الفساد والتسيب على المعابر الحدودية العراقية مع إيران يؤرقان الأميركيين

عبور الأسلحة ورجال الميليشيات إلى العراق يتواصل.. وحرس الحدود يشكون ضعف الإمكانات

جنود أميركيون يراقبون - عبر سياج - الوضع على الجانب الإيراني من الحدود مع العراق (أ.ف.ب)
TT

على طول هذا المعبر الحدودي المترب الذي يربط العراق بعدوتها السابقة إيران، ثمة أدلة متزايدة على أن إيران أصبحت تمتلك اليد العليا مع انحسار الوجود العسكري الأميركي هنا. ويستمر عبور الأسلحة ورجال الميليشيات إلى العراق على طول الحدود غير المحكمة، وهو جزء مما يصفه مسؤولون عسكريون أميركيون بالجهد الإيراني لإبقاء قوات تحارب بالوكالة في العراق.

ويواجه هذا التدفق بقدر محدود من المقاومة من قبل قوة حرس الحدود العراقية التي تفتقر إلى التدريب اللازم والتجهيزات الضرورية، التي قد تكون أضعف حلقة في جهاز الأمن الذي يعتزم الجيش الأميركي تركه مع استعداده لمغادرة العراق. ويمثل نقص الإمدادات عائقا لقوة حرس الحدود العراقية، التي يتعين عليها غالبا تصريف شؤونها بقدر محدود من الوقود الذي لا يكفي الشاحنات والمولدات. وقد يستغرق الأمر عدة أسابيع أو أشهر قبل أن تصل قطع الغيار للشاحنات المتعطلة إلى القواعد الحدودية. وتبدو بعض أزياء الحراس غير المتوافقة مع بعضها قديمة جدا لدرجة أنها لا تزال تحمل علم النظام العراقي السابق.

وقد ارتفعت الصادرات الإيرانية إلى العراق خلال السنوات الأخيرة، وهو ما جعل العراق يعتمد على كل شيء بداية من المحاصيل الإيرانية، وصولا إلى إمدادات مواد البناء. وقد عطل تدفق تيار السلع الإيرانية المدعمة العراق عن تأهيل قطاعه الزراعي، الذي تعرض للشلل بفعل الحرب والجفاف. وتتدفق حشود من الإيرانيين، معظمهم من زوار العتبات الشيعية المقدسة، إلى محافظة البصرة كل يوم.

ولكن من بين قوافل شاحنات البضائع الإيرانية التي تدخل العراق يوميا من النقاط الحدودية مثل هذه النقطة، يتم فحص عدد قليل جدا منها فقط بواسطة قوات حرس الحدود العراقية، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون وعراقيون؛ لأن الأجهزة العراقية لفحص البضائع معطلة. وقال اللفتنانت كولونيل ديل شيرار، أحد المدربين الأميركيين في معبر الشلامجة الحدودي، الذي يقع على بعد 25 ميلا فقط إلى الشرق من ميناء مدينة البصرة، مؤخرا، وهو يقف على بعد أقدام قليلة من الحدود الإيرانية أثناء مرور شاحنة محملة بالخيار بجوار جهاز متعطل لفحص البضائع: «أخبرني ما الشيء الذي يوجد تحت هذه الحمولة. وهذه الأجهزة لا تعمل بالفعل في شتى المعابر العراقية. هذه مشكلة كبيرة من الناحية الأمنية. وليست هناك أي طريقة أخرى لفحص الحمولات الواردة».

وقال قادة أميركيون: إن معدات الفحص الإلكترونية قد سقطت ضحية لزيادة الطلب على الطاقة من الإمدادات التي تتحكم فيها إيران. وقال الجنرال ريكي غيبس، أحد كبار القادة الأميركيين في جنوب العراق: «يمكن أن توقف تشغيل الطاقة عندما تريد، إذا أردت أن تمرر شيئا خلسة على طول الحدود». وقال كاظم خلف، ضابط شرطة عراقي يعمل على الحدود، في صباح يوم جديد عندما ارتفعت الشمس فوق واحدة من مئات القلاع الحدودية المتناثرة التي تنتشر على هذه الجبهة: «في الوقت الحالي، لا توجد مشكلات. ولكن عندما يرحل الأميركيون، سوف يصبح الأمر مأساويا للعراق بأكمله، وليس فقط الحدود العراقية. والعراق يشبه كعكة كبيرة يرغب كل فرد في تناولها، والجيش العراقي ليس قويا بشكل كاف».

كان المسؤولون الأميركيون يشعرون بالقلق منذ فترة طويلة من أن إيران تشارك هذا الرأي. وكتبت دبلوماسية أميركية بارزة في برقية صدرت خلال شهر أبريل (نيسان) عام 2009 وكانت ضمن البرقيات التي كشف عنها مؤخرا موقع «ويكيليكس» الإلكتروني: «الحكومة الإيرانية قد تشعر بأن انسحاب القوات الأميركية من العراق يمثل فرصة لتوسيع أنشطة قوة النخبة شبه النظامية لهذه الدولة، التي تعرف باسم قوة القدس، في العراق». ودقت المسؤولة الدبلوماسية، وتدعى باتريسيا بوتينيس، جرس الإنذار بشأن «الفساد في مواني الدخول، وعدم استعداد المفتشين لأداء أعمالهم والقيادة السيئة في قوة حرس الحدود». ويقول قادة أميركيون: إن القوة قد تحسنت خلال السنوات الأخيرة، ولكنهم يعترفون بأن هذه المخاوف لا تزال مستمرة.

وقد وسع مسؤولون عسكريون أميركيون دائرة جهودهم على طول الحدود الإيرانية منذ عام 2007، عندما اكتشفوا دخول مجموعة كبيرة من الذخائر القوية ورجال الميليشيات الشيعية للعراق، أحيانا تحت رعاية «فيلق القدس» الإيراني. وشملت الذخيرة التي تم تهريبها على طول الحدود صواريخ طويلة المدى استخدمت ضد السفارة الأميركية في بغداد وأجزاء من العبوات الناسفة القادرة على اختراق المدرعات والتي أصبحت القاتل الأبرز للقوات الأميركية في العراق، حسبما ذكر الجيش الأميركي.

من جانبها، نفت طهران مساعدتها لأعضاء ميليشيات شيعية. يُذكر أن الميليشيات الشيعية لم تعد تسيطر على قطاعات واسعة من العراق، مثلما كانت تفعل خلال ذروة الاقتتال الطائفي عام 2007. إلا أن 3 مجموعات من الميليشيات التي يحظى أفرادها بتدريب رفيع المستوى شنت هجمات ضد قوات أميركية. ويتولى عراقيون تلقوا تدريبا وتمويلا وتوجيها من طهران قيادة اثنتين من هذه المجموعات: «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق»، طبقا لما ذكره مسؤولون عسكريون أميركيون.

ويعتبر «لواء اليوم الموعود» الجناح المسلح الباقي للحركة التابعة لرجل الدين المعادي لأميركا، مقتدى الصدر. كان الصدر قد أمر بتفكيك الميليشيا الرئيسية التابعة له «جيش المهدي»، عام 2008. وقال غيبس: إن هذه الجماعات تعمد إلى الابتعاد عن الأضواء في الوقت الراهن. وأضاف: «ربما يشكل لفظ (ساكن) تقديرا منصفا. لا نزال نشهد ارتكاب هذه الجماعات أعمال عنف، ولا يزالون يثيرون قلقنا».

وتتمثل قوة الأمن الرئيسية على امتداد الحدود العراقية في «إدارة فرض القانون على الحدود»، وهي وكالة شرطية يبلغ عدد العاملين بها نحو 40 ألف موظف يخضعون لإشراف وزارة الداخلية. وتعمل القوة انطلاقا من قرابة 660 حصنا، يوجد بالكثير منها ضابط شرطة واحد. وتنوي الحكومة العراقية بناء المزيد خلال العامين المقبلين بحيث تتوافر نقطة شرطية عند كل 3.1 ميل.

وأشارت قيادات عراقية رفيعة إلى أن افتقاد البلاد قوة جوية قادرة على المنافسة، ونظرا لقوة حرس الحدود الناشئة لديها، فإن العراق يبقى معرضا بدرجة كبيرة لتهديدات خارجية بعد الانسحاب الأميركي الكامل بنهاية عام 2011. وقال غيبس: «إن لديهم ما يكفي للاضطلاع بالمهمة، بالكاد».

وذكر الكابتن ويليام روسو، الذي يتولى إدارة قاعدة أميركية صغيرة بالقرب من الشلامجة، أن منحنى التعلم العراقي شديد الانحدار. وأضاف: «إنهم تقريبا لا يزالون بالنقطة التي كان عندها الجيش العراقي منذ عامين».

كانت النزاعات الحدودية بين العراق وإيران قد أسفرت عن اندلاع حرب بين عامي 1980 و1988 بعد غزو قوات صدام حسين إيران جوا وبرا. ولا تزال بقايا هذه الحرب ظاهرة على طول الحدود. وقد بنت إيران متحفا ومسجدا على الجانب الخاص بها من الشلامجة، تخليدا لذكرى الجنود الإيرانيين الذين قتلوا في الحرب.

أما الجانب العراقي فيعج بدبابات مدمرة وصواريخ وذخائر أخرى. ومرة كل أسبوع، يقوم الإيرانيون بتفجير ذخائر قديمة من تلك الحقبة في إطار تفجيرات محدودة تترك صدى أشبه بالرعد على جانبي الحدود.

وقد أقدم الإيرانيون على بعض الخطوات الاستفزازية، مثل السيطرة المسلحة على حقل نفط عراقي العام الماضي، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية استمرت شهورا. لكن بصورة عامة، لا يوجد سوى القليل من أعمال العداء المعلنة على جانبي الحدود في الوقت الحاضر.

ويتبادل الأميركيون والعراقيون المتمركزون على طول الحدود نظرات باردة مع نظرائهم الإيرانيين، الذين لا يبعدون في بعض الأحيان أكثر من بضعة أقدام. ومع ذلك، يكادون لا يتبادلون الحديث قط. وقال شيرار: «في بعض الأحيان ألوح بيدي، وقليل منهم للغاية يلوح لي بالرد. نحن نتجاهلهم، وهم يتجاهلوننا».

من جهته، اعترف المقدم معد حميد المواح، مدير الأمن بميناء الدخول، بأنه يخشى اليوم الذي سيحزم الأميركيون أمتعتهم ويرحلون. وقال بينما كان يقف بجانب مكتب جوازات يعج بالإيرانيين: «ستحدث فجوة كبيرة، وستترك تأثيرا واضحا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»