«قاعدة اليمن» توسع من شبكة مجنديها حول العالم

عملت في خفاء نسبي لسنوات.. وأظهرت قدرة على شن هجمات في جميع أنحاء العالم * سمير خان رئيس تحرير«إنسباير» مجلة «القاعدة»: فخور بأن أكون خائنا لأميركا

TT

في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وقبل بضعة أيام من اعتراض السلطات للقنبلتين اللتين زرعتا على طائرتي شحن كانتا في طريقهما إلى الولايات المتحدة، تلقى مسؤولو الاستخبارات الفرنسية معلومات من نظرائهم السعوديين حول مؤامرة إرهابية جديدة.

وكانت مجموعة تابعة لـ«القاعدة» قد أرسلت خلية تضم مواطنين من شمال أفريقيا الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط بالقارب لتنفيذ هجمة في فرنسا، بحسب مسؤول استخباراتي عربي، اشترط عدم ذكر اسمه، في أحدث حلقات سلسلة الضربات البعيدة التي خططت لها «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، النشطة في اليمن والتي عملت في خفاء نسبي لسنوات والتي أظهرت في الآونة الأخيرة قدرة على شن هجمات في جميع أنحاء العالم.

قام المسؤولون الفرنسيون بإحباط المؤامرة في هدوء ولم يدلوا بأي تفاصيل حول الأهداف المستهدفة أو عدد المشتبه بهم المتورطين في الهجوم. ولم تتركز الأنظار على هذه العملية نتيجة لانشغال المحققين الأميركيين والأوروبيين والسعوديين بمخطط طائرات الشحن في نهاية أكتوبر عندما أخفى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قنبلتين قويتين في حبارتي طباعة.

بيد أن تورط أفراد من شمال أفريقيا في المؤامرة الفرنسية، والذي لم يتحدث عنه أحد سابقا، كان مؤشرا على أول حدث معلن يشترك فيه ذراع «القاعدة» اليمني مع أتباع لـ«القاعدة» في شمال أفريقيا.

ووصف مسؤولو محاربة الإرهاب الحادث بأنه علامة أخرى على أن الذراع اليمني - الذي كان مرتبطا في السابق بشبه الجزيرة العربية فقط - عزز من طموحاته وتقدمه عبر إنشاء شبكة من الأتباع في جميع أنحاء العالم. ويأتي المجندون الجدد من أميركا الشمالية وجنوب أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا، والذين يعرضون مهاراتهم في مناطق حرجة تتنوع بين صنع القنابل إلى التصميمات الدعائية. قبل 18 شهرا، أرسلت المجموعة مبعوثا إلى شمال أفريقيا التقى قادة الجماعة التابعة لـ«القاعدة» هناك والمعروفة باسم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، بحسب رواية اللواء عبد الجابر عزوز، مدير الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المملكة المغربية.

لم ترد سوى معلومات قليلة عن الاجتماع، لكن عزوز قال في مقابلة معه عن «القاعدة» في المغرب: « جاء المبعوث لمحاولة بناء روابط بين الجماعتين. لم يمض الاجتماع بصورة جيدة، ووجدت جثة المبعوث اليمني مقطوعة الرأس في الجزائر. فلم يكونوا يرغبون في أي أحد غير القاعدة في أفغانستان». بيد أن مسؤولي مكافحو الإرهاب الآخرين، يقولون إن الفصيل اليمني واصل محاولاته في بناء الروابط مع جماعات شمال أفريقيا بسبب أتباعه في أوروبا، وهو ما تجلى في المؤامرة بالهجوم في فرنسا في أكتوبر.

وقد أكد وزير الداخلية الفرنسي برايس هورتيفيو، في 17 أكتوبر أن مسؤولي الاستخبارات السعودية أرسلوا تحذيرا عاجلا بأن «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» نشطة بصورة مؤكدة، أو يتوقع أن تكون نشطة في أوروبا «خاصة في فرنسا»، وقال في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي: «كان التهديد حقيقيا».

لم تعرف بعد أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف «القاعدة» في اليمن، لكن مسؤولين قالوا إن أعدادهم تشهد تزايدا.

وقد صرح المسؤولون السعوديون يوم الجمعة الماضي، بأنهم اعتقلوا خلال الأشهر الثمانية الماضية 149 شخصا يعتقد أنهم أعضاء في «القاعدة»، كان من بينهم 25 أجنبيا، من بينهم أفراد من شمال أفريقيا وجنوب آسيا والدول العربية الأخرى، بحسب تصريحات مسؤولين سعوديين.

وقالت السلطات البريطانية إن جماعة القاعدة الموجودة في اليمن استهدفت مؤخرا أهدافا بريطانية، فكشفت تيريزا ماي، وزيرة الداخلية البريطانية في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن قوات الشرطة البريطانية اعتقلت عضوا تابعا لتنظيم القاعدة في اليمن بزعم التخطيط لشن هجمة في بريطانيا. ولم تكشف ماي عن هوية المشتبه به أو توقيت اعتقاله، لكنها قالت إن «الشبكة الموجودة في اليمن برزت بشكل مفاجئ إلى صدارة المجموعات الإرهابية النشطة في بريطانيا وأظهرت قدرة على تشكيل تهديد يتخطى نطاق حدود اليمن».

يأتي العديد من أفراد تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية ممن حاربوا في السابق في العراق وأفغانستان إلى جانب الجهاديين من الدول الأخرى، وتضم قيادة التنظيم العديد من السعوديين والسجناء السابقين في سجن غوانتانامو. وقد استفادت الشبكة أيضا من تدفق المجندين الأجانب الذين سافروا إلى اليمن للدراسة في المدارس الدينية - وكان من بينهم باكستانيون وسودانيون وألمان واسترالي واحد على الأقل، وهو ما يمنح التنظيم تطلعات عالمية، إلى جانب العلاقات خارج المنطقة. وقال مسؤول أميركي بارز، طلب عدم ذكر اسمه لأنه لا يملك تفويضا بالحديث إلى الصحافة: «هناك شعور هنا بأن لديهم فرصة لتوسيع نطاق عملياتهم هنا».

إحدى النتائج الواضحة لهذا التوسع قسم الدعاية باللغة الإنجليزية الجديد الذي أصدرته الجماعة، مؤخرا، والذي أصدر منذ يوليو (تموز) الماضي ثلاث إصدارات لمجلة على الإنترنت تحت عنوان «إنسباير»، ويقول مسؤولو مكافحة الإرهاب إن رئيس تحرير هذه المجلة مواطن أميركي يدعى سمير خان. غادر خان، السعودي المولد، موطنه في تشارلون بولاية نورث كارولينا إلى اليمن في 2009. وقد صدرت الطبعة الثانية من مجلة «إنسباير» الشهر الماضي، وتضمنت مقالة عن خان تحت عنوان: «فخور بأن أكون خائنا لأميركا».

من بين الدعاة المشهورين في صفوف الجماعة المواطن الأميركي، أنور العولقي، رجل الدين المتطرف الذي انتقل من مكان إقامته في نيو مكسيكو إلى اليمن والذي كان على اتصال عبر البريد الإلكتروني مع الميجور نضال حسن، الطبيب النفسي في الجيش الذي يواجه اتهامات بقتل 13 جنديا أميركا في قاعدة فورت هود في تكساس العام الماضي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»