصف ربما يرجع في جانب منه إلى محاولة الأسرة الحاكمة صقل صورتها عبر استعراض قوتها العسكرية. ويقول خبراء إن الزعيم الكوري الشمالي يلعب منذ عقود لعبة الاستفزاز المحسوب بدقة لانتزاع تنازلات من المجتمع الدولي ولتعزيز صورته لدى جيشه. لكن الخطورة تكمن في احتمال أن يخل انتقال القيادة بهذا التوازن وأن تخرج الأحداث عن نطاق السيطرة.

وأكدت قيادة أركان الجيش الكوري الجنوبي أن القذائف سقطت في الجزيرة التي توجد فيها وحدة بحرية تابعة للجيش، فيما سقطت قذائف أخرى في البحر. وذكرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية أن أربعة جنود كوريين جنوبيين أصيبوا بجروح في القصف. وأكدت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أن الجيش رد على القذائف الكورية الشمالية وتم وضع الجيش في حالة تأهب قصوى.

وأفادت مصادر أميركية بأن الرئيس باراك أوباما تم إيقاظه الساعة الثالثة و55 دقيقة صباحا، من قبل مستشاره للأمن القومي توم دونيلون لإبلاغه بالحادث. وكان مقررا أن يتسلم أوباما أمس تقريرا جديدا من مسؤوليه في أجهزة الاستخبارات حول الأزمة الجديدة في شبه الجزيرة الكورية. وأصدر البيت الأبيض بيانا أدان فيه الهجوم الكوري الشمالي وجدد دعم الولايات المتحدة لحليفتها كوريا الجنوبية. لكن واشنطن استبعدت الرد العسكري الفوري. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) الكولونيل ديفيد لابان أمس: «حتى الآن، من السابق لأوانه القول إننا نفكر في أي عمل. إننا نراقب الوضع ونتباحث مع حلفائنا»، موضحا أن وزير الدفاع روبرت غيتس سيتشاور مع نظيره الكوري الجنوبي. وينتشر نحو 28 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية منذ انتهاء حرب كوريا (1950 - 1953).

من جانبه، أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «الهجوم» الكوري الشمالي، ودعا إلى «ضبط النفس»، مبديا «قلقه الشديد» حيال التوتر في هذه المنطقة. كذلك، قال مصدر دبلوماسي فرنسي للصحافيين إن مجلس الأمن سيدعو إلى اجتماع طارئ خلال يوم أو يومين بشأن كوريا الشمالية. كما أدان حلف شمال الأطلسي «بشدة» القصف الكوري الشمالي. وقالت كارمن روميرو الناطقة باسم الحلف لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الحلف يدين بشدة قصف جزيرة كورية جنوبية من قبل كوريا الشمالية والذي أوقع ضحايا»، وإن «الحلف يتابع بانتباه تطورات الوضع بقلق عميق». وفي طوكيو قال رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان إنه أمر وزراءه بالاستعداد «لكافة الاحتمالات» بعد القصف المدفعي الكوري الشمالي لجزيرة كورية جنوبية. وقال كان للصحافيين إثر اجتماع طارئ لحكومته: «أمرت (الوزراء) بالقيام باستعدادات تتيح لنا الرد بحزم على أي احتمال».

وفي بكين، قال هونغ لي المتحدث باسم الخارجية الصينية «نأمل أن تتحرك الأطراف بشكل أكبر للمساهمة في السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية»، مضيفا: «إننا نعرب عن قلقنا إزاء الوضع». كما دعت إلى استئناف المحادثات السداسية بشأن البرنامج النووي الكوري الشمالي.

في المقابل نددت بريطانيا بـ«الهجوم الاستفزازي» على كوريا الجنوبية. ودعت فرنسا كوريا الشمالية إلى «وقف الاستفزازات» وعبرت عن «إدانتها الشديدة» لقيام بيونغ يانغ بقصف جزيرة كورية جنوبية كما أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال اليو ماري. وقالت الوزيرة الفرنسية في بيان «أدين بأشد العبارات القصف المدفعي الكوري الشمالي»، داعية «كوريا الشمالية إلى وقف الاستفزازات والامتناع عن أي عمل جديد من شانه أن يؤدي إلى تفاقم التوتر في المنطقة».

من جهته، أدان الاتحاد الأوروبي «بشدة» الهجوم. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين أشتون: «إنني قلقة جدا إزاء أحداث اليوم (أمس) في شبه الجزيرة الكورية، وأدين بشدة هذا الهجوم الكوري الشمالي».

وفي موسكو، دان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قيام كوريا الشمالية بإطلاق قذائف على جزيرة كورية جنوبية ودعا إلى وقف كل الأعمال الحربية. كما أعربت ألمانيا عن «القلق الشديد» إثر «الاستفزاز الكوري الشمالي».

واتهمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية بأنها بادرت إلى إطلاق النيران أولا، لكن متحدثا باسم الرئاسة الكورية الجنوبية صرح أن كوريا الشمالية بدأت القصف بعدما وجهت بضع رسائل تحتج فيها على تدريبات للبحرية الكورية الجنوبية وسلاح الجو والجيش قرب الحدود. وقالت الرئاسة الكورية الجنوبية في بيان إن «جيشنا سيرد بقوة على أي استفزازات جديدة». وأضافت أن القصف «يشكل استفزازا مسلحا واضحا والقصف المتهور لأهداف مدنية أمر لا يمكن السكوت عنه» داعية «السلطات الكورية الشمالية إلى تحمل مسؤوليتها».

وتأتي هذه التطورات وسط توتر شديد على الحدود بين الكوريتين بسبب برنامج كوريا الشمالية النووي وبعد غرق بارجة كورية جنوبية في مارس (آذار) الماضي حملت سيول مسؤوليته لبيونغ يانغ. كما يأتي ذلك فيما غادر المبعوث الأميركي الخاص لشؤون كوريا الشمالية ستيفن بوسوورث طوكيو متوجها إلى بكين للقاء المسؤولين الصينيين وبحث الملف النووي الكوري الشمالي بعد أيام على كشف كوريا الشمالية عن موقع تخصيب يورانيوم لديها.

وأعلنت كوريا الشمالية أن أجهزة الطرد المركزي التي عرضتها على عالم أميركي تهدف إلى إنتاج الطاقة لغايات مدنية، لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن نيتها الفعلية هي صنع جيل جديد من القنابل النووية. وتترأس الصين المحادثات السداسية المتوقفة حول نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية والتي تضم الكوريتين والصين وروسيا واليابان والولايات المتحدة، كما هي الحليف الأساسي لكوريا الشمالية. وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تبادلت القوات الكورية الشمالية والكورية الجنوبية النيران عبر حدودهما تزامنا مع حالة تأهب قصوى للجيش في سيول في إطار الاستعدادات لتنظيم قمة مجموعة العشرين التي عقدت في العاصمة الكورية الجنوبية في وقت سابق هذا الشهر.