«التسريب» يفقد الفلسطينيين في القدس مزيدا من المنازل والأراضي

اليهود يدفعون مبالغ طائلة.. والقانون الفلسطيني يجرم ذلك لكن من دون خطوات رادعة

شرطي اسرائيلي يقف على سطح منزل استولى عليه المستوطنون في جبل المكبر في القدس المحتلة، امس (أ ف ب)
TT

تغير وجه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في القدس المحتلة - ليس هناك انتفاضة يومية ولا تعايش سلمي - إلى صراع وحرب حول المنازل والبيوت والعقارات الفلسطينية في المدينة المقدسة، وهي حرب لا تنفع معها كل الشعارات السياسية المرتبطة بالحقوق، بقدر الأموال.. بل الأموال الطائلة.

ففي وقت تتجند فيه إسرائيل ومؤسساتها الرسمية وجمعياتها الاستيطانية ومناصروها ومريدوها وداعموها في كل أنحاء العالم، لصالح هذه الحرب، يجد فلسطينيو القدس أنفسهم شبه وحيدين في مواجهة هذه الجبهة القوية المتماسكة في هذه الحرب الشرسة، التي ينضم فيها بعضهم إلى هذه الجبهة بتسهيل تسريب بعض المنازل والعقارات من خلال لعب دور السمسار أو التوسط لشرائها من عرب ومن ثم تحويل ملكيتها.

فبالأمس، استولى المستوطنون، تحميهم قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية، على مبنى في حي الفاروق بجبل المكبر المطل على قرية سلوان جنوب البلدة القديمة من القدس المحتلة، وهو مبنى مكون من 3 طوابق تقطنه عائلة قراعين، ويزيد عددهم على 20 فردا، كانت قد تلقت قبل 3 أشهر أمرا قضائيا بإخلاء المبنى، ولكنها لم تنفذه، فنفذته الشرطة مؤخرا بالقوة.

تبدو القصة مثل غيرها من القصص الأخرى في القدس المحتلة.. فالمستوطنون يسيطرون على منازل عربية في القدس تحت حجج مختلفة، لكن ثمة حقيقة مرة، تقف وراء استيلاء المستوطنين على هذا المنزل، وهي «تسريبه» لليهود.

وقال حاتم عبد القادر، وزير القدس الأسبق، ومسؤول حركة فتح في المدينة: «القصة للأسف متعلقة بتسريب المنزل». وأوضح: «تم بيع المنزل كما يبدو قبل 5 سنوات، وقررت المحكمة تسليمه للمستوطنين الذين اشتروه».

وتقض هذه الحكايات مضاجع الفلسطينيين الذين لا يجدون طرقا رادعة لوقف بيع المنازل لليهود، وقال عبد القادر: «في العادة كل شيء يتم بسرية، ويعلن عن بيع المنزل بعد وفاة صاحبه أو هربه إلى الخارج وفي هذه الحالة (منزل قراعين) يبدو أن البائع متوفى والعائلة لا تعترف بهذا الإجراء».

ويعطي القانون الإسرائيلي اليهود حق شراء المنازل وتملكها في القدس، باعتبارها مدينة إسرائيلية، مثل تل أبيب، غير أن القانون الفلسطيني يمنع ذلك ويعتبره جرما. وعقب عبد القادر: «القانون الفلسطيني يحظر بيع الأراضي لليهود في القدس، باعتبار الولاية السياسية هنا للسلطة الفلسطينية». لكنه أقر بأن السلطة لا تتخذ من الإجراءات ما يكفي لردع مسربي العقارات. وقال: «السلطة ليست حازمة، ونحن طالبنا المدعي العام بتفعيل الولاية القانونية على القدس وإصدار أحكام غيابية على كل المتورطين في بيع العقارات. فبيع الأراضي خيانة عظمى والقانون يعاقب عليها بالإعدام، ويفترض على المدعي العام إصدار حكم غيابي بالإعدام على كل من يثبت تورطه في هذا المجال».

ويرى عبد القادر أن الفراغ القانوني، الذي خلفه فك الارتباط الأردني، ساعد في زيادة عمليات التسريب «فقبل فك الارتباط كان الأردن يعتبر تسريب أي متر مساسا بسيادته على المدينة، وخرقا للقانون، ويحاسب المسربين». وقال «على السلطة الآن التحرك بالمثل، وأن تسعى لتعبئة هذا الفراغ القانوني». وطالب عبد القادر السلطة ببدء «ملاحقات قانونية من خلال الإنتربول لكل شخص يبيع ويهاجر». ولا يبدو أن مثل هذه الإجراء، إذا اتخذته السلطة، سيشكل وحده رادعا قويا، بل هناك حاجة لعشرات الملايين من الدولارات.

ويلجأ بعض الفلسطينيين ضعاف النفوس لبيع عقاراتهم، تحت ضغط الإغراءات المالية التي يعرضها اليهود. فالإسرائيلي مستعد لدفع مليون دولار في منزل يساوي 100 ألف دولار، وأحيانا يعرضون «صكوكا على بياض» لعقارات تعتبر استراتيجية.

وقال عبد القادر: «لكن في المقابل هناك من لا يقبل الملايين، وهناك من يساوم، ويقول دفعوا لي هذا المبلغ فأريد مثله».

ويرى عبد القادر أن على الجامعة العربية إنشاء صندوق بغرض شراء عقارات معروضة للبيع في القدس. وقال: «هذا الموضع منسي، لكن من دون ذلك قد تبدو مجاراة الإسرائيليين صعبة، السلطة وحدها لا تستطيع».

ويتحرك بعض المقدسيين بشكل شخصي وسري لإفشال محاولات تسريب العقارات لليهود. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»: إن معدلات التسريب تراجعت إلى حد كبير في السنوات الأخيرة.

لكن بعض الفلسطينيين يتعرضون لعمليات خداع أحيانا؛ إذ ترسل الجمعيات الاستيطانية عربا لشراء المنازل ومن ثم تحويل ملكيتها. وأقر بذلك ديفيد بيري، رئيس جمعية العاد الاستيطانية، بقوله: «إنهم يرسلون أحيانا وسطاء يقولون إنهم من حزب الله لإقناع العرب ببيع أراضيهم ومنازلهم».

ولا يعني ذلك أن كل المنازل التي يستولي عليها المستوطنون مباعة، ولكن يوجد الكثير من المنازل تم الاستيلاء عليها بالقوة تحت حجج أنها مملوكة لليهود قبل عام 1948، أو لأسباب أمنية أو بسبب قانون «أملاك الغائبين».