إندونيسيا تشيد مدنا عصرية.. مستلهمة تجربة الجارة سنغافورة

في إطار خططها لحل مشكلات النزوح الريفي والازدحام المروري المنتشرة في الأرخبيل

أنطوني حليم يستلهم أفكارا رومانية يونانية لبناء منزله في سورابايا الإندونيسية (نيويورك تايمز)
TT

تقف معالم شبيهة بالآثار الشهيرة في سنغافورة مثل تمثال ميرليون ونافورة الثروة بشكل رائع وجذاب في نقاط المدخل الرئيسي لمدينة مساحتها 5 آلاف فدان داخل مدينة سورابايا. تلتف الطرق حول متنزهات مخططة بشكل جيد على طول جادات مليئة بالأشجار وعبر مناطق سكنية تحمل أسماء مألوفة مثل رافيلز ونيوتون. وتتحرك السيارات بطريقة منتظمة في الشوارع الواسعة والسلسة التي يحميها حراس مستعدون للانقضاض على منتهكي قواعد المرور والأشخاص الذين يلقون الفضلات في الشوارع على حد سواء. وقال جوليوس سوغيارتو (20 عاما) الذي انتقل إلى هنا منذ ثلاث سنوات: «إذا رآك حراس الأمن وأنت ترمي القمامة في الشارع، فسيأمرونك بكل تأكيد أن تلتقطها مرة أخرى». وأضاف «أنا لا ألقي الفضلات في الشارع على الإطلاق». ولا يفعل الكثير من الأشخاص الآخرين ذلك في مدينة سنغافورة سورابايا، وهو اسم تم اختياره ليس فقط كطريقة تسويقية ذكية وناجحة، من شركة التنمية العقارية التي بنت المدينة، ولكن أيضا كرد فعل للمشكلات المتعمقة للتحضر في إندونيسيا، حيث يرسل الاقتصاد المزدهر الآلاف من الوافدين القرويين إلى أماكن مثل سورابايا، ثاني أكبر مدن إندونيسيا، وإلى أماكن حضرية أصغر في شتى أنحاء أرخبيل الجزر الإندونيسية.

ونتيجة للتخطيط المحدود، ترزح المدن الإندونيسية تحت كل أشكال العلل الحضرية مثل الزيادة المفرطة في أعداد السكان والفيضانات وحوادث انقطاع التيار الكهربائي والاختناقات المرورية الملحمية التي تتعاظم بفعل الغياب الفعلي للنقل العام. ويشير الخبراء إلى البنية الأساسية المتصدعة لإندونيسيا، كعائق ضخم يعرقل التنمية الإضافية لدولة حباها الله بموارد طبيعية وتملك رابع أكبر تعداد للسكان في العالم.

وتخسر العاصمة جاكرتا 1.43 مليار دولار سنويا على الأقل بفعل الاختناقات المرورية، حسبما ذكرت دراسة للحكومة الإندونيسية. وتوقع خبراء أن المبيعات المتزايدة للسيارات والدراجات البخارية تخاطر بإحداث اختناق مروري كامل في جاكرتا بحلول عام 2012. كانت إندونيسيا قد شهدت علامة فارقة عام 2008، عندما تباينت زيادة عدد سكان المدن عن سكان المناطق الريفية للمرة الأولى في تاريخ إندونيسيا، حتى في ظل استمرار تدهور جودة الحياة المدنية، حسبما ذكرت جمعية المخططين الإندونيسية. وفي مسح أجري العام الماضي على ألفي شخص في أكبر 12 مدينة في إندونيسيا، توصلت الجمعية إلى أن 46% من الأشخاص الذين شاركوا في المسح لم يكونوا راضين عن جودة الحياة في المدن.

وفي استجابة لهذه التطورات، تنتشر المدن الخاصة التي تحتوي على كافة الخدمات والمرافق الضرورية بداخلها مثل مدينة سيترالاند وسنغافورة سورابايا على أطراف المدن الكبرى في إندونيسيا. ويقول النقاد إن هذه المدن التي تفضلها الطبقة المتنامية من الإندونيسيين المتجولين بشكل متزايد تفاقم من نفس المشكلات التي تدفع الناس إلى هذه المشاريع التنموية في المقام الأول.

وقال بيرنادرس دجونوبوترو، الأمين العام لجمعية التخطيط: «إنها جيدة، بطريقة معينة، في تقديم نمط حياة أكثر تنظيما لسكان الحضر، ولكن ثمة تحديات كبيرة تتعلق بربط هذه المشاريع الكبيرة بمشاريع البنية الأساسية الحضرية الرئيسية». وأوضح أن آلاف الأسر التي تعيش داخل مشاريع التنمية العقارية هذه تفاقم من أزمة المرور في المناطق المحيطة بها وتربك شبكة الكهرباء والصرف الصحي.

لذا، لم يكن من دواعي المفاجأة والدهشة عندما سعت شركة التنمية العقارية الإندونيسية الكبرى (سيبوترا) إلى استلهام ما يمكن أن تفعله إزاء توسيع مدينة سنغافورة سورابايا بقطعة أرض تقع على بعد نحو 15 ميلا إلى الغرب من وسط مدينة سورابايا أن تتحول مدينة سنغافورة سورابايا إلى النقيض من المدن الإندونيسية؛ حيث أصبحت مدينة مقلدة من دولة سنغافورة. وبالنسبة لعدد كبير من الإندونيسيين، تعتبر سنغافورة وجهة شائعة للتسوق والتعليم والرعاية الطبية. وتتباهى مدينة سنغافورة سورابايا، المشهورة ببنيتها الأساسية المتقدمة عالمية الطراز، بكل شيء بداية من مطار عصري وصولا إلى نظام معالجة المياه المتقدم. وهناك نظام تسعير إلكتروني متقدم يتم تجديده بشكل مستمر على الطريق لخفض تدفق السيارات في هذه المدينة. وعادة ما يواجه السائقون في المدن الإندونيسية مصاعب في قيادة سياراتهم على طول الطرق الذي يحتوي على حارتين مروريتين فقط. وفي حين أن تدفقات الصرف الصحي المزمنة التي تحدث داخل جاكرتا تؤخذ في الاعتبار عند النظر إلى رحلات السفر اليومية، شاركت مدينة سنغافورة سورابايا في حملة وطنية للتعبير عن قلقها وانزعاجها عندما تسببت مشكلات الصرف الصحي في حدوث تدفقات للصرف الصحي بضاحيتها التجارية المركزية منذ شهور قليلة. وقال مسؤولون تنفيذيون في شركة «سيبوترا» وهم يتحدثون عن مدينة سنغافورة سورابايا، إنهم سعوا إلى إعادة خلق سنغافورة كبديل للحياة في سورابايا. وفي عام 2003، بدأت شركة «سيبوترا» في تحويل قطعة من الأرض أكبر من حجم 6 متنزهات مركزية إلى نموذج مقلد من سنغافورة، اكتمل الآن بمناطق سكنية وتجارية وجامعة و8 مدارس و7 مصارف ومستشفى ومسجد وكنيسة وملعب للغولف ومتنزه للترفيه.

تلقى نحو 4 آلاف أسرة تعيش في حي سيترالاند، بمدينة سنغافورة سورابايا، وهم نحو نصف إجمالي عدد الأسر المتوقع أن تسكن في المدينة، وعودا بالتمتع ليس فقط بتوفير خدمات البنية الأساسية الجديدة والعملية، ولكن أيضا بالخضوع لعملية إعادة تثقيف وتعليم نوعية أيضا. وقالت براتامي هاريجانتي، مديرة التسويق في شركة «سيبوترا» للتنمية العقارية: «نحن نرغب في تعليم السكان هنا كيفية امتلاك التوجهات السنغافورية». وإلى جانب حظر ومراقبة عملية إلقاء القمامة في الطريق - وهو ليس عملا سهلا في دولة ما زال فتح نافذة السيارة فيها وإلقاء قطعة من النفايات يعد من التصرفات الانعكاسية اللاإرادية - تطلب الشركة من السكان فرز القمامة وتصنيفها إلى مواد قابلة للتدوير. وقالت هاريجانتي: «إذا لم تضع نفاياتك في الوعاء المناسب. لم يتم جمعها». وبينما كانت تدفع عربة تسوق في متجر للتسوق هنا مؤخرا، ذكرت كارول إيزابندي (31 عاما) أنها انتقلت هي وزوجها إلى هنا منذ عامين مع ابنيها بعد أن سئمت من الحياة في سورابايا. وقالت «أردنا فقط أن نعيش في مكان نظيف مثل سنغافورة، وحيث يسير كل شيء بنظام». لكن مسؤولي شركة «سيبوترا» قالوا إن النظام لا يفرض هنا بشكل صارم كما هو الحال في سنغافورة حيث يسمح بمضغ العلكة في مدينة سنغافورة سورابايا.

ويشغل معظم السكان منازل صممتها شركة «سيبوترا» للتنمية العقارية، وفقا للنمط المصقول والحضري الاستوائي المألوف في سنغافورة. ولكن الكثير من الأشخاص الذين اشتروا أراضي فقط بنوا منازل «بنماذج مختلفة»، وهي الممارسة التي قالت عنها هاريجانتي إن شركة التنمية العقارية تحاول منعها في المستقبل. وفي ظل النجاحات المختلطة، فمن خلال جولة بالسيارة هنا يتأكد شيء يدور قدر قليل من الجدل بشأنه هنا؛ وهو أنه حتى في سنغافورة سورابايا، ثمة قيود على مقدار العادات الإندونيسية التي يمكن انتزاعها من الإندونيسيين هنا. وعلى طول الأراضي الممتدة، بنى بعض الملاك نوعا من المنازل العملاقة التي تتجاوز الحد المسموح به للبناء والتي يشيع رؤيتها في الضواحي الثرية بالمدن الإندونيسية.

وأصبح مبنى المنزل المزود ببرج يشبه برج قلعة نورماندي، ذلك المنزل الجديد المصمم على النمط اليوناني الروماني شائعا هذه الأيام بين الإندونيسيين الأثرياء. ونظم مالكه أنطوني حليم، جولة للزوار إلى قبو المنزل، حيث كانت مساكن الخدم مرتبة حول مرآب للسيارات يتسع لعدد 10 سيارات. وفي الأعلى، داخل حجرة المعيشة الرئيسية، أظهر النحت الغائر الموجود في الحجرة زوجين شابين يجلسان باسترخاء مع قيام خادم بصب الماء على اليد اليسرى للرجل الذي كان يرتدي سترة أنيقة. وأظهر النحت وقوف حراس رومانيين يحملون رماحا وسيوفا على أهبة الاستعداد. وقال حليم (45 عاما): «أحب النمط الكلاسيكي، كما تحبه زوجتي أيضا. وسنغافورة الحقيقة، بالطبع، أفضل من هذا المكان، ولكن هذا المكان أفضل كثيرا مقارنة بالعقارات الأخرى في إندونيسيا».

* خدمة «نيويورك تايمز»