د. الحميدي: أتعجب من جرأة «أبو قتادة» المفتي الإلكتروني للغلو والتطرف

13 حلقة تكشف الحقائق والتحولات واستغلال التكفير من منطلقات نفسية ليصبح خطرا مُحدقا بالأمة الإسلامية جمعاء

د. الحميدي («الشرق الأوسط»)
TT

13 حلقة كانت سببا في تحول علاقة رجل دين سعودي، بعدد من رفاق الماضي ممن يوصفون بـ«المتشددين» دينيا، إلى علاقة الضد بالضد، أو بمعنى آخر الند بالند، بل كانت الملفات التي فتحها علانية أمام الملأ، في فضائية سعودية، تحوي خفايا خطيرة، كانت سببا، بشكل أو بآخر، في ظهور من يعرفون بـ«المغالين» دينيا، بل وربطهم بشكل واضح وصريح بما سماه استغلالا للتكفير من منطلقات نفسية، أصبح يراها خطرا محدقا بالأمة الإسلامية جمعاء.

الحلقة الأخيرة من سلسلة حلقات دامت شهورا، كانت الخاتمة بزوال الغمة من واقع ظلامي، إلى آخر مستنير، يكفله الالتزام بحدود الله، والتعامل مع ضوابط الشريعة بما يخدم الشريعة الإسلامية، ليس بما يخدم مصالح معينة، أو أجندات تحسب في صالح أطراف هنا أو هنا.

الوضوح مع النفس ومع الآخر، قاد أكاديميا سعوديا حاصلا على شهادة الدكتوراه في الفقه ويعمل أستاذا للعقيدة الإسلامية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، إلى أن يرى أن «فكر المجتمع» أمانة في أعناق أهل العلم، وكل من له يد توجيه، وفي أعناق الخطباء، وفي أعناق المعلمين، وفي أعناق العلماء، لتحقيق الإرشاد، وليوجهوا المجتمع ليرتقي بثقافته، بما يتوافق مع النص الشرعي، للوصول إلى نصرة الأمة وقوتها.

وفصل الدكتور عبد العزيز الحميدي، أستاذ الفقه المساعد في جامعة أم القرى، في حيثيات فتوى خطيرة، سماها صاحبها «فتوى خطيرة عظيمة الشأن»، قائلا: «إن تلك الفتوى التي عنونها صاحبها بهذا العنوان الصارخ، ما وقفت، في ما أعرف، على رأي إمام من الأئمة الكبار، كتب عن فتواه هذا التبجيل العظيم، فتوى خطيرة عظيمة الشأن في حكم أئمة وخطباء ممن دخلوا في حكم السلطان، وهذا مسلك سلكه في التضخيم، لكن بصرف النظر عن هذا الأمر هو سلك منهجية معينة».

ووجه الحميدي أصابع اتهامه بشكل واضح وصريح إلى بعض ممن تجرأوا على الله من أهل الأهواء، والحديث هنا يدور عن الفتوى الخطيرة، التي بثها واحد يصنف نفسه عالما دينيا إلكترونيا يدعى عمر محمود عثمان أبو عمر، ويكنى «أبو قتادة»، الذي نصب نفسه مفتيا لتيارات الغلو والتطرف على الشبكة العنكبوتية، حين قام بإعادة شرح فتوى أئمة المالكية، في من ناصر «العبيديين» من العلماء، وأسقطها على علماء الأمة المعاصرين.

الحميدي دحض رسالة أبو قتادة وفتواه بتبيان أنه سلك منهجية معينة ليصل إلى النتيجة التي يريدها، وقدم النتيجة، ثم حمل عليها فتاوى علماء المغرب في حكم الدولة «العبيدية».

ويرى الشيخ الحميدي أن واضع الرسالة يحكم بالمروق من الإسلام والردة الصريحة على كل تجمعات ومجتمعات ودول المسلمين اليوم بحكوماتها وأئمتها، ومن ينضم تحت لوائها من خطباء مساجد وعلماء ومشايخ وفقهاء وقضاة، وهذا منهج – بحسب الحميدي - لم ينافس فيه واضع الرسالة إلا غلاة الخوارج (الأزارقة).

وتعجب الشيخ الحميدي من جرأة واضع الرسالة حين قال إن فتواه هذه «مؤيدة بالدليل الصريح الواضح من كتاب الله وسنة رسوله»، وكرر هذه العبارة أكثر من مرة، ولكن حينما تقلب ورقات هذه الفتوى، لا تجد لا آية ولا حديثا، وهذا من أغرب ما يمكن أن يتجرأ عليه أحد، طبقا لرؤية الأكاديمي السعودي. ويطل أستاذ العقيدة والباحث في الشريعة الإسلامية لعقود من الزمن، بعد ظهوره العلني في محطة فضائية سعودية كل يوم جمعة على مدى شهرين ماضيين، لتفنيد بعض الرؤى التي تستند إليها جماعات متطرفة، قال إنها تتخذ عددا من الدول العربية ملجأ لها، دون الإشارة بوضوح إلى أجندات تعمل وفقها الجماعات، لكنه لمح أكثر من مرة إلى أنها أخذت الدين بأدلته الشرعية من القرآن والسنة النبوية المطهرة «لتحقيق مصالحها الخاصة، لا من أجل الشريعة أو الدين الإسلامي».

الشيخ الحميدي يلاحظ أن صاحب الفتوى سلك منهجية معينة في هذه الرسالة الصغيرة ليصل إلى النتيجة التي يريدها، وقدم النتيجة، ثم حمّل عليها فتاوى علماء المغرب في حكم الدولة العبيدية، النتيجة التي قدمها أنه حكم، أو يريد أن يحكم، على كل تجمعات ومجتمعات ودول المسلمين اليوم بحكوماتها وأئمتها، ومن ينضم تحت لواء هذه الدول من خطباء مساجد وعلماء ومشايخ وفقهاء وقضاة وغيرهم، ممن هو تابع لهم من عامة الناس، بالمروق من الإسلام والردة الصريحة باعتبار أنه عنده الأمر مسلّم ومنتهي وأن هذه الحكومات مرتدة، مثل الدولة العبيدية.

ويرى الحميدي أن «عدم وجود أي دليل من القرآن أو السنة النبوية المطهرة، سبب لأن تشوب تلك الفتوى شوائب كثيرة، بل إن أغرب ما يلفت الانتباه، أنه استدل ببعض الفتاوى لبعض فقهاء وعلماء بلاد المغرب الإسلامي في القرن الرابع الهجري تقريبا، أيام حكم دولة مشهورة في التاريخ بـ(الدولة الفاطمية) ويسميها بعض العلماء (الدولة العبيدية)، التي حكمت بلاد المغرب كلها، وامتد حكمها إلى مصر وحكمتها فترة طويلة، قرابة 200 سنة، وهذا معروف في التاريخ، وتكلم العلماء عنها وعن عقائد هذه الدولة ومواقفها».

ويرى الأكاديمي السعودي أن «صاحب الفتوى، اضطر تحت ضغط وضعف الرسالة وضعف أدلتها، وهي قضية خطيرة عظيمة، أن يدعي الإجماع، وإذا كان الإمام أحمد، وهو الإمام الذي عاش في القرن الثالث الهجري، قد قال: (من ادعى الإجماع فقد كذب)، لعل الناس اختلفوا مع من نقل الإجماع في القرن الثالث، وهو إجماع الصحابة والتابعين، ويمكن حصره، فكيف ينقل إجماع الأمة كلها، المشرقي والمغربي، دون سبر؟! ومن خلال حيثيات القضية وما ذكر صاحب الرسالة أو الفتوى، يظهر أن صاحب الفتوى وجهها ليخرج شباب الأمة على كل الأمة، ليس فقط على حكامها، بل حتى على خطبائها، وأباح دماءهم كلهم بهذا التهور العظيم وهذه الجرأة، التي، كما قلت، ما سمعت أو ما قرأت من وصل إليها، إلا غلاة الخوارج الأولين كمن يسمون بـ(الأزارقة)، أتباع نافع بن الأزرق».

ويرى الشيخ عبد العزيز الحميدي أنه «عندما تعرض مثل هذه الرسائل فإن القصد منها توعية المجتمع وتحذيره، لأن ليس المعنى هذه الفتوى فقط، أو هذه الرسالة فقط، بل إن المجتمع كاد يمتلئ بكل من يدعي نصرة الإسلام والمسلمين ونصرة المجتمعات الإسلامية، ثم يأتي بمؤلفاته التي يستند فيها إما إلى حديث أو آية يفسرها وفق هواه، أو يستند فيها إلى أقوال رجال تحدثوا بها في أوقاتهم، وفي ظروف معينة، وأخذ يسوقها، وكأنها مثل النص الشرعي، تصلح لكل زمان ومكان، وهو ربما يريد أن يصل إلى نقاط، ربما تكون شخصية، وربما تكون بإيعاز من قوى خارجية، وربما تكون من هوى في نفسه وانتقام شخصي، دعني أعرض لك بعض النقاط التي جعلها من فوائد هذه الفتوى».

ويقول الحميدي إن «مسألة الفتاوى أو الحديث عن أمور شرعية، لا ينبغي لأحد، حتى لو كان من العلماء، أن يقطع فيها بمثل هذا القطع، النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بريدة بن الحسيب - رضي الله عنه - وأرسله في غزو، وقال: (فإن حاصرت قوما أو حصنا للكفار فسألوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك).

وخلت فتوى أبو قتادة من أي حيثيات تتطلبها الفتوى الشرعية، التي يجب أن تستند إليها في ما هو أقل من ذلك بكثير، كمسائل طلاق أو نكاح أو مبايعة أو نحو ذلك، لا كمسائل يلزم منها حكم ردة كل مجتمعات المسلمين - عياذا بالله - وإراقة دمائهم، سواء كان فيهم خطباء أو أئمة أو قضاة أو علماء أو أناسا عاديين، وهذا جنوح عظيم جدا وغلو، وأجزم بأن هذا ليس فقط خلفه رأي شخصي أو بحث نظري، حتى فهمه على غير صوابه، بل تقف خلفه محن عظيمة وربما ما هو أبعد من ذلك، فوراء الأكمة فعلا ما وراءها».

ويضيف الحميدي قائلا: «الحمد لله رب العالمين، نحن لنا رسالة عظيمة في هذه الحياة، وعلينا واجب عظيم، أكرمنا الله بدين عظيم، دين فيه من السمو والقيم وتهذيب النفوس والأخلاق وإسعاد البشر، كل البشر، بل كل الكائنات وكل المخلوقات، وإيصال الحقوق، والبناء الحقيقي لكل ما يؤدي إلى سعادة الناس في الدنيا ونجاتهم في الآخرة ضمّنه - سبحانه وتعالى - هذا الدين العظيم، ونحن ورثناه عن رسولنا - عليه الصلاة والسلام - أقصد نحن الأمة كلها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه الكرام، ولو وعينا مثل هذا الواجب وهذا الهدف، ونظرنا إلى هذا العالم يمينا وشمالا الذي تنهشه الأمراض الأخلاقية ويفتقر إلى قيم كثيرة، لوجدنا لنا المجال للعمل الكثير والكبير في إرشاد الخلق كلهم إلى الحق بالعلم والبينة والخلق والنبل، الذي يجب عليه أن يكون المسلم، ولكن قطع علينا هذا الطريق بمثل هذه المظاهر التي تحدثنا عنها في مثل هذه الرسالة».

وسلط الشيخ الحميدي الضوء على تجربة شخصية له، سبق أن عاشها، وقال: «وأنا ربما أطرح مثالا بنفسي، فقد كان لي جهد بسيط متواضع في عمل الدعوة وتوجيه رسالة الإسلام، باعتبارها دراساتي في مقارنة الأديان ونحو ذلك، فانشغلت عن هذا الهدف الكبير الواسع ببعض مثل هذه القضايا، التي تأثرت بها أو بعضها فترة من الزمن، وتبنيت بعضها فترة من الزمن، مع شعوري بوحشة، وأقولها اعترافا بالواقع، شعور بوحشة واعتباط، وإن ما جمعته من دراسات وما جمعته من كتب أصبح شبه معطل، بل هو معطل عن الرسالة الحقيقية، وأرى في أقرب الناس إلي وفي مجتمعي وفي العالم كله، من أستطيع بتوفيق الله - عز وجل - أن أقدم له خيرا كثيرا، وهدى كثيرا، فمن فضل الله علي، استدركت ذلك على نفسي وعرفت خطرا وخطأ ما وقعت فيه لأننا نخسر خسارتين، لو تأملنا، وأجعلها هذه رسالة إلى الجميع، الخسارة الأولى تتمحور حول وقف مد إيصال الخير والدعوة للمسلمين أنفسهم، الذين هم في جهل كثير منهم وأصابتهم انحرافات كثيرة، ودخلت عليهم محدثات كثيرة، ولغير المسلمين عالم كامل ينتظر من المسلمين فعلا، ولو بدا لنا خلاف ذلك، فهم ينتظرون منا رسالة، وينتظرون منا دعوة، وينتظرون منا بينات، وينتظرون منا هدى، لأنهم يعيشون شكوى في نفوسهم، وإن أترفت حياتهم ومتعهم، فقد جعل الله سكون النفس في مضامين هذا الدين ومنعه من أي شيء آخر».

وأضاف في حديثه عن تجربته الخاصة وما تمخضت عنه من خسارة، حيث تبلورت الخسارة الثانية قائلا: «ننشغل بهذه القضايا عما هو أفضل، ذكر العالم ابن حزم - رحمه الله – أن هذه من شبهات إبليس ومن مداخله على الإنسان، وضرب مثلا بنفسه، فاشتغل في فترة من حياته ببعض الفنون والعلوم، التي أن طلع منها أو خرج منها فوائد، فهي يسيرة كبعض علوم المنطق وبعض القضايا الفلسفية الإغريقية القديمة البائدة دون أمور أهم، فكان أن ندم على ما أضاعه من وقت، وهذا لم يترتب على فعله إضرار بأحد، ولكن يقع الضرر على نفسه فنخسر من هاتين الجهتين، فأنا لا أريد حقيقة من كل طالب علم أو داعية، فضلا عن العلماء، فضلا عن الشباب الذين لا يزالون في طور التنشئة، وما زالوا في طور طلب العلم، أن يصلوا أو يقعوا في خطأ، فمثلا هذه الفائدة عن نفسي، كانت في وحشة داخل النفس، والشعور بأنني أخللت بواجب كبير علي، كان ينبغي أن أقوم به انشغالا بمثل هذه الأمور، لكن أزالها الله عني، لا أقول أزلتها، أزالها الله عني بقضيتين اثنتين، الأولى، هي أنني لدي قناعة بأن الإسلام حق وما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - هدى لا شر فيه ولا خطأ فيه، الخطأ فينا نحن في استيعابنا في فهمنا، وكما قال القائل: وكم من عائب قولا صحيحا/ وآفته من الفهم السقم».

وطالب الأكاديمي السعودي إعادة النظر في كثير من القضايا الشرعية، معتبرا أن السنة النبوية المطهرة تحوي جوابا لكل إشكال، وقال: «لا أنتظر أحدا يرسل لي أوراقا عبر الإنترنت من لندن، وكانت بداية هذا حديث وصية نبوية، ولكن ما أعطيناه حقه من التأمل النبي - صلى الله عليه وسلم – حيث قال خطيب على المنبر حديث حذيفة بن اليمان في صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا)، ثم تأمل في الثلاثة المرضيات التي ترضي الله والثلاثة المسخوطات التي تسخطه علينا - والعياذ بالله - نسأل الله رضاه ونعوذ به من سخطه، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا (هذه قاعدة الملة الكبرى) وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».

واستدل بما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق الوالدين مثلا، وحق الجيران، وانتقل من الأمر الأول، أي عبادته التي لا يقدم عليها شيء «إفراد الله بالعبادة»، إلى أن تناصحوا من ولاه الله أمركم، «وفي (من ولاه الله أمركم)، يقول القرطبي (تولية الأمر ترجع إلى اختيار الله اصطفاءه، وهي من الملك، يؤتي الله الملك من يشاء، ولا اقتراح للناس فيه، فعليهم أن يصبروا على ما قضى الله عليهم، وأن لا يخلوا بواجب المناصحة هذه، والثالثة، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، وأن لا تدعوا الناس إلا إلى الخير، في العلاقات مع الناس إن كان ولا بد من الاتصال فمجال الخير سواء بالتعليم أو بالدعوة أو التربية أو بإيصال أي نوع من الخير. ويسخط لكم ثلاثا: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال - وقفت عند كلمة (قيل وقال) هذه، فوجدت كلاما للقاضي العياض وكلاما للقرطبي - إنه الوشاية ونقل الوشاية، بل قال القرطبي بكل ما يخل بالثلاثة التي ذكرها في جانب المرضيات، فكل ما يخل بعبادة الله - سبحانه وتعالى - مرفوض قطعا، كل ما يخل بمناصحة من ولاه الله الأمر، لأن ضرره أكبر من القيل والقال. وكل ما يقال الآن، وينقل في الفتاوى في الإنترنت هو من باب القيل والقال، وكثرة السؤال الذي يدخل فيها البحث عن المشكلات والإشكالات ومحاولة استخراج ربما فتوى من هذا العالم أو كلمة من ذلك الداعية ثم تكبيرها وتهويلها وبناء شر كثير عليها، كما صنع صاحب هذه الرسالة، فإنه يضغط على كلام لفقهاء قبل 1000 سنة لظروف كان معينة، ليولد منها المؤاخذات المكفرة الخطيرة، والمصيبة لكل المجتمعات القائمة اليوم تدخل في كثرة السؤال ثم إضاعة المال».

وأسدى نصحا في نهاية المطاف لبعض من الدعاة، وقال: «أنا أسمع بعض الدعاة القائمين بعمل طيب، ولكن كثير من القضايا التي يناقشونها قضايا مكروه النقاش فيها، فقد توجد فيها أحكام معينة وجوانب معينة ليس هذا الوقت وقتها، بينما نريد سد الثغرة في وعي الشباب، حتى لا ينفذ إليهم مثل القيل والقال، ولكن الشباب فتحوا قلوبهم حقيقة وعقولهم للقيل والقال، وفتوى من هنا وكلمة من هناك، فوقعوا في أعظم الأخطاء التي ربما يغلق دونها باب العلاج بعد ذلك».

وذكّر الحميدي بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه: «السعيد من وعظ بغيره»، فالشاب في عقله البسيط بما بدا له، وإنه مستوعب لمثل هذه القضايا وفي تحمله للقضية الشرعية والعلمية وأبعادها، مهما بدا له إنه يحتملها، لكنه حقيقة ما نظر إليها إلا من جزئها البسيط.

وكشف الشيخ الدكتور عبد العزيز الحميدي، أستاذ العقيدة (الموقوف حاليا)، عبر حلقة هي الأخيرة من برنامج «همومنا» التي بثها التلفزيون السعودي بعد صلاة الجمعة على مدى أكثر من 3 أشهر، كيف كانت نتائج إغلاق العقل والتفكير عليه شخصيا إبان سيره في الرحلة الضبابية السابقة، محذرا من مغبة ذلك الاتجاه، وكيف يجر صاحبه إلى الفتنة.

وأخذ الشيخ عبد العزيز الحميدي على عاتقه في الأسابيع الماضية تسديد عدة ضربات موجعة إلى تيارات متطرفة منتشرة في العالم العربي والإسلامي، خصوصا في بلاده السعودية، ونكث، وفضح عددا من الدوافع التي كان يعتنقها في مرحلة من عمره مضت بالتوافق مع تلك الفئات المتطرفة، واعتبر عودته وانكفاءه على تلك التيارات عودة «إلى جادة الصواب والحق، وابتعادا عن مزالق الضعف»، وبات يتعامل مع تلك المرحلة الماضية على اعتبار أنها «خداع وتدليس على الأمة»، تكتنفها دعوات لـ«تشتيت الأمة، بل تشظيها وتمزيق صفها».

عودة الحميدي إلى جادة الصواب، بالتأكيد لم ترُق لرفقاء الماضي، وكان ظهوره في إحدى الفضائيات السعودية على مدى أشهر، سببا بأن تتحول بعض أوكار الظلام على الشبكة العنكبوتية، التي يلجأ إليها كثير من أرباب الفكر المنحرف، لبث قناعات منحرفة عن الدين والأعراف، ولا تخدم إلا من يقتنع بآيديولوجيات معينة متطرفة، تنسب إلى الدين الإسلامي، وهي بعيدة كل البعد عن الإسلام وأعرافه.

وقسم رجل الدين السعودي، الحاصل على الدكتوراه في الفقه الإسلامي «الغلو» إلى فرعين، أشدهما خطرا، ما يستغل في التكفير من منطلقات نفسية خلقية، والفرع الثاني ما يحمل على أمر الله ورسوله، ويلبس بمقصود شرعي.

وظهر الشيخ الدكتور عبد العزيز الحميدي، الأستاذ المساعد في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، مفندا ومنكفئا على بعض المغالين، ممن كان يرتبط بهم قبل تفكيره في التراجع عن أوجه كان يعتنقها من أوجه التطرف الديني، الذي يقود، في نهاية المطاف، إلى تحقيق تشرذم بين صفوف المسلمين.

وأبرز الحميدي في حلقات ماضية عددا من تعاملات بعض من الفئات المتشددة، مع بعض النصوص والأدلة الشرعية، ليس من أجل الشريعة المطهرة، بل يتم استغلالها وتوظفيها بما يتناسب ويتوافق مع آيديولوجيات، تسير لتحقيق أهداف بعض الفئات، التي أخذت الدين بأدلته الشرعية من القرآن والسنة لتحقيق مصالحها الخاصة، لا من أجل الشريعة أو الدين الإسلامي.