غزة: فتور الحماس للسيارات الحديثة المستوردة من إسرائيل خوفا من أجهزة المراقبة والتنصت

TT

ضاق جمال، 29 عاما، ذرعا بتردد صديقه محمد، 27 عاما، بعد أن تجولا في أكثر من سبعة من معارض السيارات في غزة، دون أن يقرر محمد شراء واحدة من هذه السيارات الحديثة التي تزخر بها هذه المعارض بعد أن سمحت إسرائيل بدخولها إلى القطاع.

والسبب وراء تردد محمد يكمن في الخوف من أن تكون المخابرات العامة الإسرائيلية (الشاباك) قد زرعت أجهزة مراقبة وتنصت فيها. لقد اصطحب محمد، صديقه جمال، بسبب خبرته في مجال السيارات باعتباره فنيا محترفا ولديه القدرة على تقييم جودة السيارات والتجهيزات الميكانيكية المزودة بها. لكن ليس لدى جمال القدرة على تحديد ما إذا كانت هذه السيارة أو تلك مزودة بأجهزة مراقبة أم لا.

اللافت أن هناك انطباعا لدى كثير من الغزيين أن الجيش الإسرائيلي لم يسمح مؤخرا بوصول السيارات الحديثة إلى قطاع غزة بعد تخفيف مظاهر الحصار، إلا بعد تجهيز بعض هذه السيارات بأجهزة مراقبة ومتابعة استخباراتية تمكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من تعقب عناصر المقاومة الذين لدى «الشاباك» معلومات تربطهم بمخططات للمقاومة، وذلك للحصول على معلومات حول أنشطتهم وللمساعدة في تصفيتهم وقتما يتقرر ذلك.

وعلى الرغم من أن محمد ليس من عناصر المقاومة ولا يرتبط بالمطلق بأي من حركاتها، فإنه قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يصعب عليه اقتناء سيارة من دون أن يتأكد أنها خالية من هذه الأجهزة»، مشيرا إلى أنه من الصعب عليه التسليم بأن تتم مراقبته من قبل أي جهة حتى في حال لم يكن لديه ما يخفيه. وقرر محمد في النهاية شراء واحدة من السيارات التي وصلت إلى القطاع، تهريبا من مصر عبر الأنفاق، على الرغم من أن أسعارها أعلى من تلك التي وصلت بشكل رسمي عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي.

ومما عزز المخاوف والمحاذير من شراء السيارات الحديثة هو عمليات التصفية التي تعرض لها عدد من نشطاء المقاومة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، حيث إن هناك من ربط بين هذه الاغتيالات وبين سماح إسرائيل بدخول السيارات الحديثة.

وأبلغت مصادر أمنية فلسطينية «الشرق الأوسط» أن إسرائيل عكفت منذ مطلع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر (أيلول) عام 2000، على إغراق السوق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعدد كبير من السيارات التي كان بعضها مزودا بأجهزة مراقبة ومتابعة. وأشارت المصادر إلى أن السيارات التي زرعت فيها أجهزة المراقبة لا تصل مباشرة للأشخاص المرشحين للمراقبة، بل تأخذ طريقها للسوق بشكل اعتيادي حتى لا تثير الشبهات، حيث يسعى عملاء «الشاباك» من الفلسطينيين إلى الترويج لهذه السيارات في أوساط عناصر المقاومة الذين يقومون باقتناء بعضها. وتوضح المصادر أن المخابرات الإسرائيلية تفترض أن هذه السيارات ستصل إلى مستويات قيادية عليا في المقاومة، لتشكل بما فيها من أجهزة متابعة ومراقبة جزءا من منظومة جمع المعلومات الاستخبارية التي تتكامل مع الأجزاء الأخرى، مثل مصادر المعلومات البشرية، ممثلة في العملاء، والمعلومات التي تحصل عليها طائرات التجسس من دون طيار التي تمسح القطاع طولا وعرضا عدة مرات يوميا.

وأشارت المصادر إلى أن أجهزة المراقبة تتحول إلى وسائل للتصفية، حيث يكون بوسع «الشاباك» تحديد مكان أولئك المرشحين للتصفية بالضبط، قبل تنفيذ العملية. وأقرت المصادر بأن البون الشاسع في التقدم التكنولوجي بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية يجب أن يدفع الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات واحتياطات أكبر، وأوضحت أن إسرائيل تسمح كل أسبوع بدخول عدد محدود من السيارات لا يتجاوز العشرين، حتى يسهل عليها مراقبتها ومعرفة هوية الأشخاص الذين انتهت إليهم. لكن الخوف منها أدى إلى حالة من الكساد في سوقها، على الرغم من انخفاض أسعارها.