مهمة في دمشق تتسبب في عقاب فريد لضابط استخبارات أميركي

فصل من عمله وسحب تصريحه الأمني ولا يحق له معرفة السبب لدواعي الأمن القومي

TT

قبل 18 شهرا، كان جون دولاهان محللا استخباراتيا صاحب حياة مهنية طويلة ومتنوعة في الجيش ووكالات الاستخبارات، أما اليوم فهو يجلس في منزله من دون عمل، كما أصبح اسمه على القائمة السوداء للممنوعين من العمل في الوظائف الفيدرالية؛ لأنه، كما يقول، يبدو أن ولاءه للولايات المتحدة قد أضحى موضع شك لدى المسؤولين. لكنه لا يعلم لماذا.

وقد جردت الحكومة الأميركية، في عيد القديس باتريك عام 2009، دولاهان، الأميركي من أصل آيرلندي، من تصريحه الأمني وأقالته من منصبه في وكالة الاستخبارات العسكرية بطريقة لم يسبق لها مثيل في وزارة الدفاع، وقالت إن مصالح الولايات المتحدة ستتعرض للضرر إذا تم إبلاغه بالاتهامات الموجهة إليه.

نتيجة لذلك، فإن دولاهان، الذي شارك في حرب فيتنام وخدم في مواقع عسكرية تابعة للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم وكان ضمن فريق الأمم المتحدة للتفتيش على الأسلحة في العراق في عهد صدام حسين، ليس بإمكانه الطعن في هذا القرار أمام مجلس من كبار المسؤولين في الوكالة، كما يحق لآخرين في منصبه نفسه، أي أن السبل قد تقطعت به ولم يعد أمامه من ملجأ آخر.

يقول دولاهان، 65 عاما، الذي أصبح مواطنا أميركيا في عام 1973: «لقد كان هذا أمرا مدمرا بالنسبة لي، فأنا أميركي مخلص لوطني».

والتصاريح الأمنية هي بمثابة تأشيرة للترقية لمئات الآلاف من العمال والمتعهدين الفيدراليين، لكن عندما تُسحب، لا تكون هناك فرصة للعمل في مجال الأمن القومي.

وأسباب إلغاء التصاريح الأمنية متعددة، فبعض العمال الفيدراليين يفقدونها إذا ضُبطوا وهم يتناولون أدوية غير مشروعة، ويفقدها آخرون عندما يكونون عرضة للأزمات المالية، وهو الأمر الذي قد يجعلهم عرضة للابتزاز.

ويقول دولاهان إن أفضل تخمين لسبب فصله من عمله هو أن جهاز كشف الكذب قد أشار إلى أنه «يمارس الخداع» خلال 3 اختبارات خضع لها، عندما كان يسأل: هل تجسست لصالح الاتحاد السوفياتي في السابق؟

وقال مارك زيد، محامي دولاهان: «إننا لا نعرف ما السبب الذي جعل وكالة الاستخبارات العسكرية تفعل ذلك. يفترض أن يكون لهذا علاقة بجهاز كشف الكذب، ولكن على أي مستوى؟ نحن لا نعرف. ما حدث لجون نادر للغاية، فهو لا يحدث. لقد شاهدت عشرات، إن لم يكن مئات، الحالات التي يكون فيها الأفراد قد فشلوا في اختبارات كشف الكذب ومتهمين بالتجسس أو حيازة مخدرات وكلهم حصلوا على فرصتهم في الإجراءات القانونية السليمة».

ورفضت وزارة الدفاع التعليق على قضية دولاهان، لكنها اعترفت بأن الإجراءات المستخدمة ضده نادرة، إن لم تكن غير مسبوقة.

وقالت وزارة الدفاع، في بيان أصدرته: «كما هو مقرر من قبل الكونغرس، فإن هذه اللائحة تُستخدم فقط على نحو يتفق مع مصالح الأمن القومي. ولا توجد سوى حالة واحدة معروفة استخدمت فيها هذه اللائحة كأساس لفصل أحد الموظفين».

ولكن الوزارة لم تؤكد ما إذا كانت هذه الحالة الواحدة التي استخدمت طوال عمر اللائحة، 14 عاما، هي حالة دولاهان، ورفضت الإجابة قائلة: إن الأمر يتعلق بالخصوصية. وعادة ما يتم إبلاغ الموظفين الذين يفقدون عملهم وتصاريحهم بأسباب إقالتهم، التي غالبا ما تستخدم للطعن على القرار.

ولكن حالة دولاهان، التي تشير إلى أن الحكومة تعتقد أنه يشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي، غريبة للغاية؛ لأن زوجته لا تزال تعمل في وكالات الاستخبارات العسكرية الأميركية مشرفة يمكنها الوصول إلى ما تطلق عليه الحكومة «معلومات سرية وحساسة للغاية». وتقول زوجة دولاهان: «أستطيع الوصول إلى جواهر التاج».

ويستطيع أن يطعن زوجها في القرار أمام وزير الدفاع، ولكن من دون أن يكشف له عن أسباب إقالته. وقد قدم دولاهان طلبا لاستئناف القرار إلى الوزير قبل 18 شهرا، لكنه لم يتلق أي رد حتى الآن.

وخارج وزارة الدفاع، فإن الخيارات المتاحة لدولاهان محدودة. فقد رفضت المحكمة العليا مناقشة قرارات السلطة التنفيذية في هذا المجال؛ لذلك فإن دولاهان إذا طعن في قرار وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية أمام محكمة فيدرالية فإن طعنه سيكون على حرمانه من حقه في الخضوع للإجراءات القانونية السليمة.

يقول دولاهان إن السبب في مشكلاته الحالية يعود إلى الفترة التي قضاها في دمشق.

ففي عام 1985 أرسل ضمن قوة الإشراف على تطبيق الهدنة التابعة للأمم المتحدة لمدة 6 أشهر عبر لبنان وسورية ومصر خلال عمله.

وفي الفترة، عقد صداقات اجتماعية مع الضباط الروس، وفي إحدى المناسبات مع دبلوماسي روسي. وقد تحدث صديق ألماني زاره في دمشق اللغة الروسية مع بعض الروس في إحدى المناسبات الاجتماعية.

أحد زملاء دولاهان من الضباط وجد الأمر مثيرا للشكوك وأبلغ الملحق العسكري بالسفارة الأميركية بالأمر، الذي استدعى دولاهان واستجوبه بشأن صداقاته والفترة التي قضاها في ألمانيا وزيارته لألمانيا الشرقية.

وأشار الملحق العسكري إلى أن صديق دولاهان الألماني كان جاسوسا وأنه أعد للتجنيد. وأشار دولاهان إلى أن توقيفه عن عمله كان إشارة إلى أنه تم اختراقه.

وقال: «لقد شاركت في عمليات قتالية، لكنني لم أمر بهذه التجربة من قبل، أنا لا أستطيع النوم، أنا ضابط بالجيش، وهذا ما أنا عليه».

تم تجاوز الأمر لدى حضور قائده الذي دعمه، لكن زوجة دولاهان تعتقد أن زوجها أصيب بصدمة نفسية وأن هذه التجربة تركت أثرا دائما عليه.

وقالت: «كل ما حدث في سورية كان اعتداء على كرامة جون، ولعل ذلك هو ما أثر عليه هذا التأثير القوي، لقد كان هجوما على شخصه. إن الجرح لم يندمل منذ 20 عاما وأعتقد أنه يعيد تكرار التجربة كلما جلس على الكرسي، من أجل اختبار كشف الكذب».

لذا فهي تعتقد أن فشله في الاختبارات لأن ذاكرته عن تلك الفترة تطفو على السطح وتسيطر عليه.

في عام 1986 انتقل دولاهان إلى الاستخبارات العسكرية الأميركية وعمل في مكتب أفغانستان. وخلال الفترة من عام 1990 إلى عام 1992 كان الضابط المسؤول عن الاتصالات العسكرية مع الدول المستقلة حديثا في أوروبا الشرقية. وفي عام 1992 تقاعد دولاهان بعد فشله في الوصول إلى رتبة كولونيل. وتبنى هو وزوجته أول ولدين لهما بالتبني من روسيا، ولازم دولاهان المنزل لمدة 5 سنوات إلى أن حصل على وظيفة مدنية في الاستخبارات العسكرية في عام 1997.

في بداية عام 2008، وبإذن من رؤسائه قام عميلان تابعان لمكتب التحقيقات الفيدرالية بزيارته في مكتبه في قاعدة بولينغ الجوية في واشنطن وسألاه عما إذا كان راغبا في المشاركة في برنامج أسود سري، وأبدى دولاهان، الذي لم يستطع معرفة نوعية التعاون بين مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الدفاع، موافقة فورية على المشاركة.

لكنه طلب منه في بداية الأمر الخضوع لاختبار كشف الكذب في منشأة تابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي في بالتيمور.

ويقول دولاهان، الذي خضع عدة مرات لجهاز كشف الكذب من دون أذى: «لقد كان متصلا بكل شيء في، حول رأسي وصدري وأصابعي وأسفل المقعد وتحت حذائي».

استغرق الاختبار ساعة أو نحو ذلك سئل فيها عن التجسس وعما إذا كان قد عمل في السابق لصالح دولة أخرى.

وقال المحقق إنه كان يخادع وترك الغرفة. لكن دولاهان قال إنه تُرك في الغرفة بمفرده 90 دقيقة، وكان لا يزال معلقا بالأسلاك، وعندما عاد المحقق قال: «دعنا نبدأ مرة أخرى».

وقال دولاهان: «يخبرك بالأسئلة التي سيسألك إياها، وأنا أجيب: هل تجسست من قبل لصالح حكومة آيرلندا؟ هل تجسست من قبل لصالح السوريين؟ هل تجسست من قبل لصالح أي دولة أخرى؟ كان السؤال الأخير هو السؤال الأفضل. هل تجسست من قبل لصالح الاتحاد السوفياتي؟ أنت تعلم أن السؤال مقبل وتعلم أن عليك اجتيازه، ومن ثم يبدأ قلبك في الخفقان». وقال المحقق إنه سجل حالة خداع أخرى.

عرض على دولاهان الخضوع إلى اختبار كشف كذب يتكون من الأسئلة ذاتها مرة أخرى ويبدو أنه لم يستطع اجتيازه بنجاح. كذلك قامت الاستخبارات العسكرية الأميركية بتنظيم اختبار كشف الكذب الخاص بها ولم يستطع دولاهان اجتيازه هو الآخر على الرغم من أنه كان يتكون من الأسئلة نفسها المتعلقة بالتجسس.

وفي فبراير (شباط) 2009 تم استدعاء دولاهان إلى مكتب الأمن في عمله وأجبر على أخذ إجازة إدارية، وفي الشهر التالي تم استدعاؤه مرة ثانية ومنح فرصة للتقاعد بهدوء مع الحصول على جميع حقوقه وتم إخباره بأنه في حالة رفضه وطعنه على قرار الإقالة، سيحرم من راتب المعاش ومكافأة نهاية الخدمة بناء على قواعد الأمن القومي، على حد قوله.

ويقول دولاهان إنه كان عليه اتخاذ القرار قبل مغادرته، وبعد التشاور في الأمر مع زوجته، رفض. ويضيف قائلا بصوت خشن: «قلت إنني لن أقبل بذلك حتى إن وصل المبلغ إلى مليون دولار شهريا. لم يكن الأمر بالنسبة إليَّ مهمة بل نداء واجب بصفتي ضابطا في الاستخبارات العسكرية. وسأظل مواطنا أميركيا مخلصا ومتفانيا في عمله بغض النظر عن النتيجة».

* خدمة «واشنطن بوست» – خاص بـ«الشرق الأوسط»