غريشن: «أبيي» مفتاح الحل لأزمة السودان.. والاستفتاء حولها صعب في موعده

موفد الرئيس أوباما في حوار صريح مع «الشرق الأوسط»: استراتيجيتنا بعيدة الأمد.. ولن نتخلى عن دارفور

سكوت غريشن (رويترز)
TT

منذ تعيين الرئيس الأميركي باراك أوباما، سكوت غريشن مبعوثا خاصا بالسودان في مارس (آذار) 2009، يقضي الجنرال الأميركي المتقاعد أيامه بين وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض وزيارات إلى السودان، ودول جوارها فاقت 20 زيارة. وتزدحم أجندة أعمال غريشن مع اقتراب موعد الاستفتاء لتحديد مصير جنوب السودان في يناير (كانون الثاني) المقبل، وقد عمل غريشن على ضمان إجراء الاستفتاء في موعده تماشيا مع اتفاق السلام الشامل في السودان، بعد أن كانت هناك مخاوف من تأجيله لأسباب سياسية وتقنية. وينسق غريشن مع فريق من الدبلوماسيين الأميركيين بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والنرويج والمملكة المتحدة لإنجاح عملية الاستفتاء والاستعداد لانفصال جنوب السودان الذي بات شبه مؤكد.

وفي لقاء صحافي نادر، التقت «الشرق الأوسط» بغريشن قبل أن يقوم بزيارته الـ23 إلى السودان منذ توليه منصبه، حيث أكد أن الالتزام الأميركي بالسودان «بعيد الأمد»، وأنه ينصب في إطار الاهتمام الأميركي الأوسع بأفريقيا. وتحدث غريشن من مكتبه في الطابق الخامس بمقر وزارة الخارجية الأميركية عن شعوره القوي بأهمية حماية القارة الأفريقية من نزاعات جديدة تهدد السلم الدولي، موضحا وجهة نظر واشنطن حول السودان.

* إلى أي درجة تشعر بالثقة في أنه من الممكن إجراء الاستفتاء في موعده ومن دون نشوب حالات عنف تهدد شعب السودان والمنطقة؟

- كلنا نأمل أن يجرى الاستفتاء في موعده.. ويتم بطريقة سلمية ويعكس رغبة الشعب وتحترم نتيجته من قبل الجميع داخليا وخارجيا. هذه مسألة صعبة ومن نواحي عدة تعتمد على الأطراف أنفسهم، وكيف يعدون شعبهم وكيف يتوصلون إلى اتفاقات بينهم. ما يقلقنا الآن أنه بينما تسير عملية تسجيل الناخبين بسلاسة ويبدو أنه لا يوجد أمر سيمنع إجراء الاستفتاء في التاسع من يناير (كانون الثاني)، هناك قضايا قد تحدث وتعطل هذه العملية. ولكن ذلك سيحدث فقط إذا أرادت الأطراف المعنية ذلك. بمعنى آخر، إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق على قضية ما ويريدون تعطيل العملية من أجل الحصول على المزيد من النفوذ، بإمكانهم فعل ذلك. إذن، هناك دائما قضايا يمكن أن تثار لتعطيل العملية، ولكن حاليا لا يوجد أي شيء يمكنه أن يفعل ذلك. تم تمديد عملية التسجيل لأسبوع آخر حتى يوم 8 من الشهر الحالي، وهناك جدول زمني جديد يسمح، لفترة زمنية، بتسجيل الشكاوى وفرصة للحكم فيها، حتى من خلال المحاكم وأن تخرج القائمة الأخيرة ليصوت الناس في التاسع من يناير. فالحقيقة أنه من الممكن إجراء الاستفتاء في موعده. وفيما يخص السلام، نأمل أن يفهم الناس أن هذه فرصة مهمة، وأن يقوموا بهذا بطريقة سلمية. ومع ذلك، هناك حالات عنف في الخلفية، قوات حركة العدل والمساواة (المتمردة في دارفور) تتحرك على الحدود، والقوات السودانية تلاحقهم، وقد قصفت مواقع مرات عدة، وتسقط القنابل إما على شمال أو جنوب الحدود، اعتمادا على أين هي هذه الحدود؟ فبعض هذه الحدود لم ترسم بعد، وهذه من القضايا التي يمكن أن تعطل الاستفتاء. كما أن العواطف قوية فيما يخص أبيي، فلم تحل قضية أبيي بعد، وقد فات الأوان لإجراء استفتاء في وقت استفتاء جنوب السودان نفسه، ولذلك نأمل أن تتوصل الأطراف إلى حل من خلال قرار رئاسي، حيث يمكن للرئيس عمر البشير ونائب الرئيس الأول سلفا كير أن يحلا هذه القضية على المستوى الرئاسي. ولكن يبدو أن تحقيق ذلك يزداد صعوبة، فالطرفان عاطفيان ومتطرفان حول هذه القضية. سنرى إلى أي درجة هما مستعدان للتنازل والمرونة وطبيعة الاتفاق الذي يمكن التوصل إليه. ولكن أظن في حال لم يتوصلا إلى اتفاق حول أبيي، فإن ذلك قد يهدد قضايا أخرى. وإذا استطاعا التوصل إلى اتفاق حول أبيي في فترة قريبة قد يحل ذلك كل شيء، وقد يشمل الحدود والمواطنة وبعض قضايا الديون، وبالتأكيد إمكانية إجراء الاستفتاء في موعده وأن يكون سلميا، حيث يتم تحقيق رغبة الشعب.

* إذن تعتبر قضية أبيي مفتاح فك العقدة التي نراها الآن؟

- هي المفتاح الرئيسي، لا أقول إنها حاجز، ولكن لو تم حل قضية أبيي ستزال من الطاولة الكثير من القضايا الأخرى.

* كيف ترى إمكانية التوصل إلى حل حول مستقبل منطقة أبيي، هل سيكون على مستوى الاتحاد الأوروبي أو بتدخلك من خلال المفاوضات؟ وإلى متى يمكن انتظار حل هذه المسألة؟

- بحسب اتفاق السلام الشامل، يجب أن تحل بحلول 9 يناير المقبل.. من خلال الاستفتاء للسماح لأهالي أبيي بأن يختاروا بين أن يكونوا جزءا من الشمال أو الجنوب، إذا اختار الجنوبيون الاستقلال. وإذا تم مد ذلك بعد هذا الموعد، سيكون خرقا لاتفاق السلام الشامل. فلذلك نحن نأمل في التوصل إلى اتفاق قبل موعد 9 يناير لحل هذه القضية، كي لا تكون هناك حاجة لاستفتاء إضافي ولا يخرق المواعيد المحددة في اتفاق السلام. وكان اتفاق السلام الشامل قد حدد أهمية حل هذه القضية 6 أشهر قبل انتهاء الفترة الانتقالية، ونحن نأمل أن يحدث ذلك.

* وكيف يتم التوصل إلى حل؟

- لقد حاولنا من خلال أديس أبابا، ومن خلال المحادثات الثلاثية وغيرها من محاولات، والرئيس ثابو مبيكي ولجنة التطبيق العليا أيضا حاولا جاهدين، والرئاسة التقت مرتين حتى الآن ولم يستطيعوا حلها. المعلومات التي تصلنا تفيد بأن الطرفين متمسكان بموقفيهما. الجنوب يريد أن تكون أبيي جزءا منه وغير مستعدين للتنازل كثيرا، فهم مستعدون للتنازل عن بعض النفط ومستعدون للتنازل عن بعض القضايا مثل رعي الماشية والحصول على المياه، ولكن لا يريدون التنازل عن أي حقوق أو سلطة تترجم إلى تقليص الحكم الكلي لرؤساء القبائل التسعة من قبيلة الدينكا نقوك وسلطتهم الكلية على الأراضي في المنطقة. أما الشمال، فيقولون إن هذا جزء من أراضينا منذ زمن طويل ولدى قبائل المسيرية الشمالية مصالح، ويجب أن يكون لديهم حق تقرير أن تكون أبيي ضمن الشمال أو الجنوب، فقد رعوا ماشيتهم في المنطقة منذ مئات السنوات. ومن المثير أن الطرفين وقعا اتفاقية السلام الشامل، ولكنهما يدفعان القرار إلى العناصر القبلية، فالشمال يقول نحن لا نهتم بما يحدث ما دامت قبائل المسيرية راضية، والجنوب يقول هذا قرار للدينكا نقوك، ولكن لا توجد آلية لتعبيرهم عن رأيهم. كانت هناك آلية يمكنهم التصويت من خلالها، ولكن تم رفع القضية للرئاسة، والآن هناك جهود لدفعها إلى الشعب مجددا ولكن لا توجد آلية لرؤساء القبائل والشعب للتصويت، لأنهم غير قادرين على التوصل إلى حل حول الأهلية (لمن يحق له التصويت). إلا في حال يحددون معايير الأهلية، فالدينكا نقوك يعتبرون أن لهم فقط الحق للتصويت وليس من حق المسيرية، باعتبارهم غير مقيمين دائمين. فالأمر يصبح من هو الذي يحق له التصويت؟ وكم مدة الإقامة التي تحق للشخص أن يصوت في الاستفتاء؟ وهل هي بحسب الفترة التي تقضيها هناك لقضاء مصالحك المرتبطة هناك؟ وهل يجب أن تكون هناك 365 يوما من السنة مثلما يقول الجنوب؟ إنها غالبية الوقت كما يقول الشمال. فهم يختلفون حول المعايير ومن الصعب الآن تحديدها.

* إذن لا ترى صيغة محددة لحل عقدة أبيي؟

- أعتقد أن هناك صيغا عدة، فالجنوب يريدها أن تكون تابعة للجنوب، والشمال يريدها أن تبقى تابعة للشمال، هما النقيضان، ولكن في الوسط هناك جملة من القضايا يمكن أن يتنازلا حولها، منها وضع خاص، حيث تديرها مجموعة دولية مثل الأمم المتحدة أو تديرها إدارة مشتركة من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب لحين إزالة التوتر أو لحين استقرار الأوضاع. ويشكل ذلك مرحلة مؤقتة في حالة خاصة. وهناك مقترح آخر بتقسيم المنطقة بموجب اتفاق السلام الشامل، وجزء يكون للشمال وجزء للجنوب، لأنه في الحقيقة، المسيرية يستخدمون فقط الجزء الشمالي إلى النهر، والجنوبيون موجودون أغلب الأحيان في الجنوب. ولكن الجنوب يرفض ذلك. هناك فرصة مؤقتة أخرى تنص على تقسيم المنطقة لسبع سنوات فقط، لحين تطوير أراضي المسيرية وسيكون ذلك أشبه بعقد إيجار حيث يمكن للمسيرية العمل على الأرض لفترة قصيرة، ولكن بعدها تعود للجنوب. وتماشيا مع ذلك يمكن أن يكون هناك برنامج تنموي قوي جدا في شمال أبيي يفتح الأنهار ويحفر المزيد من الآبار ويقدم الخدمات البيطرية، ويطور البنى التحتية ويجعل رعي الماشية أكثر إنتاجا اقتصاديا، وتطور الخدمات للجزارين ويتم إرسال اللحوم إلى الشرق الأوسط وتطوير صناعات الجلد والزبد والجبن.

* ومن يمول مثل هذا المشروع؟

- يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد في ذلك، هذه أمور يمكن أن تسهم فيها وكالة التنمية الدولية الأميركية و«جي تي زي» (وكالة التنمية الدولية الألمانية) وغيرها من منظمات. وفي حال هناك جهات مهتمة بالماشية، يمكن أن تكون على شكل دين للجزارين، وتنمية وسائل نقل وتطوير الجلود وغيرها من صناعات، لتجعل رعي الماشية أعمالا مربحة جدا. وبالطبع، هذا أمر يتطلب بعض الوقت لتحقيق ذلك، إذ ستكون هناك أراض جاهزة تتطلب الزرع. كما أن هناك حاجة لبناء المدارس، إذ تم هجر هذه المنطقة كليا، لذا يجب أن يكون هناك برنامج تنموي قوي. ومن أجل إنجاحه كي لا يحتاج المسيرية النزول إلى الجنوب، سنحتاج فترة من الزمن، لذا الفكرة هي تطبيق برنامج تنموي قوي كي لا يحتاجوا النزول إلى الجنوب من أجل المياه، وأن يبقوا في أراضي المسيرية. وهذه هي الفكرة وراء إمكانية تأجير أو منح الأراضي بشكل مؤقت للمسيرية. ولكن حتى الآن يرفض الجنوب أي مقترح، ما عدا الحصول على الأراضي بموجب قرار محكمة الاستئناف. ولكن قد يوافقوا على فرض تشريعات حول استخدام الأراضي والمياه، وهذا أمر قد وافق عليه نائب الرئيس سلفا كير. وهناك حديث أيضا عن إمكانية منح الجنسية المزدوجة للمسيرية الذين يتجولون في أبيي، وذلك سيضمن حقوقهم. وهذه كلها خيارات.

* هل لدى الولايات المتحدة خيار مفضل؟

- لا، نحن لا ندعم أي خيار معين، نحن نفضل حماية العملية. مثل عملية الدستور، نحن لا يهمنا إذا اختاروا البقاء موحدين أو يختار (الجنوب) الاستقلال، ما يهمنا إجراء العملية بطريقة تسمح للناس بالتصويت من دون تخويف، وبناء على التوعية وضمان الفرصة للجميع في التصويت. وإذا اختاروا خيار الوحدة سنجعله أنجح ما يمكن، وإذا اختاروا الاستقلال سنساعدهم على جعله سلميا وناجحا. فبالنسبة لنا الأمر يعتمد على تحديد مصير الشعب، ونأمل أن تكون العملية جيدة إلى درجة لا تدعو إلى التساؤل، والناس يقبلونها ويجعلونها ناجحة.

* الكثيرون يتساءلون حول اهتمام الولايات المتحدة بهذه العملية، وما إذا كانت الولايات المتحدة هي التي تدفع إلى استقلال جنوب السودان. فلماذا هذا الاهتمام الأميركي بهذا الاستفتاء، وما أهميته للمصالح الأميركية؟

- إنه مهم لكل المجتمع الدولي، فعندما بدأت العملية في التوصل إلى اتفاق سلام شامل عام 2005، كانت هناك دول عدة وقعت عليه. ونعم النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أكثر انشغالا بالعملية، ولكن مع ذلك فإن دولا أخرى مثل إيطاليا وقعت كشهود. كان هذا أمرا بتكليف دولي سمح لهذا الطريق الذي سمح بست سنوات، لجعل الوحدة أمرا جاذبا، وبعدها يتم الاستفتاء. مع الأسف خلال الفترة المؤقتة، انشغلنا بدارفور وفقدنا متابعة بعض الأمور والحقيقة هي أن جهود التنمية لم تكن كافية، ولم تكن هناك حوافز كافية لجعل الوحدة جذابة. والآن من المرجح أن يختار الجنوب الاستقلال، وهذا ليس لأننا اخترنا ذلك أو خططنا له أو حتى أردناه ولكن هذا هو المرجح، ولذلك يجب التخطيط لهذا الاحتمال. سيكون من السهل نسبيا لو اختاروا الوحدة وسنواصل جهود التنمية، ولكن إذا اختاروا الاستقلال، فعلى المجتمع الدولي الاستعداد لذلك لأنه ستكون لدينا دولة إضافية في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والاستقرار الإقليمي يعتمد على جعل هذا الانتقال سلسا إلى أقصى درجة ممكنة. الولايات المتحدة قلقة لأننا فقدنا مليوني شخص خلال 40 عاما من النزاع بين الشمال والجنوب، وهناك ما بين 175 و300 ألف ضحية في دارفور، ولا نريد رؤية وضع يزداد فيه اللاجئون والقتل، والمزيد من عدم الاستقرار. لقد عانى الناس كثيرا حتى الآن، وكلما كانت هناك زعزعة للاستقرار تتراجع التنمية، والآن لدينا نسبة بين 12 و17 في المائة فقط قادرون على القراءة، والبقية يعانون من الأمية. وفيما يخص الزراعة، الحالة الآن فقط للعيش، لم تطور الأسواق أو البنى التحتية بسبب القتال. لقد فاتتهم فرص كبيرة، ولذلك الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يريدون رؤية هذه الدولة في السلام. لأنه في حال لم تستقر وبدأ النزاع مجددا، ستكون هناك تداعيات من القاهرة إلى كيب تاون ومن جيبوتي إلى دكار. نريد أن نعمل من أجل إنقاذ الأرواح وإعطاء الأطفال فرصة لمستقبل أفضل من تلك التي كانت لدى أهاليهم، ومنذ عام 1956 والسودان في حال نزاع.

* هناك مخاوف في السودان، وأيضا المنطقة الأوسع من احتمال تفكك السودان إذا استقل الجنوب، هل لديكم مخاوف مماثلة؟

- أكره أن نرى المزيد من التفكيك، ولهذا نعمل مع الشمال من أجل جعل الوحدة أكثر جاذبية في الشمال للبجا والشعب في الشرق. وهناك مؤتمر في الكويت حاليا لجلب المزيد من التنمية إلى شرق السودان، حيث يوجد اتفاق سلام هش، ونحن نحاول جاهدين في العمل مع حكومة السودان وبعثة الأمم المتحدة في السودان ومنظمات المجتمع المدني الدولية لجلب السلام والاستقرار إلى دارفور. على مدار 7 أعوام بقينا في حالة طوارئ، حيث أصبح غير الطبيعي هو الطبيعي، وعلينا أن نعكس ذلك، وأن نرى الاستقرار، وأن نضع البنى التحتية مثل المدارس وبرامج التغذية كي تكون للناس فرصة العودة طوعيا ومع حماية حقوقهم ويمكنهم العيش وإنجاح موسم الزراعة. علينا البدء بالتفكير كيف ننتقل من حالة الطوارئ إلى عمليات استقرار واستدامة وبعدها إلى التنمية وتنمية الفرص لتصبح ماشيتهم مصدر ازدهار ويمكنهم النمو وكي نتمكن من عكس الضرر الآيكولوجي الذي حدث مع قطع الأشجار. وعلينا زراعة الأشجار وبناء السدود. هناك أمل ومسار لسلام واستقرار دارفور لأن التقارب بين التشاد والسودان قد ساعد كثيرا. إذا يمكننا التغلب على المرحلة المقبلة، وهي التوصل إلى وقف إطلاق نار والتوصل إلى حل بين قوات حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان ليعودا إلى حركات سياسية بدلا من جيوش ليمثلا شعوبهما بطريقة سياسية، في ذلك الحين توجد لدينا فرصة. ولذلك تقاسم السلطة والآبار وإصلاح قوانين ملكية الأراضي والمحاسبة والعدالة والتعويضات كلها قضايا مهمة. ونحن نأتي لنهاية مرحلة في الدوحة، والآن علينا عدم السماح بفجوة وألا ننشغل عن هذه القضية، وأن نأخذ ما تم تحقيقه في الدوحة وتطبيقه بطريقة منطقية. وفي رأيي هذا يعني جعل المجتمع المدني جزءا من الحل وليس فقط المتمردون. وأن يكون للمرأة دور قيادي، لأنه عندما أتحدث مع مجموعات نسوية هن اللواتي يفهمن المستقبل ويطلبن المساعدة في أجهزة الكومبيوتر وحياة أفضل لأطفالهن والعودة لزراعة الأراضي. أكره القول عن الرجال (ضاحكا) إلا أنهم مهتمون أكثر بأخذ أمر ما، إلا أن النساء يقلن أعطينا الآليات لتغيير الوضع. فتمكين المرأة أمر مهم جدا، فستكون المرأة جوهرية في إخراج دارفور من الوضع الذي هي عليه الآن، ولكن بالطبع علينا العمل مع الرجال أيضا.

* وهل يعني ذلك أنك ترفض التقارير الواردة بأن إدارة أوباما تخلت عن دارفور مقابل التركيز على استقلال الجنوب؟ فهناك أوساط تقول إن واشنطن تغض النظر عما يحدث في دارفور من أجل التوصل إلى حل مع الرئيس البشير حول الجنوب..

- لا يوجد أمر أبعد عن الحقيقة. إذن تنظرين إلى جدول أعمالي، سأكون في دارفور لثلاثة أيام خلال زيارتي المقبلة، لقد ركزت على دارفور، عدد الاجتماعات والرسائل الإلكترونية التي أكتبها حول دارفور والجنوب متساوية، هناك أوقات نركز فيها أكثر على دارفور. وهناك قضايا نعمل عليها فيما يخص دارفور، وبالطبع نحن مهتمون برؤية تطبيق حكومة السودان استراتيجيتها الجديدة حول دارفور، ونحن نعمل مع المجموعات الإنسانية كي تصل إلى المناطق هناك ونعمل مع قوات الأمن والأمم المتحدة لضمان المزيد من الأمن والاستقرار. ونشهد نقطة تحول ويمكن أن تعود دارفور إلى وضع أسوأ، وهي في وضع سيئ الآن. أشعر بحزن لأننا لم نستطع أن نغير حياة الناس في مخيمات النازحين، وخلال الأشهر الـ18 لم تتحسن حياتهم، وهناك بعض المناطق تحسنت، ولكن الواقع أنهم ما زالوا يعيشون على المعونات وفي ظروف مهينة ووخيمة. ونحن نعمل جاهدين على حل الوضع الأمني، ولكن علينا أن نتجه ونفرض الحكومة والأمم المتحدة لحل الوضع، كي لا يتعرض الناس للهجمات من المتمردين والأكثر من ذلك السرقات والجرائم. هناك الكثير من سرقات السيارات وسرقة الممتلكات والعنف ضد النساء وحالات الخطف والكثير من الخوف. علينا تغيير هذا السيناريو، بالإضافة إلى ما نقوم به لمواجهة المتمردين، هناك الحاجة للأمن الشخصي والمحاسبة. وفي حال يتعرض أحد للاغتصاب، يجب أن يلقى القبض على المسؤول وتقديمه للعدالة، لا يمكن أن تتواصل الجرائم من دون محاسبة، يجب أن يتغير ذلك وأن تكون هناك عملية عدالة واحترام للقانون. يجب أن يكون هناك أناس مستعدون للوقوف ورفض الإفلات من العقوبات، وذلك يعني تغييرات داخلية مهمة ووضع آلية أمن تحمي الناس.

وأظن أننا لم نفعل مع يكفي بعد لأسباب عدة، ولكن على المجتمع الدولي أن يفعل المزيد. وحقيقة أن عبد الواحد (محمد نور، رئيس حركة تحرير السودان) يعيش في باريس وخليل إبراهيم (زعيم حركة العدالة والمساواة) مقيم في فندق خمس نجوم في طرابلس وغيرهما من متمردي الفنادق يتمتعون بوقتهم في الدوحة، بينما الناس في دارفور يعانون. لا أظن أن المجتمع الدولي يستطيع تحمل ذلك بعد الآن. المتمردون يقاتلون للوصول إلى طاولة المفاوضات ولقد أبقينا مكانا على طاولة التفاوض لعامين في الدوحة، والآن على المجتمع الدولي أن يفرض على هؤلاء للجلوس على تلك الطاولة والتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب ويفرض وقف إطلاق نار ويتوصل إلى وقف القتال كي يعود النازحون وتكون لديهم حياة أفضل. لا يمكننا تحمل ذلك بعد الآن، وحقيقة أننا نتحمل ذلك عديم الضمير وأنا ألوم نفسي.

* وفيما يخص المحاسبة، هل في رأيك يجب العمل على المذكرة الدولية بحق الرئيس عمر البشير ومثوله أمام المحكمة الدولية؟ أيضا يبدو من حديثك أن الولايات المتحدة مهتمة بالسودان على المدى البعيد، أم سيتراجع ذلك بعد استفتاء 9 يناير؟

- نحن في السودان على المدى البعيد، مثلما نهتم بأفريقيا على المدى البعيد. نحن نفهم أن أفريقيا قارة مهمة جدا، وعندما ترى قضايا أفريقيا، السودان فقط البداية إذا لم نتخذ نحن والمجتمع الدولي نظرة أخرى. هناك 900 مليون شخص، 450 مليونا منهم دون الـ18 عاما، وهؤلاء سيبحثون عن فرص عمل وعلينا أن نستبق الأحداث بطريقة فعالة، ففي السودان نحن نرد على الأحداث بعد وقوعها في نواح كثيرة، يمكننا التعلم منذ ذلك ولا يمكننا أن ننسى وقف أحداث أخرى قبل أن تصبح أزمات. إنني قلق من دلتا النيجر وغيرها من مناطق، حيث توجد مشكلات متنامية وحركات تمرد في مهدها لا نقلق منها حتى فوات الأوان. كلنا نعلم أن العدالة والمحاسبة ضرورية من أجل السلام وبالطبع نحن نبحث عن طرق لجعل العدالة والمحاسبة في مقدمة الأمور، ولكننا أيضا نفهم أنه من أجل حماية الأرواح نحن في حاجة إلى حكومة في الخرطوم يمكننا التفاوض معها ويمكنها تطبيق اتفاق السلام الشامل ويمكن أن تطبق ما تعهدت به في دارفور، ولذا نحن نحاسب الحكومة على التصرفات التي تعهدت بها ووقعت عليها في اتفاق السلام الشامل واستراتيجية دارفور. حاليا تركيزنا على إنقاذ الأرواح وتخطي هذه المرحلة الصعبة جدا.