إيران تتهم أميركا وإسرائيل بقتل عالم نووي وإصابة آخر

واشنطن تنفي وتندد.. والمعارضة الإيرانية: تصفيات داخل النظام

TT

وجهت طهران أمس أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء هجومين استهدفا عالمين نوويين إيرانيين بارزين، أحدهما يحمل اختصاصا نادرا، في طهران وأسفر عن مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وحذر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي «أعداء» بلاده من «اللعب بالنار» من خلال تنفيذ مثل هذه الهجمات، وأكد أن «صبر الإيرانيين له حدود».

وبحسب وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء، شبه الرسمية، فإن البروفسور ماجد شهرياري أستاذ الفيزياء في جامعة الشهيد بهشتي والعضو في الجمعية النووية الإيرانية قتل في انفجار قنبلة ألصقها شخصان كانا يستقلان دراجة نارية في سيارته شمال شرقي طهران، وأسفر عن إصابة زوجته بجروح.

كما أصيب البروفسور فريدون عباسي أستاذ الفيزياء المختص في أشعة الليزر بجروح مع زوجته في اعتداء نفذ بالطريقة نفسها أمام جامعة الشهيد بهشتي حيث يعطي دروسا هو أيضا، كما أفادت وسائل الإعلام الإيرانية. وذكرت وكالة «فارس» أن هذا الاعتداء نفذ «بالطريقة نفسها» مثل ذلك الذي استهدف شهرياري.

غير أن وزارة الخارجية الأميركية امتنعت عن الرد على الاتهامات الإيرانية، مكتفية بالتنديد بهذه الحوادث. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية: «ندين هذه الهجمات ونواصل متابعة التقارير حول القضية».

وكان التلفزيون الرسمي الإيراني قد أفاد على موقعه على الإنترنت: «في عمل إرهابي إجرامي، هاجم عملاء النظام الصهيوني أستاذين بارزين كانا متوجهين إلى عملهما».

وقال مصدر إيراني مطلع في اتصال مع «الشرق الأوسط» من العاصمة طهران، حول سبب اعتقاد بلاده بوقوف أميركا وإسرائيل وراء الهجومين: «هم لديهم برنامج خاص لاستهداف إيران والشعب الإيراني»، مشيرا إلى ما قال إنها «بعض الأقوال التي سبق أن رددها عدد من المسؤولين الإسرائيليين لمواجهة البرنامج النووي الإيراني واغتيال بعض العلماء.. صدرت هذه الأقوال منهم، هم يهددوننا ويريدون مهاجمتنا».

وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن شهرياري كان عضوا في دائرة الهندسة النووية في جامعة الشهيد بهشتي، إحدى أعرق جامعات طهران.

وأفاد موقع «مشرق - نيوز» المحافظ أن عباسي يحمل شهادة دكتوراه في الفيزياء النووية وكان يقوم بأبحاث لحساب وزارة الدفاع الإيرانية. وأضاف المصدر نفسه أنه قد يكون «أحد الاختصاصيين الإيرانيين القلائل في مجال فصل النظائر المشعة».

واتهم مصطفى محمد نجار، وزير الداخلية الإيراني، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بالوقوف خلف الاعتداءين، وقال الوزير ردا على سؤال للتلفزيون الإيراني إن «الاستكبار العالمي و(الموساد) ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هم أعداء الأمة الإيرانية ويريدون وقف تقدمنا العلمي»، وأضاف أن «هذا العمل الإرهابي اليائس يكشف ضعفهم ووضعهم المذري».

كما اتهم مكتب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في بيان «النظام الصهيوني» بالوقوف وراء الاعتداءين، وأضاف البيان أن «دماء شهريار تعري المنادين بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وتكشف الوجه الحقيقي للصهاينة الإرهابيين والمدافعين عنهم».

وفي تعليقه على حادثي أمس، حذر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي «أعداء إيران بأنهم يلعبون من خلال هذا الأعمال الإرهابية بالنار»، وقال: «عليكم (الأعداء) أن لا تلعبوا بالنار، لأن صبر الشعب الإيراني له حدود، وإذا نفد، فإن مصيرا سيئا سيكون في انتظاركم». وأضاف صالحي أن «الدكتور شهرياري كان أحد طلابي وكان يسهم بشكل جيد في أحد المشاريع الكبيرة في منظمة الطاقة النووية الإيرانية».

وقد تعرض عدة علماء إيرانيين لاعتداءات أو فقد أثرهم بشكل غير مفسر في السنوات الماضية. وفي آخر اعتداء من هذا النوع قتل في 12 يناير (كانون الثاني) مسعود علي محمدي خبير الفيزياء المعروف الذي كان يدرس في جامعة طهران لكن يعمل أيضا لدى الحرس الثوري الإيراني. وقتل محمدي في انفجار دراجة نارية مفخخة حين كان خارجا من منزله ونسبت السلطات الهجوم إلى إسرائيل.

ونقلت الوكالات الإيرانية عن زملاء العالم النووي شهرياري أنه «كان أحد أبرز العلماء النوويين في البلاد وأن الهدف من اغتياله هو بث الرعب بين العلماء الإيرانيين». وأنه كان قد أسس دورة استخدام الأشعة في جامعة الشهيد بهشتي وله مقالات كثيرة في مجال الكومبيوتر.

في حين أفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأنه من الغريب أن كلا من شهرياري ومحمدي كانا باحثين في مشروع «سيزامي» للأبحاث العلمية غير النووية ومقره الأردن الذي يعمل بإشراف الأمم المتحدة ويضم تسعة أعضاء؛ من بينهم عضو من إسرائيل وآخرون من دول إسلامية. ولم يكن واضحا إن كان لمقتل العالمين صلة بعضويتهما في تلك المؤسسة.

في غضون ذلك، نفت أطراف من المعارضة مسؤوليتها عن الاعتداءين مشيرة لخلافات و«تصفيات» داخل النظام الإيراني، بينما اتهمت منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة السلطات الإيرانية بتصفية شهرياري ومحاولة اغتيال عباسي.

واستبعد المحلل السياسي المختص بالشؤون الإيرانية صباح الموسوي في تعليق حول حادثة أمس أن تكون إسرائيل أو المعارضة الإيرانية وراء الهجوم على عالمي الفيزياء النووية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام الإيراني اعتاد أن يلقي بتبعات إخفاقاته ومشكلاته الداخلية على العامل الخارجي، وتوجيه التهم لإسرائيل وأميركا هي الصيغة التي اعتاد العالم على سماعها من قبل هذا النظام، كما أن فرضية اغتيال الخبراء النوويين الإيرانيين من قبل الاستخبارات الإسرائيلية تبقى أمرا غير مستبعد». وأضاف الموسوي: «لا أعتقد أن المعارضة الإيرانية لديها مصلحة في تنفيذ مثل هذه العمليات، لأنها تعلم أن العلماء والمختصين في أي مجال من العلوم هم مجبرون على إطاعة أوامر النظام، فلا حرية أو خيار لهم مهما كانت مهنة أو وظيفة أي منهم، ولهذا فقد سبق للمعارضة أن أدانت مثل هذه الاغتيالات».

وعن الشكوك التي تدور حول بعض التنظيمات الانفصالية، قال الموسوي: «بالنسبة للحركات والتنظيمات التابعة للقوميات والشعوب غير الفارسية فهي أغلبها حركات مدنية.. كما أن التي تنتهج العمل المسلح منها ليس لديها مثل هذه الإمكانات الاستخباراتية التي تمكنها من تنفيذ عمليات كهذه خارج مناطقها. والأسلوب المتبع في هذه الاغتيالات يظهر أنه من فعل أجهزة عالية الخبرة والإمكانات الاستخبارية. هذا عمل عالي الاحتراف، ولم يسبق لأي من هذه الحركات أن نفذت عملية خارج منطقتها». وأشار الموسوي إلى سابقة اختفاء ومقتل ثلاثة من كبار العلماء والمسؤولين عن الملف النووي الإيراني خلال السنوات الثلاث الأخيرة، منها هروب نائب وزير الدفاع المسؤول عن الملف النووي في الوزارة العميد علي رضا عسكري الذي اختفى في تركيا عام 2007، ومقتل العالم الفيزيائي الذي كان يعمل في المشروع النووي الإيراني، أردشير حسن بور، وقالت السلطات وقتها إن السبب تسرب للغاز في بيته، بينما كانت هناك اتهامات للنظام الإيراني بتصفيته بعد اتهامه بتسريب معلومات عن المشروع النووي لدول غربية، إضافة إلى اختفاء العالم النووي الإيراني شهرام أميري والاعتقاد بلجوئه إلى الغرب.