العالم يترقب الأسوأ في شبه الجزيرة الكورية

سيول وبيونغ يانغ تتبادلان التهديدات.. ومشاورات دبلوماسية دولية عشية المناورات

جنود البحرية الكورية الجنوبية يحملون رفات الجنديين اللذين قتلا في القصف الكوري الشمالي الأخير خلال حفل تأبيني في مدينة سيونغهام أمس (أ.ب)
TT

بينما تواصلت الحرب الكلامية بين الكوريتين أمس يترقب العالم احتمال انزلاق الوضع أكثر على خلفية المناورات المقرر أن تقوم بها كوريا الجنوبية والولايات المتحدة ابتداء من اليوم. وحذر نظام بيونغ يانغ أمس من «العواقب الوخيمة المحتملة» التي قد تنجم عن مشاركة حاملة الطائرات الأميركية في المناورات. وفي بيان نشرته وكالة أنباء كوريا الشمالية أعلنت بيونغ يانغ: «إذا أرسلت الولايات المتحدة بالنهاية حاملة طائراتها إلى البحر الغربي (البحر الأصفر)، فلا أحد يستطيع أن يتوقع العواقب».

وقبل ذلك توعد النظام الستاليني «بالضرب بلا رحمة» في حال تعرضت سيادة مجاله الجوي إلى انتهاك لا سيما في البحر الأصفر الذي ستجوبه خلال أربعة أيام البوارج الكورية الجنوبية والأميركية بما فيها حاملة الطائرات جورج واشنطن.

كذلك أعربت بكين، حليفة كوريا الشمالية، عن معارضتها لتلك المناورات محذرة من «أي تحرك عسكري غير مسموح به» قبالة سواحلها. ورد ناطق باسم البنتاغون بأن تلك المناورات «ليست موجهة ضد الصين» موضحا أن «هذه العمليات ذات طبيعة دفاعية وتهدف إلى تعزيز الردع ضد كوريا الشمالية». وأعلنت موسكو أن وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والصيني يانغ جيشي تشاورا أمس هاتفيا وبحثا التوتر في شبه الجزيرة الكورية. وأورد بيان للوزارة أن لافروف شدد خلال الاتصال على «ضرورة العمل لتفادي التصعيد وتأمين الظروف لتقليص التوتر بين الكوريتين».

وتجري المناورات بعد خمسة أيام من قصف بيونغ يانغ جزيرة يونبيونغ الكورية الجنوبية الواقعة في البحر الأصفر. ولأول مرة منذ حرب كوريا (1950 - 1953)، قصفت كوريا الشمالية يوم الثلاثاء الماضي منطقة يسكنها مدنيون في كوريا الجنوبية وأسفر القصف عن سقوط أربعة قتلى، مدنيان وعسكريان، و20 جريحا في جزيرة يونبيونغ متسببا برد الجيش الكوري الجنوبي.

وتوعدت كوريا الجنوبية بالثأر لجندييها من البحارة اللذين أقيمت لهما أمس قرب سيول جنازة رسمية بثها التلفزيون مباشرة، حضرها عدد كبير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الكوريين الجنوبيين وعائلتا الجنديين. وقال قائد أركان البحرية الكورية الجنوبية يو ناك جون أمام صورتي الجنديين اللتين أحيطتا بورد أبيض: «سنثأر بالتأكيد لمقتلكما». من جهته، صرح وزير الدفاع الكوري الجنوبي الجديد كيم كوان جين لصحيفة «شوسون ايلبو» المحافظة أمس: «يتعين علينا الرد بسرعة وحزم على استفزازات كوريا الشمالية». واوصى بـ«التعامل بسرعة وحزم» مع كوريا الشمالية، عبر رد يكون «أقوى بمائة مرة» إذا شن جيش بيونغ يانغ هجوما.

وفي وسط سيول، دعا نحو ألف عسكري سابق في البحرية الكورية الجنوبية إلى الانتقام من كوريا الشمالية. وتجمع المتظاهرون في وسط العاصمة الكورية الجنوبية وأحرقوا علما كوريا شماليا وصورا لزعيمها كيم جونغ ايل وابنه ووريثه المرجح كيم جونغ أون. وردد المتظاهرون «لنتحد وننتقم». وقال أحدهم لي كوانغ سون لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن مستعدون لاختراق خط الجبهة إذا طلب منا ذلك». وأكدت كوريا الشمالية أمس أنه «إذا ثبت» سقوط قتلى مدنيين كوريين جنوبيين خلال مواجهات الثلاثاء مع كوريا الجنوبية فإنها تعتبر ذلك «مؤسفا جدا»، لكن اعتبرت أن سيول تتحمل المسؤولية لأنها وضعتهم «دروعا بشرية». وجاء في بيان نشرته وكالة أنباء كوريا الشمالية الرسمية، أن «سيول تعمل كثيرا على التهويل بمسألة (الضحايا المدنيين) في حملتها الدعائية عبر الادعاء أن مدنيين عزلا تعرضوا لقصف عشوائي». وتابع النظام الكوري الشمالي في البيان أنه «إذا تبين (أن مقتل المدنيين) صحيح فهذا مؤسف جدا ولكن يجب على العدو أن يتحمل مسؤولية ما حدث لأنه تحرك بشكل غير إنساني على الإطلاق عبر إقامة دروع بشرية».

واعتبر خبراء أن اندلاع حرب في شبه الجزيرة الكورية سيكون سيناريو كابوسيا، يسفر عن خسائر فادحة وربما يؤدي حتى إلى استخدام أسلحة نووية. وتستطيع المدفعية الكورية الشمالية المصوبة نحو سيول، أن تدك بسهولة خلال أيام الأبراج الزجاجية للعاصمة الكورية الجنوبية، وأن تقتل أعدادا كبيرة من المدنيين، قبل أن تعمد القوات الكورية الجنوبية بمؤازرة الحليف الأميركي إلى استجماع قواها والرد على الهجوم، كما يقول خبراء. وقال مايكل اوهانلون من معهد بروكينغز «تفيد التقديرات الرسمية لوزارة الدفاع الأميركية أن الانتصار في الحرب يحتاج إلى أشهر، وسيكون ثمنه مليون قتيل أو ما يزيد إذا تم احتساب القتلى والجرحى في آن واحد». وأضاف هذا الخبير الذي وضع كتابا عن تداعيات حرب محتملة: «كل ذلك يحصل من دون استخدام أسلحة نووية».

واعتقد الخبراء العسكريون الأميركيون وحلفاؤهم لفترة طويلة أنه يمكن الانتصار على كوريا الشمالية في حال اندلاع حرب تقليدية. لكنهم يعربون عن قلقهم من طريقة استخدام بيونغ يانغ لأسلحتها الكيميائية والبيولوجية، وكذلك مخزونها الصغير من الأسلحة النووية، كما قال بروس بينيت الخبير في الشؤون الدفاعية لدى مؤسسة راند كوربوريشن. وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «المسألة الأساسية تكمن في معرفة قدرتهم على استخدام أسلحة الدمار الشامل لديهم بفاعلية. لا تتوافر لدينا في الواقع أجوبة عن هذا السؤال».

ويشاطر هذا الرأي محللون آخرون يؤكدون أن كوريا الشمالية ستتمكن من تثبيت رأس نووية على أحد صواريخها البالستية في غضون بضعة أشهر، ما لم تكن قد أنجزت هذه الخطوة حتى الآن. وفي ضوء عملية محاكاة أجريت في 2005 لحساب مجلة «ذي اتلنتيك»، اعتبر ضباط سابقون ومسؤولون أميركيون أن على الطائرات الأميركية القيام بأربعة آلاف طلعة يوميا لحماية سيول ومنطقتها. ورأى جنرال متقاعد شارك في عملية المحاكاة أن اندلاع حرب سيؤدي في أفضل الحالات إلى سقوط 100 ألف قتيل في سيول.

وتعتبر كوريا الجنوبية أن كوريا الشمالية تملك نحو مائة موقع نووي. لكن سلطات بيونغ يانع ستنقل في حال اندلعت حرب أسلحة ومعدات نووية أخرى إلى مواقع غير معروفة أقامت القسم الأكبر منها تحت الأرض، كما قال بينيت.

وإذا اختارت كوريا الشمالية استخدام أسلحة كيميائية ضد سيول أو إرسال قوات خاصة مزودة أسلحة جرثومية، فقد يحمل ذلك الجيش الأميركي على القيام برد كثيف يمكن أن يؤدي إلى حرب نووية. لكن كوريا الشمالية قد تكتفي باستخدام سلاح نووي، على الأرجح قبالة السواحل الكورية الجنوبية، لردع الأميركيين وحلفائهم عن اجتياح أراضيها. وقال اوهانلون إن ذلك «يمكن أن يكون استراتيجية مفيدة» لبيونغ يانغ.

وأجرى الكولونيل المتقاعد جون كولينز دراسة في 2003 شملت مجموعة من الخيارات العسكرية لمواجهة كوريا الشمالية، تبدأ بالحصار البحري وتصل إلى الضربة النووية. وتوصل كولينز إلى خلاصة غير مطمئنة، وقال إن «أيا من الخيارات التي قد يعتمدها الأميركيون.. يمكن أن يسفر عن تصعيد مفتوح وخسائر فادحة» لدى الكوريتين.