كلينتون تضمد «الجراح» في لقاءات مع قادة دول.. وبرلسكوني يفاتحها بالأمر

أوباما يعين مسؤولا لمنع تسريبات جديدة * بيرنز: الوثائق أضرت بجهودنا الدبلوماسية *«الإنتربول» يصدر مذكرة اعتقال ضد مؤسس «ويكيليكس»

هيلاري كلينتون
TT

استفادت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المنعقدة أمس في كازاخستان للقيام بعملية «تضميد جراح»، من أجل طمأنة القادة الأجانب بعد كشف موقع «ويكيليكس» برقيات دبلوماسية أميركية أساءت إليهم. وفي وقت أكد فيه وكيل وزارة الخارجية ويليام بيرنز أن كشف الوثائق أضر بالجهود الدبلوماسية الأميركية، أصدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) مذكرة اعتقال ضد مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج، لاتهامه بالتورط في قضية تحرش جنسي في السويد.

وحسب مسؤول أميركي كبير، فإن كلينتون طرحت قضية تسريب الوثائق، في كل اللقاءات الثنائية التي عقدتها مع المسؤولين الأوروبيين. وقال المسؤول الذي فضل عدم كشف اسمه لحساسية الموضوع «عندما كان المسؤولون لا يتطرقون إلى المسألة، كانت تفعل ذلك بنفسها». وناقشت كلينتون هذه المسألة خلال اجتماعات مغلقة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونائب رئيس الوزراء البريطاني نيك كليغ، والرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي. وقال دبلوماسي طلب عدم كشف هويته «قالت بوضوح تام إننا نأسف لما حصل». وكررت كلينتون ما قالته لمحاوريها من أن البرقيات المعنية «مصدرها مسؤولون صغار ولا تمثل بالضرورة وجهة نظر الولايات المتحدة».

وتكشف آلاف الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» بعض الصفات غير المستحبة، فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «نزق ومتسلط»، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «يفتقر إلى العمق»، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل «تخاف المجازفة». لكن برلسكوني استأثر بأشد الملاحظات إرباكا. فالبرقيات وصفته بأنه لعوب وضعيف «وغير مسؤول ومعجب بنفسه وغير فاعل كزعيم أوروبي». وقد تكون أكثر الصفات إزعاجا ما ذكره «ويكيليكس» من أن برلسكوني هو «المتحدث في أوروبا» باسم رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين. وذكر المسؤول الأميركي أن برلسكوني هو الذي فاتح هيلاري كلينتون في موضوع «ويكيليكس». وأضاف المصدر «لقد قال (برلسكوني) إن هذا الأمر أثار كثيرا من النقاشات في إيطاليا وتسبب في حصول مشكلة». وقد انزعج خصوصا من كون برقية «كتبها دبلوماسي واحد قبل فترة طويلة» تعكس «وجهة نظر أميركا».

وفي ختام اللقاء، أشادت به وزيرة الخارجية أمام الصحافيين. وقالت «ليس لدينا صديق أفضل» منه. وأضافت «لا يساند أحد السياسات الأميركية مثله بثبات واستمرار». وفي ندوة صحافية عقدتها في وقت لاحق، أعربت كلينتون عن ثقتها في تفهم حلفائها، وبدا أن هؤلاء قرروا تجاوز ما حصل أسوة بالوزيرة الأميركية وبالرئيس باراك أوباما. وأوضح المسؤول الأميركي أن قادة العالم أجمع يعرفون جيدا أن البعثات الدبلوماسية ترسل يوميا عددا لا يحصى من البرقيات، قد يصل إلى «عشرات الآلاف شهريا» على صعيد الولايات المتحدة. وأكد أن حلفاء أميركا يمكنهم أن يعربوا عن أسفهم لكشف أمر هذه البرقيات، لكنهم «يتفهمون، حتى إنهم يتعاطفون» مع واشنطن.

من جهته، قال وكيل وزارة الخارجية الأميركية وليام بيرنز، أمس، إن كشف موقع «ويكيليكس» عن أكثر من 250 ألف برقية لوزارة الخارجية ألحق ضررا كبير بالجهود الدبلوماسية الأميركية. وأضاف أمام لجنة تابعة للكونغرس «الحقيقة هي أن خيانة الثقة التي شهدناها من خلال تسريبات ويكيليكس ألحقت ضررا كبيرا بقدرتنا على القيام بجهودنا الدبلوماسية».

واضطرت الولايات المتحدة إلى مراجعة شبكة الاتصالات بين الوزارات المعتمدة منذ اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على أثر تسريبات ويكيليكس. وقال مسؤول كبير في البنتاغون (وزارة الدفاع) طلب عدم كشف اسمه إن إدارته ستراجع نظام الاتصال وتقاسم المعلومات بين الوزارات، والذي يعتقد أنه سمح لجندي أميركي (برادلي ماننغ المتهم بالتسريبات) بالحصول على هذا الكم الهائل من البرقيات والمذكرات. وقالت وزارة الخارجية من جهتها إنها علقت بشكل مؤقت وصول البنتاغون إلى قسم من مراسلاتها. غير أن وزير الدفاع روبرت غيتس قلل من وطأة هذه التسريبات على السياسة الخارجية الأميركية، وقال «هل الأمر محرج؟ نعم.. هل هو حساس؟ نعم.. لكن التداعيات على السياسة الخارجية محدودة جدا».

إلى ذلك أصدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) مذكرة اعتقال، في قضية «اغتصاب» شابة في السويد، ضد مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج. ويعمم الإنتربول «المذكرات الحمراء» على الدول الـ188 الأعضاء فيه ليطلب توقيف مشبوهين وتسليمهم. وفي الوقت نفسه، قدم أسانج طلبا إلى المحكمة العليا السويدية لنقض مذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن القضاء السويدي في قضية الاغتصاب هذه.

وقال الموقع الإلكتروني لـ«الإنتربول» إنه يجب على من يكون لديه معلومات عن أسانج الأسترالي المولد والبالغ من العمر 39 عاما أن يتصل بالشرطة الوطنية أو المحلية في بلاده. وليس معروفا مكان أسانج حاليا، ويعتقد أنه ينتقل من بلد إلى بلد.

وكانت محكمة سويدية أمرت في 18 من نوفمبر (تشرين الثاني) باعتقال أسانج. وكان مكتب المدعي العام أمر في سبتمبر بالتحقيق في اتهامات موجهة إلى أسانج بالاغتصاب والتحرش الجنسي والإكراه.

من جانبه، كلف الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس، مسؤولا رفيعا في مكافحة الإرهاب، هو راسل ترافرز، بمهمة العمل على منع حصول تسريبات جديدة لوثائق سرية تابعة للإدارة الأميركية، بينما شكل البيت الأبيض لجنة خاصة مضادة لموقع «ويكيليكس» الإلكتروني في أعقاب السيل المثير للحرج من برقيات وزارة الخارجية التي نشرها الموقع.

وتشمل اقتراحات اللجنة تكوين فرق من المفتشين لتطوف على الهيئات الحكومية بحثا عن وسائل لتشديد إجراءات الأمن.

وجاء في مسودة مذكرة من 4 صفحات، أعدها البيت الأبيض، أن معاوني الرئيس أوباما لشؤون الأمن القومي شكلوا لجنة للسياسة الداخلية للهيئات بخصوص «ويكيليكس».

وكلفت اللجنة بتقييم الضرر الذي سببه نشر «ويكيليكس» برقيات وزارة الخارجية وتنسيق تعامل الهيئات المختلفة مع التسريبات واقتراح إجراءات لتحسين إجراءات تأمين الوثائق السرية.

تتضمن المذكرة، التي حصلت «رويترز» على نسخة منها، أن الجهاز التنفيذي لمكافحة التجسس التابع لمكتب مدير المخابرات الوطنية سيضطلع بدور رئيسي في اقتراح إجراءات لمنع تسريب أسرار حكومية مستقبلا على مستوى مماثل لتسريبات «ويكيليكس». وتشمل الإجراءات التي ستنفذها أجهزة المخابرات على المدى القصير تشكيل فرق خاصة من المفتشين برئاسة مسؤولين من المكتب التنفيذي لمكافحة التجسس للبحث عن أي ثغرات تقنية في النظم من شأنها أن تسهل للعاملين سرقة معلومات سرية.

كان برادلي مانينغ، الجندي بالجيش الأميركي الذي عمل محللا لمعلومات المخابرات في العراق، قد اتهمته السلطات العسكرية بتنزيل أكثر من 150 ألف برقية لوزارة الخارجية على الكومبيوتر من دون تصريح، لكن مسؤولين أميركيين امتنعوا عن قول ما إذا كانت البرقيات هي نفسها التي نشرها «ويكيليكس».