أردوغان: إذا ما نشبت الحرب فالخاسر لن يكون أهل المنطقة فقط بل الإسرائيليون

طالب إسرائيل بالكف عن أعمالها التحريضية والاعتذار

أردوغان والرئيس اللبناني ميشال سليمان في القصر الرئاسي في بيروت أمس (رويترز)
TT

أكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا تقف على مسافة واحدة من كل اللبنانيين، وطالب إسرائيل «بأن تتوقف عن أعمالها التحريضية وألا تلقي ظلالا على السلام»، مشددا خلال زيارته للبنان على أن «تركيا ستستمر في رفع الصوت عاليا تجاه الطغيان وفي الدفاع عن الحق ما دام هناك أناس يمتهنون القرصنة في عرض البحار، كما ستدافع عن الأبرياء والمظلومين والمغتصبة حقوقهم».

على وقع المفرقعات النارية وبعد أكثر من تأجيل ولأكثر من سبب، تمت الزيارة التركية المنتظرة إلى لبنان، إذ حل رئيس الوزراء رجب الطيب أردوغان ضيفا محتفى به وليومين متتاليين في العاصمة بيروت التي وصلها متأخرا نحو ساعة عن الموعد المحدد، مما أثار بلبلة بين الجماهير اللبنانية التي تجمعت لاستقباله في مطار رفيق الحريري الدولي وعلى رأسها رئيس الحكومة سعد الحريري. فرفع مائة طالب وطالبة العلم التركي، ولافتات مرحبة برئيس الوزراء كتب عليها «مرحبا وأهلا بالطيب».

الحفاوة التي لاقاها أردوغان على أرض المطار رافقته في يومه اللبناني الطويل الذي لم يخل من بعض الاحتجاجات والتنديد بالزيارة. إذ نظم لبنانيون من الجالية الأرمنية مظاهرة أمام المطار تعبيرا عن رفضهم للزيارة. فتجمع أكثر من مائة شاب وشابة من أصول أرمنية وقفوا على جانب الطريق المؤدي إلى المطار ورفعوا لافتات شاجبة للزيارة، كتب على واحدة منها «اللبنانيون لم ينسوا ماضي تركيا الدموي في المنطقة»، بينما كتب على لافتة أخرى «يجب على أردوغان أن ينحني أمام الشهداء»، و«تركيا الأمس واليوم هي هي، حاقدة ظالمة وتبقى حليفة العدو».

هذه التجمعات لم تعكر صفو الأجواء الإيجابية التي طبعت اليوم الأول من الزيارة الذي استهله أردوغان من القصر الجمهوري في بعبدا، حيث استعرض مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان الأوضاع في المنطقة، ولأهمية أن تبقى الساحة اللبنانية مستقرة سياسيا وأهمية التفاهم بين اللبنانيين، من أجل إيجاد حلول للمواضيع ذات الصلة بالمحكمة الدولية. وإذ لفت أردوغان إلى أن الهدف من زيارته هو «توقيع عدد من الاتفاقات بين البلدين أنجزها الوزراء المختصون، بالإضافة إلى بحث موضوع التعاون الاستراتيجي الرباعي بين تركيا وسورية والأردن ولبنان، الذي يسهم بشكل كبير في تعميق علاقات التعاون والأخوة بين هذه الدول»، أمل الرئيس سليمان «تعزيز العلاقات اللبنانية - التركية في شتى المجالات على المستوى الثنائي وعلى مستوى التعاون مع دول المنطقة»، وشكر لتركيا «مساهمتها المستمرة في (اليونيفيل) ووقوفها إلى جانب قضية الشرق الأوسط»، مشددا على «أهمية قيامها بدورها في الملفات الأساسية في المنطقة، إضافة إلى موقفها من حصار غزة».

ومن بعبدا، انتقل الضيف التركي إلى عين التينة مقر الرئاسة الثانية، حيث عقد - وبعد محادثات مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري - مؤتمرا صحافيا أكد فيه الاهتمام التركي بالتطور الداخلي في لبنان، لافتا إلى أن «تركيا تركز جهودها للمساهمة في الحفاظ على وحدة لبنان». وأكد أردوغان أن «تركيا تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين»، معتبرا أنه «كلما تقدم اللبنانيون خطوات في مجال التنمية يكون هناك تدخلات لعرقلة هذا الإنماء» وأضاف: «لا بد ألا نسمح لمثل هذه التدخلات ونحافظ على وحدتنا ونكون أقوياء، وبهذا ننقل لبنان إلى المستقبل بشكل قوي»، معلنا عن «قمة رباعية ستعقد بين أربع دول في المنطقة، وهي: تركيا، سورية، لبنان والأردن، سيتم التوقيع خلالها على ثلاثين اتفاقية، كما سيعقد، في شهر مايو (أيار) المقبل، اجتماع على مستوى الرؤساء في إسطنبول». بدوره، أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن «أردوغان يحمل هم لبنان بكل طوائفه ومذاهبه وليس هم طائفة واحدة أو مذهب واحد»، مشددا على «سعيه لدعم الحل الذي يكون لمصلحة اللبنانيين جميعا».

وإلى عكار في شمال لبنان وصل أردوغان يرافقه الحريري عبر طوافة عسكرية، حيث أعد لهما احتفال شعبي كبير في منطقتي الكواشرة وعيدمون، دشن بعده أردوغان مدرسة تبرعت بإنشائها تركيا. وعلى وقع أناشيد تيار «المستقبل»، ومن البلدة التي ما زالت تحافظ على تقاليدها التركية، وإلى حيث تقاطر المئات الذين عبر تصفيقهم المتواصل عن لهفتهم، لفت أردوغان إلى أن «السلام والهدوء والاستقرار سيحولون لبنان إلى نجم ساطع»، مؤكدا أن تركيا ستكون في كل ميدان وفي كل فترة إلى جانب لبنان. وطالب أردوغان إسرائيل «بأن تتوقف عن أعمالها التحريضية وألا تلقي ظلالا على السلام»، مشددا على أن «تركيا ستستمر في رفع الصوت عاليا تجاه الطغيان وفي الدفاع عن الحق ما ادم هناك أناس يمتهنون القرصنة في عرض البحار، كما ستدافع عن الأبرياء والمظلومين والمغتصبة حقوقهم»، مشيرا إلى أن «تركيا تريد إعادة الحقوق للقدس وغزة، وستستمر في دعم بيروت». وشدد على أن على «حكومة إسرائيل أن تدرك تماما أنه عندما يستتب الأمن والسلام في المنطقة فستربح هي الأخرى من هذا السلام، وفي حال ما نشبت الحرب فإن الخاسر لن يكون فقط أهل هذه المنطقة بل سيخسر مواطنو إسرائيل أيضا». ودعا حكومة إسرائيل إلى التراجع عن أخطائها والاعتذار لأبناء المنطقة، وأن تعمل من أجل السلام ورفاهية أهل المنطقة ومواطنيها. وأشار إلى أنه «عندما كانت بيروت محاصرة، شعرنا بأننا نحن المحاصرون، أغرقتنا الدماء التي أسيلت في صبرا وشاتيلا بالألم»، ولفت إلى أنه «عندما قتل رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في بيروت شعرنا بالألم العميق، لقد أحزننا وآلمتنا القنابل لتي انهمرت على لبنان، وإنني متأكد - كما نشعر بالآلام التي نتقاسمها - أنكم أيضا تشعرون بالألم نتيجة القتلى الـ9 في عرض المتوسط على متن سفينة مرمرة».

وتطرق إلى موضوع إلغاء التأشيرات بين تركيا ولبنان في العام الماضي، معتبرا أنه «بإلغاء التأشيرات تعانق الشعبان بعد طول فراق، واليوم يستطيع الراكب أن يخرج من إسطنبول إلى أنقرة ويدخل الأراضي السورية يمر من اللاذقية ويصل إلى طرابلس ومنها إلى بيروت بهدوء وطمأنينة وراحة بال».

بدوره، لفت الحريري إلى أن «العلاقة اللبنانية - التركية تقدمت كثيرا خلال اللقاءات الأخيرة في أنقرة ولبنان»، مشيرا إلى أن «العلاقة التركية اللبنانية مصلحة للبلدين وللاقتصاد والثقافة»، مضيفا: «نؤمن أن هذه العلاقة يجب أن تكون مميزة بين لبنان وتركيا، لأنه إذا توحدنا جميعا في كل المجلات الاقتصادية والتربوية والسياسية سنصبح قوة اقتصادية عالمية، وهذا ما نخطط له في المستقبل القريب».

وفي محطة أخيرة في يومه الأول في لبنان، عقد أردوغان وفي السراي الحكومي محادثات مع رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أولم على شرفه.

أما اليوم، فيشارك الزعيم التركي في المؤتمر المصرفي العربي السنوي لاتحاد المصارف العربية، على أن ينتقل بعدها إلى مدينة صيدا الجنوبية، حيث يفتتح مستشفى الطوارئ لمعالجة إصابات الحروق الذي بني بمساعدة تركية (20 مليون دولار). ويختتم زيارته للبنان بتفقد الوحدات التركية العاملة في قوات الأمم المتحدة في الناقورة.