أوباما أمامه خيارات قليلة في كيفية التعامل مع الملف الكوري

كشف بيونغ يانغ عن برنامج نووي ثان عقد من جهود احتوائها

TT

قدم القصف الكوري الشمالي لجزيرة كورية جنوبية، والذي تزامن مع كشفها المتعمد عن برنامج نووي جديد، تحديا كبيرا للولايات المتحدة في واحدة من أخطر المناطق بالعالم. وقد اتفق الرئيس الأميركي باراك أوباما مع نظيره الكوري الجنوبي لي ميونغ باك في مكالمة هاتفية الليلة قبل الماضية على إجراء المناورات العسكرية المشتركة الأحد المقبل من أجل «التأكيد على قوة تحالفنا والالتزام بتحقيق السلام والأمن في المنطقة»، حسبما ذكر البيت الأبيض في بيان.

وتعهد أوباما بقيادة الجهود الدولية لإدانة الهجوم الكوري الشمالي الذي استمر 50 دقيقة وتسبب في مقتل جنديين ومدنيين اثنين، لكن محللين قالوا إن الولايات المتحدة تواجه القليل من الخيارات الجيدة في هذا الصدد. وإذا امتنعت واشنطن عن عقد محادثات مع كوريا الشمالية في حال لم توافق على التخلي عن أسلحتها النووية، وهو جزء من سياسة إدارة أوباما المعروفة باسم «الصبر الاستراتيجي»، فإنه يمكن لبيونغ يانغ أن تصعد من هجماتها عبر شن مزيد من الهجمات المدفعية أو شن هجوم على سفينة حربية كورية جنوبية، يشبه ذلك الذي اتهمت بشنه في مارس (آذار) الماضي. كما يمكن أن تجري اختبارا نوويا ثالثا، والذي أشارت الشائعات المتداولة منذ فترة طويلة إلى أنه قد بات وشيكا، أو أن تستمر في بيع تقنية أسلحتها النووية بالخارج.

وعلى الجانب الآخر، إذا تم جر إدارة أوباما للدخول في محادثات مع الكوريين الشماليين، فلن تتمكن من تجنب الظهور بأنها تنحني في مواجهة الضغوط. وحتى إذا تم استئناف المحادثات، فليس هناك أي ضمانة بأن كوريا الشمالية لن تواصل استفزازاتها وهجماتها. وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، تحدث شرط عدم ذكر اسمه: «لدينا فلسفة ضمنية ترى ضرورة عدم مكافأة سلوك سيئ بتقديم تنازلات. وستستمر هذه الفلسفة في تحديد خطواتنا القادمة».

وسجلت هجمات المدفعية التي وقعت أول من أمس أول مرة تختبر فيها كوريا الشمالية منذ سنوات قوة جيشها الذي يبلغ تعداد أفراده 1.1 مليون شخص على سكان مدنيين في كوريا الجنوبية. وأثار الهجوم حفيظة كوريا الجنوبية التي ردت بنيران مدفعيتها، مع البدء في حشد قواتها الجنوبية وتصاعد المخاوف إزاء إمكانية أن تتحول هذه الاشتباكات إلى حرب شاملة.

ورغم قول كوريا الشمالية إن جارتها الجنوبية هي التي بدأت بإطلاق النار، قال مسؤولون أميركيون إن الهجوم بدا غير مبرر ومتعمدا. وأشاروا إلى أن كوريا الشمالية بدأت بإطلاق نيران مدفعيتها بعد 4 ساعات من سكوت المدافع الكورية الجنوبية. وقالت مصادر في الإدارة الأميركية أيضا إن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل وابنه الثالث، ووريثه المحتمل في السلطة كيم يونغ أون، زارا القوات خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي في المنطقة التي شهدت انطلاق الهجوم، فيما بدا كأنه نوع من الحشد العسكري قبل شن الهجوم.

وبدا الهجوم الكوري الشمالي كما لو كان مخططا له سلفا لأنه تزامن مع كشف بيونغ يانغ عن برنامجها النووي الجديد، الذي كانت قد استخدمته للمراوغة على مدار الشهر الماضي، التي بلغت ذروتها مع كشف بيونغ يانغ عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وقد عقد هذا التطور فعلا من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لدفع كوريا الشمالية إلى التخلي عن برنامجها النووي، إضافة إلى إنتاجها للبلوتونيوم، وقد أصبحت كوريا الشمالية الآن تملك طريقة ثانية لصنع قنبلة نووية.

ومع ذلك، ومن دون وجود شكل معين من الارتباط والتعهد المتجدد، يشعر محللون من أمثال سيغفريد هيكر، المدير السابق لمختبر لوس ألاموس الأميركي، الذي عرض عليه برنامج تخصيب اليورانيوم الكوري الشمالي في الثاني عشر من الشهر الحالي، بالقلق من أن كوريا الشمالية ستستمر في السير على طريق المواجهة الذي تسلكه. وقال هيكر: «يتعين علينا أن نتعامل مع النقاط الأساسية لأمن كوريا الشمالية». وحاليا، يبدو الهاجس الأساسي لإدارة أوباما هو أمن كوريا الجنوبية، وضمان عدم خروج الوضع عن نطاق السيطرة.

وفي البيت الأبيض، اجتمع مسؤولون بارزون من وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون ووزارة الخارجية والوكالات الحكومية الأخرى من أجل رسم خريطة لطريقة التعامل مع هذه القضية في المستقبل. وقد حضر أوباما أيضا. لكن محللين ذكروا أن الطريق سوف يكون شاقا. ويرى البعض أن الولايات المتحدة تحتاج لشركاء مؤثرين في المنطقة. وقد تقدمت الصين، التي تعاونت لعدة سنوات في تنسيق تام مع الرؤساء المتعاقبين للولايات المتحدة بخصوص التعامل مع كوريا الشمالية، خلال الشهور الأخيرة في اتجاه تبني بيونغ يانغ وأبطأت على ما يبدو من مساعي أوباما للسيطرة على كوريا الشمالية.

وكان المبعوث الأميركي ستيفن بوسوورث، الممثل الخاص لشؤون كوريا الشمالية في الخارجية الأميركية، قد التقى مع نظراء في بكين أول من أمس، لكنه لم يتحدث عن نتائج هذا الاجتماع، واصفا النتائج بأنها «مفيدة جدا». وقد ردت الصين بحذر فيما يتعلق بالهجوم والكشف عن البرنامج النووي الجديد لكوريا الشمالية، وطالبت كل الأطراف باستئناف المحادثات.

كذلك، فإنه حتى في حال هدأت الأزمة، وتم استئناف المحادثات النووية، ستجد الإدارة الأميركية نفسها أمام مشكلة أخرى، ذلك أن كوريا الشمالية لا تملك الآن برنامجا واحدا وإنما تملك برنامجين للأسلحة النووية.

وكان البرنامج النووي لكوريا الشمالية يقوم على عزل البلوتونيوم، وهو أمر يسهل مراقبته بشكل أكبر لأنه ينطوي على استخدام مفاعلات نووية، تكون ظاهرة ومرئية عموما لأقمار التجسس الصناعية. وفي 12 من الشهر الحالي، حصل هيكر على فرصة القيام بجولة في منشأة لتخصيب المواد النووية في مبنى غير معلوم سقفه أزرق بمفاعل يونغبيون، وهو الموقع الذي يشهد إجراء قدر كبير من الأنشطة النووية لكوريا الشمالية. وقال هيكر، وهو يصف منشأة حديثة كانت تضم صفوفا متراصة من أجهزة الطرد المركزي قادرة على تخصيب اليورانيوم: «لقد شعرت بالدهشة تماما، وأصابني الذهول». وحتى هيكر، الذي يدافع عن الارتباط مع كوريا الشمالية، يعترف أن الكشف النووي الأخير يعقد من أي محادثات محتملة لأن هذه المنشآت يسهل إخفاؤها جدا. وقال هيكر: «كلما كان لدينا الكثير من هذه القاعات، ستتغير الصورة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»