داندونغ الصينية.. نافذة تواصل العالم مع كوريا الشمالية

المدينة الحدودية تشهد نشاطا تجاريا يزداد انتعاشا مع ازدياد تصلب نظام بيونغ يانغ

TT

تزدهر هذه المدينة الحدودية الواقعة ضمن المنطقة الصناعية في الصين والتي يفصل بينها وبين كوريا الشمالية نهر يالو، حيث ترتفع مبان سكنية على الجانب الغربي للمدينة بالقرب من جسر «فريندشيب رود» الجديد الذي سيصبح عما قريب ثاني جسر يربط بين مدينة داندونغ ومدينة سينوجو في كوريا الشمالية.

وعلى الطريق الرئيسي لشاطئ النهر، أقيمت مكاتب تجارية وشركات استيراد وتصدير ويجري إنشاء مطار جديد. كما تبيع المتاجر المشروبات الكحولية ونبات الجينسينغ والطوابع وأقراص الموسيقى المدمجة القادمة من كوريا الشمالية، وتقدم المطاعم الكورية الأطباق التي تشتهر بها كوريا الشمالية مثل لحم الكلاب المسلوقة ولحم الكلاب المقلي بالبهارات.

وتسعى مدينة داندونغ، مثلها مثل المناطق الأخرى في شمال شرقي الصين على طول الشريط الحدودي الذي يبلغ 870 ميلا، إلى الاستفادة من التجارة بين الصين وكوريا الشمالية على الحدود، التي يقارب حجمها 3 مليارات دولار سنويا. وحتى مع توجه الولايات المتحدة وحلفائها إلى عزل نظام بيونغ يانغ بسبب البرنامج النووي وسياساته الأخرى، يرى هذا الجزء القاحل من الصين أن لعب دور باب كوريا الشمالية الخلفي للتواصل مع العالم قد يكون مربحا للغاية.

تمد الصين كوريا الشمالية بنحو 90 في المائة من حاجتها من الطاقة، فضلا عن الجزء الأكبر من حاجتها من الغذاء والأسلحة، ويوضح آخر مؤشر للتجارة بين الدولتين منذ 2008 ارتفاعا بنحو 40 في المائة مقارنة بالعام الذي يسبقه، وذلك طبقا لمجلس العلاقات الخارجية، وهو معهد أبحاث بارز في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من رسم المسؤولين لخطط عظيمة لتعزيز التعاون، يقول كبار وصغار التجار إن إقامة علاقات تجارية مع كوريا الشمالية لا تزال تمثل إشكالية، حيث يشيرون إلى عدم إمكانية التكهن بتصرفات الحكومة وإلى تغييرها للقوانين دون سابق إنذار. كذلك يروي التجار قصصا مرعبة عن تجار صينيين خسروا ملايين الدولارات من جراء مصادرة أو سرقة سلع أو معدات بأكملها. ويصر الكثيرون حاليا على الحصول على النقود مقدما ويقومون بالجزء الأكبر من أعمالهم على الجانب الصيني من الحدود، حيث يقولون إنهم محاطون بحماية أكبر.

إضافة إلى ذلك، لا يتوقع تجار ورجال أعمال صينيون على علاقة وثيقة بأشخاص من كوريا الشمالية، من الدولة الانتقال إلى اقتصاد السوق قريبا، بينما زار بعض قادة كوريا الشمالية هذا الجزء من الصين وأبدوا إعجابهم بالازدهار الاقتصادي في الصين.

ويقول كوي ويتاو، أحد الصينيين الذين يتاجرون في الفاكهة والملابس والأواني البلاستيكية والعصي الخشبية التي تستخدم في الأكل، مع كوريا الشمالية خلال العشر سنوات الماضية، والبالغ من العمر 40 عاما: «لم أر أي مؤشرات على اتجاه حكومة كوريا الشمالية للانفتاح. لو كانت كوريا الشمالية تريد ذلك حقا، لكانت تتعلم من الصين وروسيا، ومنحت الناس حرية التنقل والتجارة... إذا فتحت الحدود، عمت الفائدة على البلد بأكمله».

ويتفق وانغ تيانشينغ، أحد أصدقائه من صغار التجار والبالغ من العمر 47 عاما، مع كوي، حيث يقول: «فكرة الإصلاح الاقتصادي موجودة منذ سنوات لكنها لم تتحقق أبدا، ولن تتحقق أثناء حياة الأب»، في إشارة إلى زعيم البلاد كيم جونغ إيل. ويضيف: «ربما عندما يتولى الابن الحكم».

طالما كانت الصين وكوريا الشمالية دولتين حليفتين مقربتين منذ عبور القوات الصينية نهر يالو لمساعدة كوريا الشمالية في محاربة القوات الأميركية والكورية الجنوبية، أثناء الحرب الكورية التي يشار إليها هنا بـ«حرب مقاومة العدوان الأميركي ومساعدة كوريا».

وعلى الرغم من ذلك يعتبر القادة الصينيون زعيم كوريا الشمالية حليفا مثيرا للمشكلات نتيجة علاقته المتسمة بالمخاطرة مع الولايات المتحدة بشأن قدرة بلاده النووية وبعض الأحداث مثل الهجوم بالمدفعية على جزيرة يونبيونغ الأسبوع الحالي، الذي أسفر عن مقتل ضابطين بالقوات الخاصة البحرية لكوريا الجنوبية ومدنيين كوريين اثنين وإغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية في مارس (آذار) الماضي.

وبحسب تقارير كوريا الجنوبية الإعلامية، أبدى القادة الصينيون قلقهم من الأزمة الاقتصادية لكوريا الشمالية وشجعوا كيم على القيام بإصلاحات اقتصادية على أساس السوق أثناء زيارته للصين في مايو (أيار) وأغسطس (آب) الماضي، وقابل كيم الرئيس الصيني هو جينتاو.

ونزولا على هذه الرغبة، أرسلت كوريا الشمالية 12 عمدة ورئيس بلدية إلى شمال شرقي الصين لزيارة مصانع ومنشآت كيميائية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقد زار شو يونغ ريم، رئيس وزراء كوريا الشمالية، مدينة هاربن في إقليم هيلونجيانغ أوائل الشهر الحالي لمناقشة مشاريع اقتصادية مشتركة.

ووافقت كوريا الشمالية على تأجير جزيرتين في نهر يالو للصين بغرض إنشاء «مناطق تجارة حرة»، وتم تشجيع الشركات الصينية العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة على توقيع عقود عمل مع خبراء كومبيوتر من كوريا الشمالية. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب زيارة كيم الثانية، أنشأت الصين سوقا جديدة على مساحة 100.000 كلم مربع في تومين، على الجانب المقابل لمدينة ناميانغ في كوريا الشمالية ليبيع التجار الكوريون بضاعتهم أو يتاجروا فيها بشكل يومي.

لكن سوق تومين توضح بأشكال كثيرة صعوبات إقناع كوريا الشمالية بالانفتاح، فالسوق الشاسعة خالية إلى حد كبير الآن لتغيير حكومة كوريا الجنوبية موقفها، بعد السماح لمواطنيها بالقدوم إلى الصين بغرض التجارة الحرة - على حد قول سكان تومين.

وقال أحد الباعة الجائلين الصينيين القلائل في السوق خلال زيارته الأخيرة والذي كان يبيع سرطان البحر وجمبري والسمك المجمد الكوري، إنه خسر الكثير من المال لرفع المورد الكوري الأسعار دون إنذار مسبق. وأوضح بائع المأكولات البحرية الذي رفض الكشف عن اسمه قائلا: «التجارة مع كوريا الشمالية صعبة ومحفوفة بالمخاطرة بالأساس، نتيجة الإجراءات المعقدة الخاصة بالذهاب إلى هناك»، مشيرا إلى حاجة التجار الصينيين إلى دعوة من شركة حكومية والحصول على ثلاثة أختام من ثلاثة أقسام مختلفة. وأضاف التاجر، الذي ذهب مرة واحدة إلى كوريا الشمالية، أن المسؤولين «طماعون للغاية، فقد طلبوا منا كاميرات رقمية أو أجهزة تشغيل أقراص دي في دي أو أجهزة كومبيوتر، وعلينا أن نبتاع لهم عشاء وإحضار البوظة ضروريا في كل مرة نقابلهم فيها».

كذلك كان التفاوض على بناء جسر «فريندشيب رود» الجديد عسيرا، حيث وافقت الصين على تحمل تكلفة البناء الباهظة التي تجاوزت الـ200 مليون دولار، ثم طالبت كوريا الشمالية الصين ببناء فندق 5 نجوم والقيام ببنية تحتية على الجانب الكوري من الحدود - بحسب قول أحد رجال الأعمال الصينيين.

ويقول خبراء الاقتصاد إن تجربة التجار المحليين تؤكد نتائج أبحاثهم، وهي أن مسؤولي كوريا الشمالية يعلنون عن رغبتهم في القيام بإصلاح اقتصادي وربما يتحدثون عن محاكاة التجربة الصينية الناجحة، في حين لا تزال النخبة الكورية الحاكمة مترددة في اتخاذ أي خطوة تضعف من قبضتها المحكمة على البلاد.

ويقول ماركوس نولاند، أحد كبار الباحثين لدى معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن قام بمسح شمل 300 شركة صينية تعمل في كوريا الشمالية: «لم تشعر الدولة أبدا بالارتياح تجاه اقتصاد السوق، حيث يرون السوق كطريق آخر للوصول إلى الثروة والمكانة الاجتماعية وربما النفوذ السياسي». ويوضح نولاند أنه بينما تحاول كوريا الشمالية «تعميق التكامل الاقتصادي مع الصين» على المستوى الرسمي، يتخذ القادة الكوريون في الوقت ذاته خطوات «لتقويض هذا النوع من النشاط التجاري الطبيعي على الحدود»، من خلال رفض منح تأشيرات دخول وتغيير اللوائح بصفة مستمرة. ويضيف نولاند قائلا: «لا يثق الصينيون بالكوريين الشماليين مطلقا».

(شارك ليو ليو الباحث في صحيفة «واشنطن بوست» في إعداد هذا التقرير من تومين وداندونغ)

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»