حقيقة الصراع المكتوم بين «القاعدة» والحوثيين في شرق اليمن.. حرب «الفيتارا»

«الشرق الأوسط» تزور محافظة الجوف المرعبة في اليمن

العزاء في منزل الشيخ عبد الله العزي (صور خاصة بـ «الشرق الاوسط» )
TT

تعد محافظة الجوف من المحافظات اليمنية النائية، رغم ما تتمتع به من خصوبة للأراضي الزراعية وتاريخ وحضارة يمنية قديمة كدولة معين وغيرها من دول اليمن القديم، لكنها في الوقت ذاته، تعد محافظة الخوف في اليمن، فكثير من الناس يخافون زيارتها، نظرا لبداوة الناس هناك وانتشار السلاح وتفشيه بكثرة وسيطرة القبائل على مناطق واسعة، إضافة إلى ما يقال عن انتشار عصابات السرقة والنهب، وضعف وجود الدولة.

«الشرق الأوسط» زارت هذه المحافظة اليمنية المثيرة للاهتمام، خاصة بعد أن أصبح لجماعة الحوثي وجود فيها، وتنشر اعتبارا من اليوم سلسلة من التقارير الخاصة من الجوف، التي شهدت تفجيرا انتحاريا استهدف موكبا لجماعة الحوثي، ففي يوم الأربعاء الماضي وتحديدا عند الساعة الـ9 صباحا، اقتربت سيارة من نوع «فيتارا - سوزوكي»، يقودها شاب يافع من موكب يضم عددا غير قليل من السيارات التي كانت تقل العشرات من القيادات والعناصر الحوثية في محافظة الجوف، وبالقرب من منطقة «سوق الاثنين»، فجر الانتحاري الشاب نفسه والسيارة في الموكب وقتل 17 شخصا وجرح 5 آخرين، وبين هذا القتلى رجل دين وشخصيات قبلية من مديرية المتون، ويعد هذا التفجير الانتحاري هو الأول من نوعه في اليمن، فلم يسبق وأن نفذت عملية انتحارية بواسطة سيارة ملغومة أو مفخخة، في تاريخ الصراع القبلي أو السياسي أو العسكري في اليمن.

وللوهلة الأولى للتفجير وجه الجميع أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة على اعتبار أنه التنظيم الوحيد الذي يستخدم البشر لتفجير أنفسهم، إضافة إلى استخدام السيارات الملغومة، غير أن الحوثيين هم الوحيدون الذين لم يتهموا «القاعدة» ووجهوا اتهامهم، مباشرة، إلى المخابرات الأميركية والإسرائيلية، ثم تجدد نفس الاتهام من قبل الحوثيين عقب الهجوم الانتحاري الثاني الذي وقع، أول من أمس، في عقر دار الحوثيين، بمنطقة ضحيان، والذي نفذ بنفس الطريقة وبسيارة مماثلة، والذي أسفر عن سقوط 3 قتلى وعدد من الجرحى، ومرة أخرى جزم الجميع بأن «القاعدة» تقف وراء الهجوم ما عدا الحوثيين الذين برأوها، بحسب وصف أحد المواطنين في الجوف.

وفي اليوم الثاني لانفجار محافظة الجوف، تواجدت «الشرق الأوسط» في منزل العزاء الخاص بالشيخ عبد الله العزي عبدان، أحد مشايخ آل حمد ذو حسين بالجوف، الذي قتل نجله العشريني (يوسف) في تفجير «سوق الاثنين».

واحتضن ديوان (مجلس)، يبلغ طوله قرابة 70 ذراعا، والتابع للشيخ العزي، العشرات من المعزين من وجهاء القبائل الذين توافدوا لتقديم العزاء وإدانة حادثة التفجير، إضافة إلى الأطياف السياسية في مديرية المتون التي يقع فيها المنزل، والتي تبعد قرابة 20 كيلومترا غرب مدينة الحزم، عاصمة محافظة الجوف، وكان مجلس العزاء خليطا من الحوثيين والوجهات القبلية وممثلي الأحزاب السياسية وعامة المواطنين، وحتى بعض الأشخاص من التيار السلفي.

اللافت في العزاء أنه لم يكن كباقي مجالس العزاء المتعارف عليها، التي يقرأ فيها القرآن والأدعية على روح الفقيد، فبعد أن اكتمل الحضور وامتلأ المكان، بدأ أحد الشباب بإلقاء محاضرة عبر ميكروفون ومكبر صوت، ومن يسمع صوت ذلك الشاب، للوهلة الأولى، دون أن يراه، يعتقد أن الخطيب المتحدث هو عبد الملك الحوثي نفسه.

لقد خلت المحاضرة (الخطبة) من أي ذكر للقتيل أو الدعاء له بالرحمة والغفران، بل كانت خطبة سياسية بامتياز وتضمنت نفس الاتهامات التي وردت في بيان مكتب الحوثي وفي تصريحات قياداته وناطقيه عقب الحادث، وهي اتهام أميركا وإسرائيل بالوقوف وراء التفجير، وزاد الشاب المحاضر على ذلك بحديثه عن تحركات السفير الأميركي بصنعاء، جيرالد فايرستاين، وسط المناطق القبلية وتجنيده للعملاء، ثم تأكيده أن «القاعدة» صناعة أميركية.

الأمر الآخر الذي يثير الانتباه، هو أن معظم المشاركين في مجلس العزاء لم يكونوا من أتباع الحوثي، حتى إن البعض يعلق ساخرا مما يطرحه ذلك الشاب ويؤكد أن تنظيم القاعدة هو من يقف وراء التفجير، وأحد الحضور علق بالقول: لو أنهم اتهموا الدولة بالتورط في الحادث، لكان اتهاما مقبولا.

وخلال زيارتها إلى الجوف التي يتطلب الوصول إلى عاصمتها (الحزم)، من العاصمة صنعاء، ما بين ساعتين ونصف الساعة إلى ثلاث ساعات، حاولت «الشرق الأوسط» الوقوف على حقيقة الهجوم الانتحاري ومن يقف وراءه، وضمن المعلومات التي أدلت بها مصادر محلية في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، هي أن الهجوم لم يكن سوى رد فعل انتقامي من «القاعدة» ضد الحوثيين، وذلك بسبب قيام مجاميع حوثية، قبل نحو شهر، باعتقال 2 من عناصر «القاعدة» ورفضهم الإفراج عنهم قبل أن يسلم الحوثيون العنصرين إلى السلطات الرسمية.

وقالت مصادر متطابقة إن تنظيم القاعدة في الجوف أصدر بيانا انتقد فيه بشدة ما أقدم عليه الحوثيون ووعد بالرد عليه، وأكد مصدر أمني يمني في الجوف لـ«الشرق الأوسط» أن تفجيري الأربعاء والجمعة يحملان بصمات «القاعدة»، وكشف عن حرب غير معلنة بين الجانبين، في الآونة الأخيرة، وأورد المسؤول الأمني، الذي رفض الكشف عن هويته، أمثلة على تلك الحرب، منها بيان «القاعدة» المشار إليه آنفا، وكذا شعارات الحوثيين التي رفعت قبيل وأثناء الاحتفال بـ«يوم الغدير» والتي تضمنت اتهامات لـ«القاعدة» بأنها صنيعة أميركية، وهي شعارات كتبت على لافتات ولم تردد فقط، وأشار المسؤول الأمني إلى أن الحوثيين هاجموا «القاعدة»، أيضا، في بعض المساجد.

ويتفق الدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء مع الطرح القائل بأن «القاعدة» تقف وراء الهجومين الأخيرين في الجوف وصعدة، ويقول إن الأسلوب «هو أسلوب (القاعدة) والتعبئة هي تعبئة (القاعدة)، فأنا لم أسمع قط أن قبليا يمنيا أخذ بثأره عن طريق هجوم انتحاري»، وإن الهدف من اتهام الحوثيين لأميركا وإسرائيل هو أنهم «لا يريدون أن يظهروا وكأنهم يقاتلون مع أميركا في صف واحد ضد (القاعدة)»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن لا مصلحة للحوثيين، في الوقت الحالي، في «اتهام النظام ذاته»، وذلك حتى «لا يؤثر ذلك على جهود السلام القطرية وهم يخشون كذلك من إعطاء الصراع بعدا طائفيا، إن هم اتهموا (القاعدة)»، ثم يعبر الأكاديمي اليمني عن اعتقاده بأن هناك «أصابع خفيه تلعب لتحويل الحدود السعودية - اليمنية إلى حدود ومنطقة مشتعلة، ويقول إن «حدوث أمر كهذا، يحقق مصالح أطراف كثيرة داخلية وخارجية».

وخلال الأيام التي قضتها «الشرق الأوسط» في محافظة الجوف، وفي بعض مديرياتها، لم تستطع الحصول على إجابة شافية حول سؤالين أو مسألتين اثنتين وهما: هل تم التعرف على هوية الانتحاري الذي نفذ هجوم «سوق الاثنين»، وكيف تمكن المهاجم من الوصول إلى هدفه؟!. فمن المعروف أن محافظة صغيرة بعدد سكانها يعرف الجميع بعضهم، خصوصا أن الهجوم وقع في مديرية المتون التي تعرف القبائل والعائلات بعضها ومن السهل جدا أن يعرف أي دخيل على المنطقة.

يقول الحوثيون إنهم لم يتعرفوا على هوية المهاجم، ونفس الإجابة تلقتها «الشرق الأوسط» من السلطات الأمنية بالجوف، غير أن المسؤول الأمني المشار إليه آنفا، قال إنه رغم أن السلطات المختصة تجري تحقيقاتها حول الحادث، فإن الحوثيين أعاقوا الأجهزة الأمنية عن التوصل إلى نتائج، وذلك من خلال سيطرتهم على مكان التفجير والسيارة المتفجرة وأشلاء الانتحاري وطمسوا الأدلة التي كان يمكن للمحققين الاستناد عليها، وتحققت «الشرق الأوسط» من هذه المعلومات من خلال التأكد من أن السيارة التي استخدمت في التفجير بحوزة الحوثيين فعلا.

ونفس الحال مع النقطة الأخرى، لا أحد يستطيع الإجابة بشأنها، كيف وصل إلى الموكب دون أن يشك فيه أحد، غير أن مصادر خاصة قالت لـ«الشرق الأوسط» إن قيادة الموكب شكت في السيارة التي كانت تتبعهم وإنها طلبت من سائقها، عبر مكبرات الصوت، التوقف أو الابتعاد «على جنب يا فيتارا»، هكذا قيل إن العبارة كانت تردد، الأمر الآخر الذي ذكرته المصادر هو أن الحوثيين كانت لديهم معلومات بوقوع هجوم انتحاري، وذلك من خلال الإجراءات الأمنية غير المسبوقة التي اتخذوها أثناء التحضير للاحتفال، بدءا بعدم إعلان مكان الاحتفال، ثم بالتفتيش الذي وصل لحدّ منع بعض المشاركين من حمل هواتفهم الجوالة.

غدا كيف انتشر الحوثيون في الجوف وصراعاتهم هناك؟