محاصرة «القاعدة» أمنيا وماليا دفعتها إلى تبني عمليات صغيرة وغير مكلفة

تركيز التنظيم على الاغتيالات تغيير في التكتيك وليس في الاستراتيجية

TT

أكد بيان وزارة الداخلية السعودية الأخير أن تنظيم القاعدة لجأ عمليا إلى انتهاج تكتيكات جديدة في العمليات التي كان التنظيم الإرهابي يستعد لتنفيذها، حيث تستهدف العمليات التي كشفها الأمن السعودي، شخصيات لا تحظى بالحراسة الأمنية المشددة، كما هي الحال مع المقار الاقتصادية والأمنية والمجمعات السكنية، ووضع التنظيم على قائمة أهدافه الإعلاميين ورجال الأمن (كأفراد) ورجال دين ومفكرين، ورعايا غربيين (مستأمنين).

وبعد حادثة الطرود التي كشفت من قبل الأمن السعودي، وحققت القوى الأمنية السعودية من خلالها علو كعب في مجال مكافحة ورصد العمليات الإرهابية على المستوى العالمي، اتضح جليا أن التنظيم تخلى مرحليا عن الأهداف النوعية وبدأ يفكر في تنفيذ عمليات إرهابية بعدد أقل من الأفراد وبتكلفة مادية أقل.

في هذا الجانب، يقول الدكتور أنور عشقي رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية»، إن لجوء «القاعدة» إلى عمليات كهذه تغيير في التكتيك وليس تحولا عن الاستراتيجية التي تقوم على إحداث الفوضى والتدمير. ويبين: «السعودية، ومن خلال النجاحات الأمنية التي حققتها في الضربات الاستباقية للعمليات الإرهابية، حدت من قدرات التنظيم على استهداف مواقع حساسة، والتنظيم بدأ يتراجع عن التخطيط لاستهدافها». ويفصل ذلك قائلا: «كان التنظيم يستهدف مواقع ويقتل من بداخلها من الأبرياء، والمستهدف في تلك المواقع ليس الضحايا الأبرياء الموجودين فيها فقط؛ وإنما تحقيق أهداف أكبر للتنظيم، الآن ومع تقدم السعودية في الحرب على الإرهاب تحول القتل لدى تنظيم القاعدة إلى اغتيال سياسي تحت مظلة إرهابية، وإلى إسكات للجهات والشخصيات التي أقلقت التنظيم من إعلاميين وشخصيات عامة ورجال أمن ومفكرين».

ويرى الدكتور عشقي أن تطور العملية الأمنية في السعودية من الملاحقة بعد الحدث الإرهابي إلى الملاحقة قبل الحدث الإرهابي، جعل التنظيم يعيد كثيرا من حساباته وأولها استهداف مواقع سهلة لتأكيد استمراريته ووجوده فقط.

وبالعودة إلى بيان وزارة الداخلية، تتوزع 10 خلايا إرهابية، من التي تم تفكيكها على يد الجهاز الأمني السعودية، ضمن شبكات ثلاث، تضم الشبكة الأولى، 5 خلايا، وتتكون من 41 عنصرا، وأنيط بإحدى خلاياها التخطيط والتنفيذ لعمل إرهابي يستهدف مسؤولين ومنشآت أمنية، في حين كانت أخرى تسعى لتنفيذ عمل إرهابي آخر يستهدف رجال أمن ومنشآت أمنية.

وتحتوي الشبكة الثانية، على 3 خلايا، فيها 24 عنصرا، وكانت تخطط لنشر فكر «القاعدة»، وتنسيق سفر المغرر بهم، وجمع الأموال، وتنفيذ مخطط إرهابي يستهدف رجال أمن ومستأمنين ومنشآت عسكرية.

وتضم الشبكة الثالثة، خليتين إرهابيتين، يبلغ عدد عناصرها 16، وكانت تسعى لتنفيذ مخطط إرهابي يستهدف مستأمنين.

والخلايا الـ9 الأخرى، التي يبلغ عدد عناصرها 79، كانت تعمل بشكل منفرد؛ 3 خلايا منها شكلت حلقات ارتباط بتنظيم القاعدة، وتخصصت في صناعة المتفجرات، وتقديم التدريب المهني على إعداد المواد المتفجرة، والتهيئة لتنفيذ مخطط إرهابي يستهدف مسؤولين ورجال أمن، وتنفيذ مخطط إرهابي يستهدف اغتيال شخصيات، والتدرب على الأسلحة وصناعة القنابل اليدوية، واستهداف منشآت حكومية.

العنصر المشترك بين جميع هذه الخلايا هو الاغتيالات كأقصر الحلول لتنفيذ عمليات تخريبية تحدث كثيرا من الفوضى وتعيد للتنظيم بعض الثقة بالنفس بعد الضربات الاستباقية المتلاحقة والنجاحات الأمنية في الحد من قدراته التخريبية.

ويعود الدكتور عشقي للقول إن «اللجوء لأهداف كهذه، يعني أن التنظيم يعاني من شح في الموارد المالية؛ فاللجوء إلى عمليات غير مكلفة ماديا، وكذلك يمكن تنفيذها بالمتاح من المواد الفعالة، يعني في القراءة الحقيقية لوضع التنظيم أن عمليات تجفيف منابع تمويل الإرهاب بدأت تؤتي أكلها، فإعلان التنظيم أنه بـ4200 دولار يمكن أن يحدث خسارة كبيرة وضررا كبيرا للاقتصاد العالمي، يعني بصورة أخرى أن التنظيم يعاني شحا في الموارد، وتكيفا مع هذا الوضع، يلجأ إلى عمليات غير مكلفة ماديا»، ويتابع رئيس «مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية والقانونية» تحليله لإعلان التنظيم قلة تكلفة العمليات الإرهابية بأنه يريد أن يقول للعالم إنه وعلى الرغم من شح الموارد المالية، فإنه يمكنه أن يحدث الفوضى.

ويقرأ الدكتور عشقي في بيان وزارة الداخلية الأخير جزئية مهمة، وهي أن السعودية بلغت مرحلة متقدمة في الهجوم على الإرهاب وتسديد الضربات الاستباقية لتنظيم القاعدة كشفت من خلالها عمليات على المستوى الدولي، لكن لا يعني ذلك، والكلام للدكتور عشقي، أنه تم القضاء على الإرهاب، وإنما تم تحقيق الأمن الفكري الذي شرعت السعودية من خلاله في توحيد جبهة عالمية عبر دعم الوحدة الوطنية عن طريق مركز الحوار الوطني الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين وكذلك المبادرات على المستوى الدولي من خلال حوار الأديان وحوار الحضارات، كما ساهم الأمير نايف بن عبد العزيز من خلال رؤيته الأمنية وفكره الاستراتيجي؛ حيث أسس «مركز الأمن الفكري». وعبر هذه الجهود والجهود الأمنية الميدانية، قضت السعودية على الخلايا الإرهابية في الداخل، مع بقاء بعض الخلايا المتسربة من الخارج التي يسهل اصطيادها والسيطرة عليها قبل أن تنفذ مهامها، والسبب، كما يراه الدكتور عشقي، يعود إلى تساقط قيادات التنظيم وكشفها لتحركات الخلايا الإرهابية التي انتقلت القوى الأمنية السعودية في صراعها مع الإرهاب من خلالها من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم.