إدانة واسعة لنشر «ويكيليكس» تقارير دبلوماسية.. والناتو يصف العمل بـ«غير الشرعي»

بوش يدعو لملاحقة المسؤولين عن تسريب الوثائق وشافيز يطالب كلينتون بالاستقالة

عنوان تسريبات ويكيليكس على أحد شاشات الأخبار في ساحة عامة بنيويورك أمس ( أ.ب)
TT

لا يزال العالم يعاني من الهزات الارتدادية لآثار نشر آلاف الوثائق الدبلوماسية الأميركية السرية، وفي وقت أدانت فيه واشنطن وحلفاؤها في العالم نشر الوثائق، عبرت الدول المناهضة للولايات المتحدة عن ابتهاجها «لفضح أعمال الإدارة الأميركية»، ووصل الأمر بالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إلى دعوة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للاستقالة.

وفي أول تعليق له على الوثائق التي يعود بعضها إلى عهده، دعا الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى «ملاحقة» المسؤولين عن تسريب وثائق موقع «ويكيليكس». وقال بوش إن «عملية التسريب تتسبب بأضرار كثيرة، وينبغي ملاحقة من يقفون وراءها». وأضاف بوش: «أصبت بخيبة أمل حين علمت أن بعض الأشخاص لا يحترمون الاتفاق الذي وقعوه مع الحكومة لعدم كشف بعض الأسرار».

وجاء كلام بوش في إطار حوار مباشر على موقع «فيس بوك» لمناسبة جولة يقوم بها للترويج للكتاب الذي يتضمن مذكراته، مع مؤسس «فيس بوك» مارك زوكربرغ وتيد ايليوت المحامي السابق للبيت الأبيض خلال ولايته الرئاسية. وشدد على أن التسريبات التي تكشف تعليقات أو أحاديث ليست معدة لإعلانها، تقوض الثقة، وهي أمر أساسي ليتمكن القادة العالميون من العمل معا. وقال: «حين (يتم نشر) أحاديث مع قادة أجانب في الصحف، فهذا أمر غير مستحب، بالنسبة إلى فإنني لا أحبذ ذلك».

ووصف حلف شمال الأطلسي نشر الوثائق، بأنه عمل «غير شرعي وغير مسؤول وخطير». وقالت المتحدثة باسم الناتو اوانا لونغسكو، لوكالة الصحافة الفرنسية: «إن سياستنا هي ألا ندلي بأي تعليق بخصوص معلومات سرية، وندين بشدة تسريب وثائق سرية».

ووصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نشر موقع «ويكيليكس» للبرقيات الأميركية بأنها «أقصى درجات عدم المسؤولية». ووفقا لبيانات المتحدث باسم الحكومة فرانسوا باروان فقد عقب ساركوزي على الأمر خلال اجتماع مجلس الوزراء أمس. وكانت وزارة الخارجية الفرنسية قد رفضت أمس أي تعليق على الوثائق وما ورد فيها من وصف للرئيس الفرنسي.

كذلك أعربت السفيرة الأميركية لدى القاهرة مارجريت سكوبي عن أسفها بشأن نشر موقع «ويكيليكس» الإلكتروني الوثائق مؤكدة أن الكشف عن هذه الوثائق «يشكل مخاطر حقيقية لأناس حقيقيين». وقالت سكوبي في بيان صحافي أصدرته السفارة الأميركية أمس، ونشرته وكالة الأنباء الألمانية: «أيا كانت دوافع ويكيليكس لنشر هذه الوثائق، فإن الإفراج عنها يشكل مخاطر حقيقية لأناس حقيقيين. نحن نأسف بشدة للكشف عن المعلومات التي كان يقصد أن تكون سرية. ونحن ندين ذلك». وأوضحت أنه: «من جانبنا، تلتزم حكومة الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن اتصالاتنا الدبلوماسية واتخاذ خطوات للتأكد من حفظها في سرية. نحن نتحرك بقوة للتأكد من عدم تكرار هذا الانتهاك مرة أخرى».

من جهتها، انتقدت سنغافورة نشر الوثائق ووصفت هذه الواقعة بـ«المدمرة». وجاء في بيان لوزارة خارجية سنغافورة: «من المهم حماية سرية المراسلات الدبلوماسية والرسمية». وأضاف البيان: «إن عملية انتقاء الوثائق التي يتم نشرها وخاصة عندما يتم إخراجها من سياقها سوف تؤدى فقط لحالة من الارتباك ولا تقدم صورة كاملة».

وأدان رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي نشر موقع «ويكيليكس» الإلكتروني لوثائق سرية. وقال في تصريحات لإذاعة «دويتشلاند فونك» الألمانية أمس إنه لا يعتقد أن نشر هذه الوثائق يحمل أي فائدة لا سيما أنه يزيد التوترات في منطقة متوترة بشكل عام. ونفى علاوي صحة الوثائق التي نشرت وذكرت أن العراق حث الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية لإيران وقال إن هذا الأمر لم يحدث على الأقل خلال فترة توليه رئاسة الوزراء بين عامي 2004 و2005.

أما الصين، فقد ردت الصين بهدوء على تسريبات موقع «ويكيليكس» لبرقيات دبلوماسية أميركية تلمح إلى أن تأثيرها على كوريا الشمالية يتضاءل أكثر فأكثر بسبب تراجع أهمية هذا البلد الاستراتيجية في نظرها. كما أعربت الصين عن الأمل في ألا يكون لتسريبات «ويكيليكس» وقع على العلاقات الصينية - الأميركية. وقال المتحدث باسم الخارجية هونغ لي تعليقا على هذه المعلومات التي أثارت استياء في واشنطن وعواصم عالمية أخرى: «نأمل في أن تعالج واشنطن هذا الملف بالشكل المناسب».

وفي المقابل، دافع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني عن نفسه في مواجهة البرقيات السرية لوزارة الخارجية الأميركية التي وصفته بأنه «لا حول له ولا قوة» وأشارت إلى أن ولعه «بإقامة الحفلات الجامحة» أثر على قدرته على الحكم. وفي زيارة لطرابلس رفض رئيس الوزراء الإيطالي التعليقات مازحا. وقال للصحافيين في تعليقات بثتها محطة «سكاي تي جي 24» التلفزيونية: «للأسف لم يسبق لي في حياتي أن شاركت في أي حفل جامح. قد تكون مثيرة للاهتمام». وأضاف: «أقيم مرة واحدة في الشهر حفلات عشاء في منزلي لأن هناك الكثير من الأشخاص الذين يريدون مقابلتي. عندما يقول الناس كيف تسمح بدخول الهواتف الجوالة.. أقول إن كل ما يحدث سليم وممتاز جدا لذا يمكن لأي شخص أن يقوم بتصوير أي شيء يحدث في هذه الحفلات».

من جهته، دعا الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز كلينتون إلى الاستقالة، وقال في خطاب بثته محطة التلفزيون «في تي في» إن «الإمبراطورية (الأميركية) تمت تعريتها وعلى كلينتون أن تستقيل». وأضاف: «الاستقالة هي أقل شيء يمكنها أن تفعله وكذلك الأمر بالنسبة للمنحرفين الآخرين في وزارة الخارجية الأميركية». ورأى زعيم اليسار الراديكالي في أميركا اللاتينية أن «أحدا ما يجب إن يدقق في التوازن العقلي لكلينتون»، مشيرا بذلك إلى برقية للدبلوماسية الأميركية متعلقة بالصحة العقلية للرئيسة الأرجنتينية كريستينا كيرشنر. وأضاف شافيز «أعتقد أن أحدا ما يجب أن يستقيل. لا أقول إن هذا الشخص هو الرئيس (باراك) أوباما». وتابع الرئيس الفنزويلي أن «الولايات المتحدة تهاجم الحكومات ولا تحترمها بما في ذلك حكومات حلفائها». وأشاد هوغو شافيز «بشجاعة» موقع «ويكيليكس».

وقالت وزيرة العدل البوليفية نيلدا كوبا إن الوثائق تظهر أن مسؤولين في الوكالة الأميركية لمكافحة المخدرات والوكالة الدولية للتنمية قاموا بأعمال تجسس في بوليفيا. وأضافت: «شارك عناصر الوكالة الأميركية لمكافحة المخدرات والوكالة الدولية للتنمية في عمل إجرامي ونعرف حاليا تفاصيل ما كانوا يقومون به في بوليفيا». ويأتي ذلك وسط خلاف حاد بين واشنطن ولا باز بشأن جهود بوليفيا لمكافحة المخدرات والتي تضمنت طرد السفير الأميركي فيليب غولدبرغ. كما طردت حكومة الرئيس البوليفي إيفو موراليس مسؤولي الوكالة الأميركية لمكافحة المخدرات والوكالة الدولية للتنمية من بلاده في عام 2008 بزعم أنهم يتجسسون ويمولون جماعات معارضة.

وعبرت كينيا عن صدمتها من نشر الوثائق، وقالت الحكومة الكينية إنها تقف «متفاجئة ومصدومة أمام التقارير الإعلامية التي أظهرت مدى قسوة الدبلوماسيين الأميركيين» في الدولة الواقعة شرق أفريقيا على الأحزاب الحاكمة. وذكرت صحيفة «دير شبيغل»، إحدى الصحف العالمية الكبرى التي تلقت من موقع «ويكيليكس» البرقيات المسربة من السفارات الأميركية في أنحاء العالم، أن البرقيات السرية المرسلة من نيروبي أشارت إلى «مستنقع من الفساد الواضح» في أنحاء كينيا، مع التطرق لازدراء الائتلاف الحاكم. وقال المتحدث باسم الحكومة ألفريد موتوا: «لا نعلم تفاصيل البرقيات المسربة، ولكن إذا كانت التقارير صحيحة فإنها (البرقيات) ككل خبيثة وتزيف تماما (حقيقة) بلادنا وقادتنا.. لقد فوجئنا وصدمنا بما نشر».

وذكر موتوا أن المبعوث الأميركي إلى أفريقيا جوني كارسون اتصل برئيس الوزراء رايلا أودينغا أول من أمس ليعتذر له عن المحتويات المتوقع أن تكشف عنها البرقيات المسربة. وقال إن «الحكومة الأميركية أبدت أسفها عن محتويات الوثائق المسربة.. ومع ذلك لم يخبرونا بما في الوثائق وما يعتذرون عنه».