«الشرق الأوسط» تزور محافظة الجوف المرعبة في اليمن الحلقة (4): الشيخة سيدة الغانمية: بأي ذنب يذبح الرجال وترمل النساء؟

المرأة في الجوف شيخة ومقاتلة.. وضحية للثأر

الشيخة شعفة ( الشرق الاوسط)
TT

في محافظة كمحافظة الجوف اليمنية تعيش في حالة من الفقر والجهل والتخلف وتنعدم فيها أبسط مقومات الحياة المدنية وحتى الحياة الريفية تعد منقوصة، وتنتشر فيها ظواهر أهونها الثأر القبلي، تعيش المرأة هناك واقعين اثنين أساسيين؛ الأول ممتاز ومتقدم والثاني مؤلم، وهما متناقضان بصورة صارخة.

المشهد الأول أن المرأة في الجوف تحظى بحقوق وامتيازات لا تتوفر لنظيراتها في باقي المحافظات اليمنية، فهي تحظى باحترام الرجل، سواء الأب أو الأخ أو الزوج، هذا عوضا عن أنها تحظى بثقة مطلقة في أخلاقها وسلوكها.

وخلال زيارة «الشرق الأوسط» إلى الجوف، وجدت أن المرأة الجوفية ذات شخصية قوية، دون أن يعني ذلك التسلط، وهنا نساء هن بمثابة شيخات قبليات يمارسن نفس ما يمارسه شيخ القبيلة الذكر بإصدار الأوامر والنواهي والتدخل في المشكلات القبلية واحتوائها وحلها.

وإحدى هؤلاء النسوة، الشيخة شعفة محمد عايض التي زارتها «الشرق الأوسط» حيث تقيم بمدينة اليتمة في مديرية «خب والشعف»، وعلى بعد 25 كيلومترا، فقط، من الحدود اليمنية - السعودية.

وعندما قدمت الشيخة شعفة، وهي بالمناسبة ناشطة سياسية في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم باليمن، كانت تقود سيارتها الـ «هايلوكس - تويوتا» ذات الطراز (الموديل) الحديث، بنفسها، وتقل عددا من أفراد قبيلتها المسلحين وتوصلهم إلى سوق المنطقة، وإلى جوارها، داخل السيارة، سلاحها الآلي (كلاشنيكوف)، وقبل أن تتوقف للحديث معها، علق أحد أبناء المنطقة بالقول إن المواطنين يحترمون الشيخة شعفة، ويسمعون ويطيعون كلامها أكثر من شيخ من الرجال.

لقد بدت هذه السيدة الخمسينية وهي تضع البرقع فوق وجهها وتجلس خلف مقود السيارة، ذات ملامح بدوية قاسية، ورغم أميتها فإن علامات الذكاء كانت بادية من عينيها وتجسدت في حديثها المقتضب لـ«الشرق الأوسط»، بداعي الانشغال بأمور رعيتها، ومثلها مثل الكثير، أو ربما الجميع في الجوف، تنتقد الأوضاع في المحافظة وتلوم الدولة على غيابها وتقصيرها، مع تأكيدها على أنها قيادية في الحزب الحاكم، وتقول الشيخة شعفة إن المرأة في الجوف تعاني كثيرا وتتحمل كثيرا، وإن كثيرا من الأمور الحياتية اليومية تقع على عاتقها، وأشارت إلى أنها، شخصيا، تقوم منذ وفاة زوجها (شيخ المنطقة) بالإشراف على قضايا أبناء القبيلة وحل مشاكلهم، وإن منزلها مفتوح على الدوام لاستقبال من يقصدها لحل مشكلة معينة، ثم اعتذرت عن عدم المواصلة لانشغالها وأدارت محرك سيارتها وانطلقت، بعد أن قامت بالواجب القبلي وهو دعوتنا لنحل ضيوفا عليها قبل أن تعتذر.

وفي الجوف، المرأة «شريك حقيقي للرجل»، كما ذكر ذلك الكثير من المواطنين ورجال القبائل، شريك في زراعة وفلاحة الأرض وإدارة شؤون أي عمل يختص بزوجها، شريك في الحرب والسلم، فالمرأة الجوفية يتم تدريبها، منذ الصغر، على حمل السلاح والرماية والقنص والقتال، ففي هذه المحافظة المترامية الأطراف، لا توجد تجمعات سكنية كبيرة كباقي المحافظات اليمنية، وإنما تجمعات صغيرة ومتناثرة في الوديان والصحاري والواحات، وفي الغالب يقتصر الوجود في تلك التجمعات على أفراد القبيلة فقط، ولذلك يجب عليها أن تكون مدربة للدفاع عن نفسها وأرضها وأطفالها وبيتها ومزرعتها.

وتقتضي العادات القبلية في محافظة الجوف أن تقوم المرأة، في حال غياب الرجال من المنزل، باستقبال الضيوف، وأن تذبح لهم وتقدم لهم الطعام في أي وقت من الأوقات حتى يحضر الذكور. وتقول بشرى قاسم، مديرة إدارة تعليم الفتاة في الجوف، إن قيام المرأة بذلك أمر مستحسن وليس عيبا لأن «رجال الجوف يحترمون كثيرا المرأة ونسبة التقدير التي تحظى بها كبيرة جدا».

وضمن الأمور الجيدة بالنسبة للمرأة في الجوف، تذكر قاسم لـ «الشرق الأوسط»، وجود فتيات جوفيات تخرجن في الجامعات، مثلا هناك 12 خريجة عام 2008 م، ولا تعرف عدد خريجات العام الماضي، إضافة إلى ذلك يقول عبد الفتاح مكي، مسؤول الحزب الاشتراكي اليمني بمدينة الحزم لـ «الشرق الأوسط» إن المرأة في المناطق الشرقية من اليمن، عموما، تحظى بـ «اهتمام كبير وتتميز بحرية اختيار الزوج وما يناسبها من مراسم تتعلق بالزفاف والذهب والملابس وغيرها»، بالإضافة إلى أنها تمتلك «حرية طلب الطلاق وفرضه، إذا كان الزواج غير موفق»، أما في حالة كان الزواج موفقا فإن المرأة «تقوم بواجبها إن كان الزوج موجودا أو غير موجود، سواء شرف الضيافة والتعامل الحسن مع الأهل والجيران».

وفي المشهد الآخر لواقع حال المرأة في محافظة الجوف، أن تعليمها ضعيف وأن خريجة الثانوية ليست مؤهلة للحصول على تلك الشهادة، إضافة إلى أن العادات القبلية تمنعها من ممارسة بعض الوظائف، مثلا أنها تمنع من قبل أهلها، من دخول المجمع الحكومي في عاصمة المحافظة، لأن ذلك «عيب»، كما تقول بشرى قاسم، التي تعتقد أنه لو وجدت مبان مستقلة للوظائف التي يمكن أن تعمل المرأة فيها، لأسهم ذلك في الدفع بالكثير من النساء إلى العمل الحكومي، وتؤكد أن الزواج المبكر يلعب دورا كبيرا في الحد من تعليم المرأة.

وفي مدينة الحزم، عاصمة المحافظة، يلحظ الزائر لأزقتها بين المباني الطينية القديمة، أن المرأة تعاني كثيرا، ففي العاصمة هناك نسوة وفتيات يوردن الماء فوق ظهور الدواب والحمير، لأنه لا توجد مشاريع مياه، ويحطبن ويطبخن بالطرق البدائية، كما هو الحال نفسه في الأرياف.

في الجوف، الثأر أمر طبيعي والقتل يكون أحيانا كمن يشرب كوب ماء، وإن كان الثأر يحصد أرواح الرجال، فإن المرأة الجوفية هي الأكثر تضررا من هذا الظاهرة السيئة والمتفشية في الكثير من المحافظات في اليمن، والجوف بصورة أكثر، ففي هذه المحافظة قصة ثأر يصل عمرها إلى قرابة 40 عاما، بين قبيلتي «همدان» و«الشولان» المتجاورتين في أطراف مدينة الحزم، ومؤخرا قتلن 3 نساء في موجة مواجهات جديدة بين القبيلتين، بالطبع لم يقتلن بصورة مباشرة، ولكن جراء القصف المدفعي المتبادل والذي طال البيوت، مع الإشارة إلى أن العادات القبلية السائدة، هنا، تمنع قتل النساء في الثأر أو حتى أخذ الثأر في وجود النساء.

هناك امرأة - شيخة مشهورة في الجوف، هي سيدة الغانمية، رئيسة فرع اتحاد نساء اليمن، رئيسة القطاع النسائي في حزب المؤتمر الحاكم، هذه المرأة هي الأكثر تضررا من اقتتال «همدان» و«الشولان»، فهي تنتمي للأولى ومتزوجة في الثانية، فكلما اقتتل الجانبان كانت هي الخاسرة، فالقتلى إما من أهلها وإما من أبنائها وأسرة زوجها، وآخر الضحايا ابنها الذي قتل في الثأر ومنزلها الذي جرى تلغيمه وتفجيره، وتقول الغانمية لـ «الشرق الأوسط» إنها ومنذ أشهر لم تخرج من منزلها الآخر إلا بضع مرات، وذلك حزنا على ابنها وإنها لا تستطيع أن ترى الأرض التي كان يسير عليها.

وسيدة الغانمية الشيخة والمرأة القوية تؤكد أنها بذلت العديد من المساعي لوقف هذا الاقتتال الذي قالت أن أكثر من 90 شخصا قتلوا فيه حتى اللحظة، لكن مساعيها فشلت لأن «المشايخ لا يريدون ذلك»، وتتحدث بمرارة: «الرجال يذبحون»، «حمران العيون لا يقبلون الظلم ويموتون قهرا»، وتدعو إلى وقف نزيف الدماء المستمر بين هاتين القبيلتين، وتعتقد أنه لن يكون هناك حل للقضية إن لم يأمر الرئيس علي عبد الله صالح بإيقاف مرتبات المشايخ وإلزامهم بوقف الاقتتال.

وتتهم الدولة بالإهمال في هذا الجانب، لكنها تدافع عنها، في الوقت ذاته، عندما تقول إن الدولة لا تعرف من أين تأتيها المصائب «من القبائل والمشايخ، أم من الحوثيين وغيرهم».

وأكدت الغانمية لـ «الشرق الأوسط» أن المرأة في الجوف ضحية للثأر الذي، ربما، لا تمقت شيئا في الدنيا كما تمقته، وتقول إن منطقة واحدة تسمى «المعيمرة» توجد فيها أكثر من 80 أرملة جراء الثأر بشكل عام، وليس فقط بين «همدان» و«الشولان»، وأن مناطق عديدة بها عشرات الأرامل، ثم تتساءل: «ما هو ذنب النساء؟!»، وتردف: «المرأة هنا مهزومة، زوجها يذبح بأي ذنب؟».

* غدا: من هم «المجاهدون» الذين ينشرون الدين في الجوف؟