المهاجرون غير الشرعيين مشكلة تؤرق البوسنة

80% منهم من أفغانستان وباكستان والعراق.. وعقبتان تحولان دون تحديد مصيرهم

صورة أرشيفية لضابط يعرض جوازات سفر مزورة كانت قد صادرتها شرطة الحدود في سراييفو، في أغسطس 2001 (أ.ب)
TT

يقبع العشرات وربما المئات من مواطني أفغانستان وباكستان والعراق وغيرهم في مركز الحجز بلوكافيتسا، الواقع في مناطق النفوذ الصربي، بشرق سراييفو. وتتحفظ السلطات الأمنية على العدد الإجمالي لهؤلاء المحتجزين، وسط مواقف متباينة من القضية، بين المسلمين الذين لا يرون أي مشكلة في استقبال هؤلاء المهاجرين، والصرب والكروات الذين يرفضون بقاءهم في البوسنة ويتهمون الكثير منهم بكونهم مشاريع إرهاب ومتورطين في تهريب مخدرات.

وقال مدير شؤون الأجانب بوزارة الداخلية البوسنية، دراغن ميكيتش، (صربي) لـ«الشرق الأوسط»: «80 في المائة من نزلاء مركز احتجاز الأجانب من أفغانستان وباكستان والعراق، وهناك موجة هائلة من المهاجرين عبر اليونان دخلوا بالفعل للدول الغربية». وكشف عن وجود صعوبات في التعامل مع المهاجرين، محددا عقبتين رئيسيتين تحولان دون تحديد مصيرهم، وهما عامل اللغة، حيث لا يجيد الكثير منهم أي لغة أجنبية، وقضية تجردهم من أي أوراق ثبوتية تؤكد هويتهم الحقيقية. ويضيف ميكيتش: «لا توجد لدى المهاجرين أي أوراق ثبوتية، تؤكد هوياتهم، فهم باستمرار يقدمون معلومات خاطئة، حتى لا يمكن إعادتهم إلى بلدانهم، وهذه كبرى المشكلات التي تواجهنا حاليا». وتابع: «من جهة أخرى، فإن بقاء هؤلاء في البوسنة سيكلفنا الكثير من المصاريف والنفقات، ونحتاج لعدة أشهر حتى نتمكن من إعادتهم إلى دولهم».

أما عضو اللجنة الأمنية المشتركة للدفاع والأمن البوسنية ميركو أوكوليتش (كرواتي)، فيتهم هؤلاء المهاجرين بالقدوم للبوسنة من أجل نشر أفكار متشددة. ويقول: «نحن نعتقد أن المهاجرين غير الشرعيين من أراضي أفغانستان وباكستان والعراق لديهم هدف تجنيد إرهابيين جدد والاقتراب من أوروبا».

من جهته، ذكر عضو فريق مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، في جنوب شرقي أوروبا، جواد غالياشيفيتش (شيوعي سابق) أن لجوء المهاجرين غير الشرعيين إلى البوسنة له دوافع اجتماعية، كما لم يستبعد عامل الدين، حيث كان المهاجرون يعتقدون أنهم سيلقون الترحيب في البوسنة لجهلهم بطبيعة الخريطة السياسية والإثنية في البلاد. وإن كان لم يستبعد بحكم الوظيفة «وجود حيثيات إرهابية وتجارة المخدرات وما وصفها بـ(الراديكالية الإسلامية)». كذلك، كشف رئيس مكتب شرطة الحدود البوسنية راديشا سمرجيتش (صربي) أن «هناك 5 آلاف أفغاني في اليونان يرغبون في الذهاب إلى دول أوروبا الغربية».

وجدير بالذكر أن معاملة المهاجرين غير الشرعيين في البوسنة، ونظرا لطبيعة التعدد الديني والإثني تعد الأقسى مقارنة ببقية الدول الأوروبية، بما فيها دول الجوار. لكن قائمة المحتجزين من المهاجرين غير الشرعيين تضم عدة جنسيات أخرى عدا الباكستانية والعراقية والأفغانية. وبين هؤلاء تونسيون وجزائريون ومصريون ومغاربة وصوماليون.

ويعيش هؤلاء العرب في معتقل لوكافيتسا، الذي يقع في الجانب الصربي شرق سراييفو، تحت حراسة مشددة. ولا يسمح للمحتجزين في هذا المعتقل بالخروج منه، كما أنهم مهددون بالبقاء شهورا وربما سنوات قبل أن تتم إعادتهم إلى بلدانهم. وقالت مصادر أمنية بالمعسكر لـ«الشرق الأوسط» إن «السلطات البوسنية تجري تحقيقات مع الموقوفين لتحديد هوياتهم الحقيقية، ولكن بشكل روتيني وبطيء، وهو ما قد يطيل معاناة المعتقلين عدة شهور وربما عدة سنوات». وتابعت: «البوسنة هي الأسوأ في المنطقة بسبب حدة الاصطفاف الطائفي، فالإجراءات التي يتم اتخاذها، سواء القانونية منها أو في المعتقل، تتم تحت تأثير النفوذ الصربي والكرواتي في البوسنة».

وضرب المسؤول الأمني البوسني مثالا على ذلك بكوسوفو، فقال: «في كوسوفو يوجد مركز لإيواء ضحايا الهجرة غير الشرعية، ويسمح فيه للمقيمين بالخروج والدخول كما يشاؤون، بينما في البوسنة لا يسمح لهم بذلك، ويشمل هذا، المقاتلين السابقين في المعتقل كأبو حمزة السوري الذي يقضي عامه الثاني دون السماح له وللمجموعة التي معه بزيارات الأهل في الأعياد، فضلا عن نهاية الأسبوع، وهو حق يتمتع به القتلة وتجار المخدرات». ونقل المسؤول الأمني عن 10 تونسيين معتقلين في معسكر لوكافيتسا قولهم: «تم اعتقالنا في عدة بلدان منها صربيا ومقدونيا ولكنهم لم يضعونا في معسكرات، فقد كان الأمن يسألنا من أين أتينا، وعندما نجيبهم يحملوننا في سياراتهم إلى حدود الدولة التي قدمنا منها ويشيرون إلينا بالعودة إليها، مثل قولهم، هذه حدود مقدونيا فلتتفضلوا. أما في البوسنة فيتم تجريدهم من جميع الوثائق ثم يوضعون في المعتقل إلى أجل غير مسمى».

واستغرب المسؤول الأمني البوسني من «عدم تحرك منظمات حقوق الإنسان، لإيقاف انتهاك حقوق الإنسان في البوسنة، ومنها الحق في حرية التنقل الذي تضمنه مواثيق الأمم المتحدة، ولا سيما الميثاق العالمي لحقوق الإنسان». وكشف المسؤول البوسني عن تهديدات يتعرض لها المعتقلون في معسكر لوكافيتسا، ومنها تقديمهم للمحاكمة بتهمة الاعتداء على موظفين في المركز. وقال: «يشتكي المقيمون بالمعسكر من استفزازات بعض عناصر الأمن في المعتقل، كالتدخين بالقرب منهم، مما يدفعهم لردود فعل تحسب عليهم تحت مجهر كاميرات التصوير». وتابع: «توجد كاميرات تصوير في جميع أنحاء المعتقل، وهذا اعتداء على خصوصية الأفراد يضاف لحرمانهم من الحرية».

وحول تهديدات محاكمتهم، أفاد بأن أحد العرب الموقوفين، تشاجر مع أحد عناصر الأمن في المعتقل، وتعاطف معه رفقائه من الجنسيات العربية الأخرى، فاشتبكوا مع عناصر الأمن في المعسكر، و«لذلك سيحاكمون لهذا السبب مما سيطيل معاناتهم في المعتقل». وأعرب المسؤول البوسني عن تعاطفه مع الموقوفين قائلا: «كان على السلطات أن تعيدهم من حيث أتوا كما فعلت دول أخرى، فالبوسنة ليست أشفيتس (معتقل نازي)، وليست معتقلا دوليا، ولا ذنب لهؤلاء في ما جرى أو يجري في البوسنة من خلافات طائفية بين الصرب والكروات والبوشناق». وحول المقاتلين العرب سابقا الموجودين في المعتقل أفاد بأن «هؤلاء ظروفهم أكثر تعاسة، فليس هناك ضوء في آخر النفق. كم تمنينا لو كانت عملية التشفي، والانتقام، والسادية، بعيدة عن ترابنا، ولكن كما تعلمون لا نستطيع إطلاق سراحهم، أو أن نجعل، لوكافيتسا، كما هو الحال في كوسوفو، حيث التأثير الصربي والكرواتي معدوم».