برقيات سرية تظهر قلق واشنطن من وصول أسلحة نووية باكستانية لإرهابيين

زرداري أبدى خشيته من أن يقصيه الجيش

آصف علي زرداري
TT

بعد مرور أقل من شهر على محاولة الرئيس الأميركي باراك أوباما طمأنة صحافيين عام 2009 بشأن بقاء المواد النووية لدى باكستان «بعيدة عن يد المسلحين»، أرسلت سفيرته هنا رسالة سرية إلى واشنطن أشارت فيها إلى أنه لا يزال يحدوها شعور بقلق عميق.

وكان مبعث خوف السفيرة هو كمية من اليورانيوم العالي التخصيب تقبع منذ وقت طويل بالقرب من مفاعل أبحاث نووية عتيق داخل باكستان. وكان هناك ما يكفي لتصنيع الكثير من «القنابل القذرة» بأيد ماهرة، وربما ما يكفي من أجل تصنيع قنبلة نووية حقيقية.

وفي الرسالة التي تعود إلى 27 مايو (أيار) 2009، قالت السفيرة الأميركية آن دبليو باترسون إن الحكومة الباكستانية تتلكأ في تطبيق اتفاق تم التوصل إليه قبل عامين يقضي بأن تقوم الولايات المتحدة بإزالة الوقود.

وكتبت السفيرة إلى مسؤولين أميركيين بارزين تنبه إلى أن الحكومة الباكستانية خلصت إلى أن «التغطية الإعلامية المحلية والدولية (المثيرة) التي تتعلق بالأسلحة النووية الباكستانية جعلت من المستحيل بدء العمل في ذلك الوقت». وقالت إن مسؤولا باكستانيا بارزا حذر من أنه حال تسرب كلام عن قيام أميركيين بالمساعدة على إزالة الوقود، فإنه من المؤكد أن الصحافة المحلية «ستظهر الأمر كأن الولايات المتحدة تأخذ الأسلحة النووية الباكستانية». ولا يزال الوقود هناك. وربما يكون هذا الدليل الأكثر إثارة الذي يظهر العلاقة المعقدة - التي تتسم في بعض الأحيان بالتعاون وغالبا ما تشمل مواجهات ودائما ما يشوبها قلق - بين أميركا وباكستان بعد قرابة 10 أعوام على حرب تقودها الولايات المتحدة داخل أفغانستان.

وتوضح المراسلات، التي حصل عليها موقع «ويكيليكس» وأتيحت إلى عدد من المؤسسات الإخبارية، أنه يوجد وراء التطمينات العلنية خلافات كبيرة بشأن أهداف استراتيجية تتعلق بقضايا مثل دعم باكستان لطالبان الأفغانية، والتساهل مع تنظيم القاعدة، وعلاقات واشنطن الأكثر دفئا مع الهند، وهي عدو لدود لباكستان. وتكشف المراسلات التي كتبت من السفارة الأميركية داخل إسلام آباد عن مناورات أميركية، بينما يسعى دبلوماسيون إلى الحصول على دعم من حكومة منتخبة لا تحظى بشعبية، ومتعاطفة بقدر أكبر مع المستهدفات الأميركية بالمقارنة مع السلطة الحقيقية داخل باكستان (الجيش وهيئة الاستخبارات التي تلعب دورا حاسما في الحرب ضد المسلحين). وتظهر المراسلات مدى ضعف الحكومة المدنية: قال الرئيس (الباكستاني) آصف علي زرداري لنائب الرئيس (الأميركي) جوزيف بايدن إنه يخشى أن «يقصيه» الجيش.

ويسيطر شعور بالإحباط بسبب عجز أميركي عن إقناع الجيش الباكستاني وهيئة الاستخبارات بوقف الدعم المقدم لحركة طالبان الأفغانية ومسلحين آخرين في تقارير اجتماعات بين مسؤولين أميركيين وباكستانيين.

وقد استحوذ هذا الشعور بالإحباط على إدارة بوش وأصبح قضية ذات أهمية بالنسبة لإدارة أوباما التالية، بحسب ما تورده الوثائق، خلال رحلة في يناير (كانون الثاني) 2009 قام بها نائب الرئيس الأميركي إلى باكستان قبل 11 يوما من إدلائه اليمين الدستورية. وفي اجتماع مع الجنرال إشفاق برويز كياني، رئيس أركان الجيش الباكستاني، سأل بايدن عدة مرات هل لباكستان والولايات المتحدة «نفس العدو ونحن نتحرك قدما؟».

وقال بايدن وفقا لما ورد في مراسلة تعود إلى 6 فبراير (شباط) 2009: «تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون قادرة على إجراء تقييم موضوعي للجانب الباكستاني من الصفقة». وحاول الجنرال كياني طمأنته قائلا: «لنا نفس طريقة التفكير داخل أفغانستان، ولكن ربما لدينا تكتيكات مختلفة». ورد بايدن على ذلك قائلا إن «النتائج» ستظهر صدق ذلك الزعم. وتكشف المراسلات عن نموذج واحد على الأقل للتعاون المتزايد، الذي كان سريا في السابق، تحت إدارة أوباما. وفي فصل الخريف من العام الماضي، سمح الجيش الباكستاني سرا بتعبئة 12 جنديا أميركيا من العمليات الخاصة في المناطق القبلية العنيفة بالقرب من الحدود الأفغانية. وكان الأميركيون محظورا عليهم إجراء مهمات قتالية. وعلى الرغم من أن عددهم كان صغيرا، فإن وجودهم في مقرات الجيش داخل باجور بجنوب وزيرستان وشمال وزيرستان كان يعد «تغييرا كبيرا في التفكير»، بحسب ما أوردت السفارة. وأضافت السفارة تحذيرها المعتاد: يجب الحفاظ على عمليات التعبئة سرية وإلا فإنه «يحتمل أن يتوقف الجيش الباكستاني عن طلب مثل هذا النوع من المساعدة».

ولكن خلال العام الماضي، بدأت الولايات المتحدة وباكستان تعترف علنا بحذر شديد بدور مستشارين ميدانيين أميركيين، بحسب ما قاله لفتينانت كولونيل مايكل شافرز، وهو متحدث باسم الجيش الأميركي داخل إسلام آباد، في بيان جاء فيه أنه «بناء على طلب الباكستانيين تحركت» فرق صغيرة من قوات العمليات الخاصة «إلى الكثير من المواقع مع نظرائهم من الجيش الباكستاني في مختلف أنحاء باكستان».

وعلاوة على ذلك، فإنه في تقرير إلى الكونغرس الأسبوع الماضي عن العمليات داخل أفغانستان، قال البنتاغون إن الجيش الباكستاني قبل أيضا مستشارين أميركيين ومن قوات التحالف داخل كويتا.

ولم تتناول المراسلات أيضا الزيادة الكبيرة خلال رئاسة أوباما في الهجمات باستخدام طائرات من دون طيار ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان داخل المناطق القبلية بموافقة ضمنية من باكستان.

ومع ذلك فإنه بصورة عامة تظهر المراسلات شكوكا عميقة إزاء استمرار باكستان في التعاون بصورة كاملة في قتال تنظيمات متطرفة. ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن باكستان ترى بعضا من المجموعات المسلحة الأقوى ضمانا لليوم الحتمي الذي سينسحب فيه الجيش الأميركي من أفغانستان، وتريد باكستان أن يكون لها أكبر قدر من النفوذ داخل أفغانستان في مواجهة التدخل الهندي. وفي الواقع فإن القنصل العام داخل بيشاور كتبت عام 2008 أنها تعتقد أن بعض الأفراد في شبكة حقاني – وهي من بين التنظيمات التي ألحقت أكبر الأضرار بين صفوف الجنود الأميركيين والأفغان – تركت شمال وزيرستان من أجل الهرب من الغارات باستخدام طائرات من دون طيار. وكتبت أن بعض أفراد العائلة نزلوا في جنوب بيشاور، وعاش آخرون في روالبندي، حيث يعيش مسؤولون بارزون في الجيش الباكستاني أيضا.

وفي إحدى المراسلات، قالت باترسون، وهي دبلوماسية مخضرمة غادرت إسلام آباد في أكتوبر (تشرين الأول) بعدما شغلت منصب السفيرة هناك لثلاثة أعوام، إن المزيد من المساعدات العسكرية والأموال لن تكون شيئا مقنعا. وأضافت: «لا توجد احتمالية لأن ترى باكستان مستويات المساعدة المعززة داخل أي مجال كتعويض كاف للتخلي عن دعم هذه المجموعات التي تنظر إليها على أنها جزء هام من أجهزة الأمن القومي التابعة لها ضد الهند». وفي نبرة نادرة تظهر خلافا مع واشنطن، قالت إن باكستان سوف يكون لها دور أكبر إذا استمرت أميركا في تعزيز علاقاتها مع الهند، التي قالت باترسون إنها «تعزز الشعور بالخوف لدى المؤسسة الباكستانية وتدفعهم إلى الاقتراب من المجموعات الإرهابية داخل أفغانستان وكشمير».

ومن المؤكد تقريبا أن التنظيمات التي أشارت إليها باترسون هي شبكة حقاني من طالبان الأفغانية وعسكر طيبة، وهي مجموعة حصلت على تمويل من باكستان خلال التسعينات من أجل قتال الهند داخل كشمير ومتهمة بالضلوع في الهجمات الإرهابية داخل مومباي الهندية في عام 2008.

وجاء اليورانيوم العالي التخصيب الذي أرادت باترسون إزالته من المفاعل البحثي داخل باكستان من الولايات المتحدة في منتصف الستينات، ففي هذه الأيام وبموجب برنامج الذرة من أجل السلام، كان ينظر إلى باكستان على أنها أفقر وأجهل من أن تنضم إلى سباق التسلح النووي.

وبحلول مايو 2009، تغير ذلك كله، ومست برقيتها الموجزة إلى وزارتي الخارجية والدفاع، بالإضافة إلى هيئات أخرى، وترا في العلاقة المشحونة: الشكوك المتبادلة وأمن الترسانة النووية العالمية التي تنمو سريعا والوعود التي لم تلب ومخاوف من أن أي حديث عن عرضة باكستان للمخاطر سينهي أي تعاون قائم.

وتحول المفاعل إلى استخدام اليورانيوم المنخفض التخصيب، وهو أقل كثيرا من اللازم من أجل تصنيع قنبلة نووية، عام 1990، بحسب ما أفادت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولكن لم يعد اليورانيوم الصالح للاستخدام في إنتاج قنبلة إلى الولايات المتحدة ولا يزال داخل مستودعات بالجوار. وأشارت برقية باترسون إلى أن باكستان «وافقت مبدئيا على إزالة الوقود عام 2007».

ولكن مرة بعد أخرى تلكأ الباكستانيون، وأوردت السفيرة أن مجموعة تضم هيئات متنوعة داخل الحكومة الباكستانية قررت إلغاء زيارة لخبراء فنيين أميركيين من أجل إخراج الوقود من البلاد. وخلصت إلى أن «من الواضح أن الاهتمام الإعلامي السلبي بدأ يعوق الجهود الأميركية الرامية إلى تعزيز الأمن النووي داخل باكستان وممارسات منع الانتشار النووي». وأشارت إلى أنه «يجب انتظار أي تقدم حتى يظهر مناخ سياسي موات بدرجة أكبر».

ويوم الاثنين أصدرت وزارة الشؤون الخارجية الباكستانية بيانا يؤكد على أن «المقترح الأميركي بنقل الوقود رفض صراحة من جانب باكستان». وقالت إن الولايات المتحدة وفرت الوقود ولكن لم تذكر بموجب بنود عملية النقل أن الولايات المتحدة لديها الحق في استعادة الوقود. وتساعد تعليقات السفيرة على توضيح السبب في أن أوباما ومساعده عبروا عن ثقتهم في الأمن النووي الباكستاني عندما سئلوا على الملأ. ولكن في بداية مراجعة الإدارة لاستراتيجياتها إزاء باكستان وأفغانستان، سلم تقرير استخباراتي على قدر عال من السرية إلى أوباما جاء فيه أنه على الرغم من أن الأسلحة الباكستانية مؤمنة بصورة جيدة، توجد مخاوف عميقة ومستمرة بشأن «قدرة على الوصول من الداخل»، ويعني ذلك عناصر من الجيش أو الخدمات الاستخباراتية. وفي الواقع كتبت باترسون في برقية تعود إلى 4 فبراير 2009 أن «مبعث القلق لدينا لا يتمثل في سرقة مسلح إسلامي سلاحا بالكامل ولكن في احتمالية تهريب شخص ما يعمل في منشآت حكومية باكستانية بصورة تدريجية مادة كافية من أجل تصنيع سلاح في النهاية».

وخلصت مراجعة أوباما إلى أنه توجد مصلحتان أميركيتان «حيويتان» داخل المنطقة. وترتبط إحداهما بهزيمة تنظيم القاعدة. والأخرى، لم ترد من قبل، وهي ضمان أن الإرهابيين لن يتمكنوا يوما من الوصول إلى البرنامج النووي الباكستاني. وكان هذا الهدف سريا، من أجل عدم إثارة غضب إسلام آباد.

وعند السؤال عن حال الوقود في المفاعل البحثي، قال داميان لافيرا، وهو متحدث باسم إدارة الأمن النووي القومي التابعة لوزارة الطاقة إن «الولايات المتحدة أمدت باكستان بالوقود من أجل مفاعل بحثي قبل عقود بهدف إنتاج نظائر طبية والاستفادة في البحث العلمي». وفي اعتراف ضمني بأن المواد لا تزال هناك، قال لافيرا: «الوقود تحت معايير الأمان وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية ولم يكن جزءا من برنامج الأسلحة النووية الباكستانية».

* خدمة «نيويورك تايمز»