3 ملايين مغربي يتظاهرون في الدار البيضاء للتعبير عن إجماع وطني حول «مغربية الصحراء»

مشاركة شعبية فاقت كل التوقعات.. واعتبرت أضخم مسيرة في تاريخ المغرب الحديث

جانب من المسيرة الشعبية الضخمة التي نظمت في مدينة الدار البيضاء أمس (أ. ب)
TT

فاضت جنبات شوارع وسط مدينة الدار البيضاء، أمس، بالمشاركين في مسيرة شعبية ضخمة فاقت كل التوقعات، دعت إليها الأحزاب والنقابات المغربية احتجاجا على قرار أصدره البرلمان الأوروبي حول الصحراء يوم الخميس الماضي، وتعبيرا عن إجماع وطني حول «مغربية الصحراء». وقدر المنظمون عدد المشاركين في حدود 3 ملايين شخص، في حين قالت سلطات حكومية محلية إن 2.5 مليون شاركوا في المسيرة، التي تعد الأضخم في تاريخ المغرب الحديث.

وقبل موعد انطلاق المسيرة بساعات كانت الشوارع والأزقة المؤدية إلى مكان انطلاقها تغص بالمشاركين الذين جاءوا من مختلف مدن ومناطق المغرب، وعلقت شركات النقل البري رحلاتها العادية، وسخرت حافلاتها لنقل المشاركين في المسيرة، ومن الأقاليم الصحراوية تم نقل المشاركين عبر 3 طائرات من مدينة العيون، وطائرتين من مدينة الداخلة. وفي الساعات الأولى من صباح أمس بدأت الشوارع والمسالك والأزقة المؤدية إلى شارع محمد السادس تكتظ ملء سعتها بالوافدين، من مختلف أنحاء المغرب. وفي الثامنة صباحا بدأ الناس يتجمعون أمام مقرات البلديات الستة عشرة التي تتكون منها مدينة الدار البيضاء حيث كانت تنتظرهم الحافلات لنقلهم إلى مكان المظاهرة.

وانطلقت المسيرة بشكل عفوي تحت ضغط الجمهور قبل ساعتين من الموعد المقرر رسميا لانطلاقها، الشيء الذي خلق ارتباكا في التنظيم وحال دون تولي قادة أحزاب سياسية للمسيرة. وامتدت المسيرة على طول شارع محمد السادس متجاوزة المجال المخصص لها بعدة كيلومترات، كما عرفت الشوارع المجاورة اكتظاظا كبيرا.

ولم تقتصر المشاركة في المسيرة على المغاربة، بل لوحظت مشاركة عدد من أبناء الجاليات العربية المقيمة بالمغرب، بالإضافة إلى أجانب وأوروبيين.

وتعتبر هذه ثاني أزمة في العلاقات بين المغرب والبرلمان الأوروبي خلال 20 سنة، إذ تعود الأزمة الأولى إلى مارس (آذار) 1992 عندما صوت البرلمان الأوروبي ضد بروتوكول التعاون المالي بين المغرب والاتحاد الأوروبي لاعتبارات سياسية، غير أن تلك الأزمة انتهت لصالح المغرب، إذ شكلت آنذاك فرصة لإعادة التفاوض بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول هيكلة العلاقات بين الطرفين، وتمخض عن تلك المفاوضات الارتقاء بالعلاقات بينهما من مستوى التعاون إلى مستوى الشراكة، وأصبح اتفاق الشراكة الذي تم التوصل إليه آنذاك نموذجا للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والبلدان المتوسطية.

ويرى أحمد الزايدي، رئيس الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي انتخب مقررا للجنة البرلمانية للتحقيق في أحداث العيون، أن الأزمة الحالية ليست أزمة في العلاقات المغربية - الأوروبية بقدر ما هي أزمة بين المغرب وبعض الأحزاب اليمينية والمتطرفة حول قضية الصحراء.

وقال الزايدي لـ«الشرق الأوسط» إن القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي لا يعكس موقف الاتحاد الأوروبي لأن من وقف وراءه معروفون ومحددون، في إشارة إلى الحزب الشعبي الإسباني اليميني المعارض.

وأضاف الزايدي أن طريقة تعاطي هذه الأحزاب مع قضية الصحراء، مست الشعب المغربي في عمقه وكيانه، وأن ما عبرت عنه المسيرة في الدار البيضاء هو انتفاضة كشفت عن وجود سلبيات، على المغرب أن يسارع إلى تداركها وإصلاحها. وزاد الزايدي قائلا: «لم نعط ما يكفي من الحذر لهذه القضية، وهناك غياب عن المجتمع المدني، وهناك أيضا تقصير من جانب المغرب في شرح وتوضيح وإقناع الآخر بعدالة قضيتنا. اليوم هذه السلبيات تتطلب منا أن نعكف عليها بجدية لمعالجتها».

وحول ما تضمنه قرار البرلمان الأوروبي من توصية بإجراء تحقيق محايد تحت إشراف الأمم المتحدة حول أحداث العيون، رد الزايدي بالقول إن هذه التوصية كانت خارج السياق لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار أن مجلس الأمن أصدر قراره بشأن أحداث العيون. وفي غضون ذلك، كشف الزايدي عن أن اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق ستشرع اليوم في عملها.

وقال صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، ورئيس التجمع الوطني للأحرار، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأزمة الحالية بين المغرب والبرلمان الأوروبي ستنتهي عندما يدرك البرلمانيون الأوروبيون خطأهم وتسرعهم في اتخاذ القرار الذي اتخذوه، وستظهر لهم حقيقة التلاعب الذي كانوا ضحية له.

وأضاف مزوار أن إصرار المغرب سيبين للعالم أنه ليس من السهولة التلاعب بالمصالح العليا للبلاد والمساس بوحدتها الوطنية.

وفي موضوع آخر، قررت الاتحادات العمالية المغربية تعليق الإضراب الذي كان مقررا خوضه اليوم (الاثنين) في جميع الشركات والمؤسسات الإسبانية المســــتثمرة في المغرب. وأبلغت مصادر نقابية «الشرق الأوسط» بأن القرار اتخذ بعد تدخل الحكومة المغربية، التي طلبت من الاتحادات العمالية عدم تنفيذ الإضراب، احتجاجا على مواقف بعض الأحزاب والجمعيات الإسبانية من أحداث العيون، حتى لا يؤثر ذلك على الاستثمارات الأوروبية والإسبانية في البلاد.

وقال محمد بنحمو، عضو المكتب الوطني للفيدرالية الديمقراطية للشغل، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحكومة المغربية وجهت رسالة إلى الاتحادات العمالية الليلة قبل الماضية تناشدهم فيها تعليق الإضراب بعد تلقيها رسالة في هذا الشأن من الحكومة الإسبانية.

وقالت المصادر إن قرار تعليق الإضراب يهدف أيضا إلى احتواء الوضع المتوتر بين المغرب وإسبانيا، ووضع حد لـ«حالة التشنج» في العلاقات بين البلدين.

يشار إلى أن العلاقات المغربية - الإسبانية عرفت توترا كبيرا بين البلدين بسبب تداعيات أحداث العنف الأخيرة التي عرفتها مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء، والتي وظفتها أطراف إسبانية من بينها الحزب الشعبي اليميني في توجيه انتقادات شديدة للمغرب.

وكانت 4 اتحادات عمالية رئيسية هي: الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، قد دعت إلى شن إضراب عام في كل الشركات الإسبانية التي تستثمر في المغرب وتلك التي تعمل في مجال الخدمات، احتجاجا على ضغط الحزب الشعبي الإسباني داخل البرلمان الأوروبي لاتخاذ قرار ضد المغرب، وقالت النقابات المغربية في بيان أصدرته أمس، إن هذه القوى هي التي «روجت لمغالطات في وسائل الإعلام الإسبانية».