كرزاي يحمل المخابرات البريطانية مسؤولية إشراك «محتال» طالبان في محادثات المصالحة

نقلوه على طائرات نقل عسكرية وأعطوه 100 ألف دولار.. والأفغان اكتشفوا الفخ

TT

قال كبير أمناء مكتب كرزاي أول من أمس إن السلطات البريطانية مسؤولة عن السماح لمحتال ادعى الانتماء إلى حركة طالبان بدخول القصر الرئاسي، وإنه على الأجانب الابتعاد عن المفاوضات الحساسة مع حركة التمرد الأفغانية. وقال محمد عمر داود زاي، كبير أمناء مكتب كرزاي، في مقابلة، إن البريطانيين قد أدخلوا رجلا ادعى أنه الملا اختر محمد منصور، أحد القادة رفيعي المستوى في حركة طالبان، للقاء كرزاي في يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) الماضيين، لكن اكتشف أحد الأفغان من الحضور أنه «ليس هو ذلك الرجل». وأضاف أن الاستخبارات الأفغانية قد أوضحت لاحقا أن ذلك الزائر كان بالفعل صاحب متجر من مدينة كويتا الباكستانية.

وقال داود زاي «هذا يوضح أنه كان ينبغي على الأفغان أن يديروا هذه العملية بالكامل، وآخر درس تعلمناه من هذا هو أن على الشركاء الدوليين عدم التحمس سريعا لمثل هذه الأشياء.. فالأفغان يحيطون علما بهذا الأمر وبكيفية معالجته. نحن نعالجه بحرص وبمقاربة تقوم على النتيجة من دون الإضرار كثيرا بالعمليات الأخرى». تسببت هذه الواقعة في حرج المسؤولين الأفغان والغربيين، وأضعفت الفكرة التي روجها مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى في وقت مبكر من هذا العام حول وجود زخم باتجاه إمكانية عقد محادثات سلام. كانت تعليقات داود زاي من أكثر التصريحات التي ألقت باللائمة على البريطانيين صراحة حتى الآن، رغم أن المسؤولين الأميركيين أوضحوا أيضا أن انتحال شخصية منصور كان مشروعا بريطانيا بالأساس. لطالما رأى مسؤولون أميركيون أن البريطانيين أكثر عدوانية من الأميركيين في الدفع باتجاه التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب.

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى مطلع على القضية إن الشخص الذي انتحل شخصية منصور كان «رجل البريطانيين، فالبريطانيون هم من قدموه». ورفض متحدث باسم السفارة البريطانية في كابل التعليق على الأمر.

لا تزال قصة كيفية جلوس الرجل أمام كرزاي محل خلاف كبير، حيث قال داود زاي إن السلطات الأفغانية اتصلت أولا برجل يزعم أنه ممثل منصور منذ ما يتراوح بين ستة وثمانية أشهر مضت. وكان هذا الرجل مستعدا لترتيب عقد محادثات سلام، وقال إن منصور يريد جدولا زمنيا لانسحاب القوات الأجنبية والقيام بتعديلات دستورية لدمج الشريعة الإسلامية، لكن القصر الرئاسي قرر ألا يعقد لقاء مع معاون منصور «لأنه لم يكن من الشخصيات المعروفة، ودون المستوى».

وأضاف داود زاي أن البريطانيين تولوا زمام الأمور، واتصلوا بذلك الرجل من أجل ترتيب موعد لزيارة منصور لكابل، وأن ممثلين بريطانيين، لا أميركيين، كانوا من الحاضرين في الاجتماع مع كرزاي.

وقال مسؤولون أميركيون إن الشكوك كانت تساورهم من البداية، فمنصور شخصية معروفة، وقد كان وزير طيران مدني سابقا في حكومة طالبان، بينما كان الشخص المنتحل لشخصيته أقصر منه ببضع بوصات، بحسب ما أشارت إليه الاستخبارات الأميركية، ولم يأت بصحبته من قال إنهم سيأتون معه. وبحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى، كان مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، على وجه الخصوص، بما في ذلك قائد محطة في كابل، متشككين من الأمر، لكن مسؤولي الاستخبارات البريطانية كانوا يعتقدون أن هذا الشخص غير مزيف. وقال مسؤول أميركي آخر «عبرت وكالة الاستخبارات الأميركية عن شكها في انتحال شخصية الملا منصور مبكرا. لقد كان هذا تشككا سليما». ويختلف مسؤول أفغاني رفيع المستوى سابق كان مطلعا على القضية مع ذلك الطرح، حيث يقول إن البريطانيين قدموا فقط الدعم اللوجيستي لمساعدة منصور في الوصول إلى كابل. ورأى أن موقف داود زاي هجوم سياسي على الغرب، في حين أن المسؤول الحقيقي عن ذلك الاجتماع هو الأفغان.

وأضاف أن النقاش المجتمعي لهذه القضية يعرض حياة الرجل الذي حضر الاجتماع والعملاء الأفغان في باكستان للخطر، و«أفسد» العملية برمتها.

وقال المسؤول «إذا كان ذلك الشخص منتحلا ولم يتوافر دليل على ذلك بعد فقد تعجلوا النتائج قبل النظر في الدليل»، مشيرا إلى أن الرجل الذي حضر الاجتماع مر باختبارات تحقق من الهوية تبلغ دقتها 95 في المائة.

وتساور المسؤول الأميركي الشكوك حول مزاعم الأفغان بأن المنتحل لشخصية القائد بحركة طالبان مدير متجر. وتشير تعليقات المسؤول إلى معرفته بمواقف حركة طالبان من هذه الأمور وإطلاعه على دائرة الحركة الداخلية. وقال داود زاي إن أحد أجهزة الاستخبارات الباكستانية قد أرسل ذلك المنتحل «لاختبار النظام»، لكن «لا يمكن القول إن ذلك مؤكد». وأضاف أنه في كلتا الحالتين «تتعجل» بريطانيا ودول أوروبية أخرى دفع محادثات السلام مع حركة طالبان قدما، ربما لتعجيل انسحاب القوات. ينبغي على مجلس السلام في أفغانستان الذي يتكون من 70 عضوا، ويضم مسؤولين سابقين في حركة طالبان، أن يقود العملية لمعرفته الجيدة بالعدو.

إلى ذلك.. قالت صحيفة «التايمز» أمس إن المخابرات البريطانية دفعت أموالا ودعمت رجلا ادعى أنه من زعماء طالبان وأجرى محادثات مع الرئيس الأفغاني كرزاي. وقالت الصحيفة أمس إن ضباط جهاز المخابرات السرية البريطانية دفعوا أموالا للملا منصور، اعتبارا من مايو (أيار) هذا العام، لاعتقادهم أنهم حققوا إنجازا تاريخيا بعقد اتصالات بين طالبان والحكومة الأفغانية.

فيما قالت «ديلي تلغراف» إن المخابرات البريطانية قد ظلت لمدة سنة ترعى وتدفع المال لرجل يزعم أنه الملا أختر محمد منصور، أحد كبار قادة طالبان. ويقدر ما دفعوه له بما لا يقل عن مائة ألف دولار، قبل أن ينقلوه جوا للاجتماع مع المسؤولين الأفغان في محاولة للتوصل إلى اتفاق بين الحكومة ومسلحي طالبان. وقد كشف الأفغان الذين يعرفون منصور الحقيقي عن الخطأ في نهاية المطاف، لكن سمح للرجل بالعودة إلى باكستان وفقا للتقارير.

ويعتقد أن المخابرات البريطانية «MI6» قد أجرت اتصالا مع «منصور» في مدينة كويتا الباكستانية، حيث يوجد مقر قيادة طالبان. وقالت الصحيفة «البريطانيون كانوا مقتنعين بالنوايا الحسنة للرجل، ونقلوا منصور جوا من كويتا إلى كابل على طائرة نقل بريطانية طراز (سي 130) في عدد من المناسبات».

* اشترك كل من راجيف تشاندراسكاران وغريغ ميل الكاتبين في صحيفة «واشنطن بوست» في كتابة هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»