برنامج هندي يدرب نساء أميات على كيفية تحويل الشمس إلى كهرباء

غالبية المستفيدات جدات من أفريقيا يعدن مهندسات لإضاءة قراهن المظلمة

مؤسسة «بيرفوت كوليدج» دربت أكثر من 300 امرأة نجحن في إدخال الكهرباء إلى 10 آلاف منزل في 21 دولة
TT

وجدت بيلا وفرانسيسكا القادمتان من كينيا والكاميرون، أن شمس الهند شديدة القسوة، وأن تشاباتي (الخبز الهندي) والعدس المعد وفق الطريقة الهندية مثيران للملل، لكن هذا لم يحبط حماسهما للعمل في مجال الطاقة الشمسية تحملان الطاقة إلى القرى المظلمة في أفريقيا.

من جهتها، تعمد سوزانا، 59 عاما، وهي مزارعة من ناميبيا، إلى لحم عدد من الأسلاك الكهربائية معا لبناء مصباح يعمل بالطاقة الشمسية. وقالت الجدة بينما أخذت تنخس المصباح بحرص ليضيء: «إنه جيد! سنضيء منزلنا أولا حتى يرى الناس ماذا جلبنا معنا». وعلى الطرف الآخر من الطاولة، يومئ ياتسا غامباي، 35 عاما، من سيراليون، رأسه في إشارة على اتفاقه في الرأي معها.

ومن الواضح أن أفريقيا تعمد حاليا لبناء علاقة خاصة مع الشمس بفضل مؤسسة «بيرفوت كوليدج» بقرية تيلونيا الهندية، حيث تفد إليها أمهات وجدات ريفيات لمدة 6 شهور للتدريب على كيفية تجميع وتصنيع وتوصيل دوائر وبناء مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، ثم يعدن لأوطانهن مسلحات بمعدات وأدوات قدمتها لهم المؤسسة بهدف إقامة مشروعات لاستغلال الطاقة الشمسية لإضاءة القرى التي يعشن بها وتعليم آخرين ما تعلمنه. يذكر أن نسبة تغطية الكهرباء في الصحراء الكبرى لا تتجاوز 2%. وأوضح مؤسس الكلية سانجيت روي، المعروف أيضا باسم بنكر روي، بنبرة مفعمة بالفخر: «الكثيرات منهن لا يزلن على اتصال بنا. وأحيانا، يتصلن بنا في منتصف الليل ليخبرننا بحجم التقدم الذي أحرزنه. لم أسمع عن قصة واحدة لم يصادفها النجاح. إنهن يأتين إلينا كنساء، ثم يعدن أشبه بالنمور تملأهن الثقة».

أحيانا تكون المظاهر الأولى خادعة، فمثلا، تبدو تيلونيا، وهي قرية قاصية في ولاية راجستان (غرب الهند)، كأن تغييرا لم يطرأ عليها منذ 100 عام. لكن عندما يقضي بها المرء وقتا أطول، يدرك سر البصمة التي تركتها هذه القرية شديدة الضآلة على الخريطة العالمية، حيث تضم «مركز العمل والأبحاث الاجتماعية» و«بيرفوت كوليدج».

أنشئت مؤسسة «بيرفوت كوليدج» عام 1972، وبنيت على فكرة أن حلول المشكلات الريفية تكمن داخل المجتمع، وتتولى تدريب أفراد غالبا ما يكون حظهم من التعليم الرسمي قليلا. وتقوم المؤسسة بتعليمهم مهارات مختلفة. ويقف مقر المؤسسة الممتد على مساحة 7430 مترا مربعا كشهادة على إمكاناته الهائلة. يذكر أن مجمع المؤسسة جرى تصميمه وبناؤه اعتمادا على مواد محلية قدمها قرويون اعتمدوا في البناء على المعرفة التقليدية التي تناقلوها من جيل لآخر. أما احتياجات المجمع من الطاقة فيجري الإيفاء بها اعتمادا على ألواح شمسية.

يضم المجمع مقار للإقامة ومنزلا للضيوف ومكتبة وقاعة لتناول الطعام وقاعات لعقد مؤتمرات ومجمعا إداريا ومستشفى صغيرا ومختبرا ووحدة لتدريب المعلمين ومعملا لاختبار المياه و«مركزا لتنمية الحرف اليدوية» ومقهى للإنترنت وورشة عمل للدمى المتحركة ووحدة سمعية وبصرية وحاوية لتخزين مياه الأمطار بسعة 700 ألف لتر. ويجري إمداد المؤسسة والقرية بأكملها بطاقة كهربائية عبر ألواح شمسية صممها وصنعها أبناء القرية. ونظرا للنجاح الذي حققه توجه «بيرفوت كوليدج» في الهند، تحولت المؤسسة إلى الساحة العالمية وعمدت إلى تكرار تجربة البرنامج داخل دول نامية وأخرى بمصاف الدول الأدنى تقدما عبر أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وتولت «بيرفوت كوليدج» تدريب المئات من النساء الأميات وشبه الأميات (كثيرات منهن جدات) من مثل هذه الدول حتى يصبحن «مهندسات» في مجال الطاقة الشمسية. وعادت النساء إلى أوطانهن لتركيب ألواح وبطاريات شمسية وصيانتها وإصلاحها وتغيير وجه الحياة في قراهن النائية. والأكثر من ذلك، أنهن تولين تدريب نسوة بقرى أخرى للاضطلاع بالدور ذاته. كانت إثيوبيا وأفغانستان من أوائل الدول المستفيدة من هذا البرنامج. وعموما، تولى برنامج «مشروع الأخوات الشمسيات» (سولار سسترز) تدريب أكثر من 300 امرأة في العالم ونجح في إدخال الطاقة الكهربائية إلى 10 آلاف منزل في 21 دولة.

وتتمثل واحدة من أكبر قصص النجاح التي حققها البرنامج في أفغانستان، حيث تولى «بيرفوت كوليدج» تدريب 3 نساء عام 2005. وبفضلهن ظهرت في أفغانستان أول قرية تعتمد على الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية. وتولى «بيرفوت كوليدج» تدريب 27 امرأة أفغانية أخرى بهذا المجال.

من ناحيته، أوضح منسق البرنامج باهغوات ناندا أن القائمين على البرنامج واجهوا بعض العقبات على الطريق. وقال: «في إحدى المرات وفد إلينا أشخاص من سيبيريا لكن الأمر لم ينجح لأنهم فشلوا في التأقلم مع حرارة الجو المرتفعة». وخلال العام الماضي، وصل «مشروع الأخوات الشمسيات» إلى الأدوار النهائية في التنافس في إطار «وولد تشالنج»، وهي مسابقة دولية سنوية للمشروعات التي ينفذها مواطنون عاديون وتنضح بروح الإبداع. وقال روي: «يتبع بيرفوت كوليدج حياة وأسلوب عمل غاندي، القائمين على أسلوب معيشة وأطل وعمل شديد البساطة. الناس يفدون إلينا لمواجهة التحدي وليس لجني المال. ليس هناك داخل المؤسسة من يمكنه جني أكثر من 100 دولار أميركي شهريا. إنها المؤسسة التعليمية الوحيدة التي تقبل أفرادا غير متعلمين من مناطق نائية في مختلف أرجاء العالم. عندما تدرس أوضاع الفقراء، تلاحظ مدى الاحترام الذي يبدونه تجاه الشمس والتربة والهواء. إنهم لا يستغلون هذه العناصر سلبا أو يسيئون التعامل معها أو يتربحون من ورائها».

وعلى مدار العقود الأربعة الماضية، عمل روي بهدوء لصالح خدمة البيئة، ونادرا ما تحدث لوسائل الإعلام ولم يظهر في أي برامج تلفزيونية، لكن ذلك لم يمنع مؤسسات إعلامية عريقة من الإشادة به. واعترافا منها بجهوده، وضعت مجلة «تايم» اسمه في قائمة أكثر 100 شخصية نفوذا في العالم. وفي عام 2006، حصلت «بيرفوت كوليدج» على جائزة «ألكان» بقيمة مليون دولار. وحصل روي على «بادما شري»، وهو أعلى وسام مدني هندي. وقد درس روي بـ«دون سكول» و«سانت ستيفينز كوليدج» العريقة. ومع ذلك، اتهم روي التعليم الرسمي بأنه يثير سخط الناس ويدمر روح الإبداع. كما حصل على جائزة «شواب فاونديشن» السويسرية، و«جائزة مستقبل بلا نووي» الألمانية و«أشدين أورد للطاقة المستدامة» و«سكول سوشيل إنتربرنشيب أوارد» وجائزة «الصندوق العربي الخليجي».

عندما التقيناها، كانت بهانواري ديفي تعكف على تنظيف وسد تجويف في أسنان مريض. وتتولى بالتعاون مع كيسار ديفي، وكلتاهما أمية، إدارة العيادة الطبية داخل مجمع «بيرفوت كوليدج». وقالت بهانواري: «لم أر من قبل قط معدات أسنان وكنت أخاف الحقن، لكن الطبيب علمنا في غضون 6 شهور. ومنذ عامين، تولينا إدارة العيادة».

والأمر الأكثر إثارة للدهشة أن غالبية النساء من غير المتعلمات ولا يتحدثن الإنجليزية. ويجري الجزء الأكبر من عملية التعلم عبر لغة الإشارة. وقال روي: «من قال إنه إذا لم تكن قادرا على القراءة والكتابة لا يمكنك أن تصبح مهندسا في مجال الطاقة الشمسية؟ من خلال إظهار قدرة الجدات الأميات الريفيات في أفريقيا على إدخال الكهرباء في قراهن، نجح البرنامج في إثبات أن ذلك ممكن». وبدت السعادة في صوت باهغوات وهو يتحدث عن صعوبة التواصل مع الطلاب الأفارقة، وقال في اتصال هاتفي: «في الواقع قضينا الشهر الأول في التعرف على بعضنا البعض. وبالتدريج بدأنا نضحك معا على نفس الأشياء. داخل الفصول نتبع سياسة التعلم عبر الفعل والفعل عبر التعلم. كما أن لدينا كتيبات تحمل إرشادات بالإنجليزية على جانب وبالصور على جانب آخر. لذا، لم يكن الأمر في حقيقته شديد الصعوبة».