لندن بعد واشنطن تلجأ إلى عملية «احتواء» آثار وثائق «ويكيليكس» المرتقبة

الحكومة البريطانية طلبت إلى وسائل الإعلام استشارتها قبل نشر بعض المعلومات المسربة

جوليان أسانغ مؤسس موقع «ويكيليكس» الذي ينشر وثائق أميركية عن حربي العراق وأفغانستان، خلال مؤتمر صحافي بجنيف في الرابع من الشهر الحالي (رويترز)
TT

بعد حملة التحذيرات التي أطلقتها الولايات المتحدة تجاه الدول الصديقة لها في العالم، في خطوة مسبقة لاحتواء آثار وثائق سرية سينشرها موقع «ويكيليكس»، من المتوقع أن تتسبب في إحراج كبير لواشنطن، لجأت بريطانيا، أمس، إلى عملية احتواء أخرى خاصة بها. وأرسلت الحكومة البريطانية تحذيرات إلى وسائل الإعلام البريطانية، طلبت إليهم أخذ «نصيحتها» مسبقا قبل نشر أي مواد من الوثائق المسربة، قد تعرض الأمن الوطني للخطر.

وكان موقع «ويكيليكس» قد أعلن يوم الاثنين الماضي، في رسالة قصيرة على صفحته في موقع «تويتر»، أنه يتحضر لنشر وثائق سرية جديدة، «أكبر 7 مرات» من وثائق حرب العراق التي نشرها قبل عدة أسابيع. ثم ألحقها برسالة قصيرة أخرى كتب فيها: «الأشهر المقبلة ستشهد عالما جديدا، حيث يعاد تحديد تاريخ العالم».

ويرجح أن ينشر موقع «ويكيليكس»، لصاحبه جوليان أسانج، 3 ملايين وثيقة دبلوماسية اليوم، على أن يترافق ذلك مع قصص تصدر في صحف اليوم، الأحد. وفي المرة السابقة عندما نشر أسانج وثائق حرب العراق، وقبلها أفغانستان، سرب الوثائق قبل أشهر إلى وسائل إعلام بريطانية وأميركية وأخرى اختارها، واتفق معها على موعد محدد للنشر. ومن المتوقع أن يقوم هذه المرة بالمثل. وكان سرب وثائق حرب العراق لصحيفة الـ«غارديان» اليسارية في بريطانيا، و«نيويورك تايمز» في الولايات المتحدة، و«دير شبيغل» في ألمانيا، و«لو موند» في فرنسا، بالإضافة إلى تلفزيون الجزيرة باللغة الإنجليزية والمحطة الرابعة البريطانية. وقد تسببت الوثائق الأخيرة حول حرب العراق في حرج للإدارة الأميركية التي قيل إنها تسعى إلى بناء قضية ضد أسانج لمحاكمته بالجاسوسية. ويتهم صاحب موقع «ويكيليكس»، وهو أسترالي، البنتاغون بشن حملة ضده لتشويه سمعته والنيل منه ومن نزاهته. ويضع مذكرة التوقيف التي صدرت بحقه في السويد الأسبوع الماضي، بتهمة اغتصاب امرأتين، في هذا الإطار. إلا أن الوثائق التي يهدد أسانج بنشرها قريبا، من المتوقع أن تتسبب في إحراج أكبر للإدارة الأميركية لأنها تحوي «تقييمات غير مطرية» لزعماء دول وحكومات.

وقد بدأت الولايات المتحدة قبل أيام حملة مكثفة للاتصال بأصدقائها حول العالم، لتحذيرهم من محتوى ما قد ينشر. وأكد الناطق باسم الخارجية الأميركي، بي جي كراولي، في رسالة قصيرة على «تويتر» أن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية اتصلت، في هذا الموضوع، بمسؤولين في المانيا والسعودية والإمارات وبريطانيا وفرنسا وأفغانستان. وأكد لاحقا أنها اتصلت أيضا بوزير الخارجية الصيني حول الموضوع. كما أعلن أن الدبلوماسيين الأميركيين يحذرون الحكومات من المعلومات التي قد تحتوي عليها الوثائق. ومن المتوقع أن تضم الوثائق تقييمات أميركية صريحة لزعماء الدول الأجنبية والحكومات. وحذر كراولي من أن هذه الوثائق ستعرض «حياة الكثيرين ومصالح كثيرة للخطر».

وقد اعترف الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ستيف فيلد، بأن السفير الأميركي في لندن، لويس ساسمن، أبلغ الحكومة البريطانية «عن المحتوى المحتمل للوثائق». ولكنه رفض الإفصاح عن محتوى التحذيرات، وقال: «لا أريد التخمين مسبقا ما سيتم تسريبه، قبل أن يتم تسريبه».

إلا أن بريطانيا تخشى أيضا مما قد تحويه الوثائق من معلومات قد تقول الكثير عن علاقاتها بالولايات المتحدة، التي لطالما طبعت بأنها «علاقات مميزة». وقد أرسل أندرو والاس، من اللجنة الاستشارية في قضايا الإعلام التابعة لوزارة الدفاع، إلى رؤساء تحرير الصحف البريطانية ومحطات التلفزة، إشعارا يذكرهم بواجبهم إطلاع الحكومة على محتوى معلومات قد تضر الأمن القومي، أو تعرض حياة البريطانيين في الخارج للخطر، قبل نشرها. وكتب في رسالة إلكترونية بعث بها ظهر أول أمس: «لقد فهمت أن (ويكيليكس) تتحضر في وقت قريب جدا، لنشر وثائق أميركية رسمية إضافية، على موقعها الإلكتروني. علينا أن ننتظر لنرى ما ستتناوله هذه الوثائق بالتفصيل، ولكن من الممكن أن يحتوي بعض منها على معلومات تقع ضمن رمز الإشعار الاستشاري».

وأضاف: «نظرا إلى الكم الكبير من الوثائق التي سيتم نشرها، من غير المرجح أن يتمكن الباحث العادي من إيجاد هذه المعلومات الحساسة المتعلقة بالأمن القومي في بريطانيا، ولكن جوانب من أمننا القومي قد تتعرض للخطر في حال لفتت وسائل الإعلام البريطانية الأنظار إلى هذه المعلومات عبر إذاعتها أو طبعها». وتابع قائلا في الرسالة التي نشرت بإحدى المدونات، أمس: «لذلك، أطلب أن تلجأوا إلي لأخذ النصيحة قبل نشر أو إذاعة أي معلومات تقع في هذا الإشعار». ولكن هذا الاتفاق لا يجبر الصحف البريطانية على إطلاع الحكومة على الوثائق قبل نشرها، بل هو قرار اختياري.

وإلى جانب بريطانيا، أعلنت حكومات أخرى أنها تلقت تحذيرات من واشنطن حول محتوى الوثائق، من بينها: كندا، والنرويج، والدنمارك، وتركيا، وأستراليا، وإسرائيل. ويعتقد أن هذه الوثائق قد سربت إلى أسانج من جهاز كومبيوتر في البنتاغون يحمل وثائق سرية ويمكن للموظفين الحاصلين على تصريح بالدخول إليه، أن يصلوا إلى الوثائق. وما إذا كان أسانج سيعقد مؤتمرا صحافيا، مثل المرة السابقة، ليعلن عن نشر الوثائق، لا يزال أمرا غير معروف بعد. فصاحب «ويكيليكس»، الذي شوهد للمرة الأخيرة في لندن، غائب عن الأنظار منذ صدور مذكرة التوقيف بحقه في السويد الأسبوع الماضي، رغم أن محاميه البريطاني، مارك ستيفنز، كان أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه ليس مختبئا، ولكنه «اعتاد أن لا يفصح عن مكانه أبدا».