الانتخابات المصرية: حقن وعلب دواء و«حفاضات» وبالونات في دعايات الأحزاب والمرشحين

مرشحة وزعت صورها بالحجاب ومن دونه ومرشح يوزع كروت هاتف.. وآخر وضع صورته على أسطوانات الغاز

تلميذان يعاينان أمس بوابة مدرستهما في القاهرة التي غطيت بملصقات دعائية للمرشحين للانتخابات التشريعية (أ.ب)
TT

لم تخل الانتخابات المصرية التي أصبحت على صفيح ساخن من روح الدعابة والفكاهة، وغدت أشبه ببرامج الغرائب والطرائف، خاصة مع تنوع أساليب الدعاية بين المرشحين، ولجوء بعضهم إلى أشكال دعاية غير تقليدية. وكعادتهم وجد الكثير من المصريين في هذه الأجواء مجالا خصبا لنحت الكثير من النكت، وإشاعة روح الدعابة والمرح للتخفيف من وطأة المعركة الانتخابية على أعصابهم المثقلة بالكثير من ضغوط الحياة. وبدورهم استشعر الكثير من المرشحين فوائد هذا الجو المرح فلجأوا إلى تبسيط وسائلهم الدعائية، واعتماد رموز وشعارات تتوخى الطرافة لجذب انتباه الناخبين والفوز بأكبر عدد من أصواتهم.

هذا المشهد من «الكوميديا السياسية» تلحظه بوضوح، حين تجلس على أحد المقاهي الشعبية، بل يصادفك أحيانا في قطارات المترو والحافلات العامة، حيث تشهد الأحاديث والنقاشات المتناثرة بين المواطنين حالة من التندر من هذه الأشكال الدعائية، أو من المرشح ذاته صاحب الدعاية الطريفة ولا تندهش حين تنطلق ضحكتك مجلجلة بشكل تلقائي فور سماعك واحدة من هذه «الإيفيهات» أو النكات السياسية التي أنتجتها روح المصريين الفكاهية.

من أكثر الحملات الانتخابية التي لاقت رواجا في سوق الفكاهة، الإعلانات الدعائية التلفزيونية لحزب الوفد المعارض حول ضرورة التغيير، حيث تضمن أحدها جملة «حقنة التغيير ممكن توجع كتير.. بس هتريح كتير.. جرب علاج الوفد»، ومضمونه يظهر على الشاشة رجلا ريفيا مريضا ينام على بطنه، فيما تظهر بجواره يد تحمل حقنة كبيرة مملوءة بسائل أزرق اللون، ويتزامن هذا المشهد مع صوت يتحدث عن حقنة التغيير التي تؤلم في البداية، بينما تغرس الحقنة في «مؤخرة» الرجل، فتبدو ملامح الألم على وجهه ثم تتغير ملامحه إلى السعادة.

فيما يتضمن إعلان في ذات الحملة مشهدا لرجل يقوم بتغيير «البدلة» التي يرتديها، ومشهد آخر لأم تقوم باستبدال «الحفاضة» لطفلها الرضيع، بينما يأتي التعليق: «فيه ناس فاهمة التغيير كده وناس فاهماه كده.. لكن مع الوفد هيبقى كده»، وينتهي المشهد بتغيير سعر الطماطم، التي شهدت ارتفاعا في سعرها وصل خلال الأسابيع الماضية إلى 12 جنيها، بما يعادل دولارين.

أما جماعة الإخوان المسلمين، فقام أحد مرشحيها في دائرة بركة السبع بالدعاية لنفسه بشكل جديد من خلال تصميم «علبة دواء» أثارت انتباه من تصل إليه، فالعلبة تحمل شعار الجماعة «الإسلام هو الحل»، وتحاكي الكلمات المكتوبة عليها ما يكتب على علب الدواء، مثل الإسلام «علاج» جميع أمراض الحياة، و«شفاء» لما في الصدور، أما تاريخ الصلاحية فهو صالح – أي الإسلام - لكل زمان ومكان. كما تحمل العلبة عبارة انظر النشرة الداخلية، والتي صممت هي الأخرى لتحاكي النشرات الطبية ولكن للتحدث عن الإسلام، مثل طريقة الاستعمال، موانع الاستعمال، الخواص، المحتوى..، فيما تذيل النشرة عبارة: «إسلامك يناديك.. قم بواجبك.. انتخب من يعمل للإصلاح».

أما ما أثار سخرية الكثير من المصريين فهو قيام إحدى مرشحات الحزب الوطني الحاكم على مقعد الكوتة بتوزيع أوراق دعائية لنفسها، مرة بالحجاب ومرة من دونه، حيث تندر البعض أنها تسعى لإرضاء جميع الأذواق. بينما لجأت مرشحة أخرى للوطني في محافظة أسوان إلى وسيلة مبتكرة للدعاية لنفسها، خاصة بين الشباب، حيث قامت بتوزيع تذاكر سينمائية مجانية على الناخبين، بل إنها قامت باستئجار إحدى دور العرض خصيصا لهذا الغرض، الطريف أنها اختارت تحديدا فيلم (بلبل حيران) للفنان الكوميدي أحمد حلمي ليكون دعاية لها، باعتباره النجم السينمائي المفضل حاليا لدى الشباب.

طرائف أخرى شهدتها الدعاية الانتخابية، حيث يستغل المرشحون كل ما يتاح أمامهم للترويج لأنفسهم، فمع انتشار «التوك توك» كوسيلة مواصلات هامة في أحياء القاهرة الشعبية والمحافظات، استخدم هو الآخر للدعاية، حيث حرص كثير من المرشحين على لصق صورهم عليه، بما يضمن انتشارها إلى أكبر عدد من أهل دائرته، وذلك مع قدرة «التوك توك» على الدخول إلى مناطق قد لا تصل إليها الدعاية الأخرى مثل الحارات والأزقة. وفي حملة مضادة لـ«التوك توك»، وفي مدينة القناطر الخيرية غضب أحد المرشحين من انتشار صور منافسه على المئات منها، فقام بإلصاق مطبوعاته الدعائية على أتوبيسات النقل الجماعي التابعة لإحدى الشركات الخاصة.

«التوك توك» أيضا كان في مقدمة البرنامج الانتخابي للمرشح على مقعد الفئات بدائرة إدكو ورشيد بمحافظة البحيرة، فمن بين 11 وعدا انتخابيا تبنى المرشح مشروعا لإنشاء خط سير خاص لسيارات «التوك توك» على غرار قطارات السكة الحديد.

التبسط في استخدام وسائل الدعاية الانتخابية ظهرت ملامحه بكثرة خلال أيام عيد الأضحى، حيث اعتبره الناخبون فرصة للتقرب من مرشحيهم، خاصة مع تزامنه مع الانتخابات البرلمانية، ففي محافظة حلوان قام أحد المرشحين بتعليق صوره على عشرات البالونات وتوزيعها مجانا على الأطفال في الحدائق العامة، وهو نفس الحال لأحد مرشحي إحدى المحافظات الساحلية، حيث قام وقت صلاة العيد بتوزيع لعب أطفال وبالونات هدية إلى أطفال الدائرة تم تغليفها بأكياس بلاستيكية مكتوب عليها «هدية بمناسبة العيد إلى أطفال الدائرة من مرشحكم (....)»، الطريف كان في احتشاد المئات من الأهالي قبل وبعد الصلاة بأطفالهم للحصول على «الهدية» أو «العيدية» من أنصار هذا المرشح. وبمناسبة العيد أيضا قام أحد المرشحين بالإسكندرية من رجال الأعمال بتوزيع أدوات كهربائية ومنزلية على أهالي دائرته.

الرقص البلدي والغناء كان له نصيبه من الدعاية الانتخابية للمرشحين، وطال عددا من وزراء الحكومة المرشحين الماضية، فوزير الإنتاج الحربي سيد مشعل مرشح الحزب الوطني عن دائرة حلوان فضل الرقص بالعصا وسط أهالي بلدته «عزبة الوالدة» الذين استقبلوه بالطبل البلدي والمزمار والرقص على الحصان. أما وزير المالية يوسف بطرس غالي، مرشح دائرة المعهد الفني بشبرا فقام هو الآخر بالرقص على أنغام الطبل والمزمار في إحدى جولاته الانتخابية، وكذلك فعل زميله وزير الزراعة أمين أباظة على الرقص في مسقط رأسه بمحافظة الشرقية.

الغناء «الدعائي» أيضا كان له حضوره، ففي محافظة المنوفية قام أحد المرشحين المستقلين، ويطلق على نفسه مرشح الشباب، إلى الدعاية لنفسه من خلال عازف على آلة «الربابة» يطوف الشوارع للتغني باسم المرشح، أما في محافظة القليوبية فاعتمد بعض المرشحين على الأغاني، منهم مرشح الوطني بكفر شكر الذي تغنى له الفنان شعبان عبد الرحيم، ومرشح آخر قام بعمل أغان للدعاية لنفسه بين أهالي دائرة بنها. بينما لجأ مرشح حزب التجمع بدائرة المنصورة بالاستعانة بأحد المطربين المغمورين في أحد مؤتمراته الانتخابية وتخصيص جزء كبير من المؤتمر لغناء الأغاني الشعبية القديمة، خاصة ألحان الشيخ إمام وسيد درويش، وهو ما نال إعجاب عدد كبير من أهالي الدائرة.

الخضراوات واللحوم كان لها دور في العملية الدعائية، فالكثير من المرشحين أقاموا خياما وشوادر لتكون مراكز لبيع سلع غذائية كالخضراوات واللحم والدجاج بأسعار مخفضة، في حين قام آخرون بتوزيع صناديق تحتوي على مواد تموينية مجانا على الأسر الفقيرة في دوائرهم الانتخابية، ففي منطقة بولاق الدكرور الشعبية بمحافظة الجيزة اختار أحد المرشحين «الطماطم» لتكون وسيلته لجذب أصوات الناخبين، حيث يطرح يوميا أطنانا منها للبيع بأسعار مخفضة متحملا الخسارة في التكاليف، الطريف هو تصاعد الهتافات المؤيدة لهذا المرشح بحرارة من قبل الناخبين أثناء قيامهم بالشراء.

بينما لجأ أحد المرشحين بمحافظة المنوفية إلى أسلوب جديد للدعاية لنفسه معبرا عن برنامجه الانتخابي، حيث قام بلصق مطبوعات عليها صورته على أنابيب الغاز، مقابل مساهمته بنصف الثمن، وما يريد إيصاله للناخبين أن هدفه هو وصول الدعم لكل أسرة.

الهاتف الجوال كان له دعم هو الآخر، فقد ذهب أحد المرشحين في القاهرة إلى توزيع كروت شحن للهواتف الجوالة، الطريف أن أنصار هذا المرشح قبل أن يعطوا المارة كارت الشحن يقومون بسؤالهم عن نوع خط الهاتف حيث يحملون كروت شحن لشركات الجوال الثلاثة في مصر.. ما جعل أحد المواطنين يمازح فريقا يقوم بالدعاية لأحد المرشحين بقوله «لحمة ولا خضراوات ولا جوال يا بيه.. كله ماشي».