مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة كردستان: علاقاتنا تستند إلى السياسة الخارجية للعراق

مصطفى لـ «الشرق الأوسط»: لدينا 18 قنصلية ومكتب تمثيل.. والكرد بحاجة لمخاطبة النخبة العربية

فلاح مصطفى («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد العلاقات الخارجية لحكومة إقليم كردستان تطورا لافتا في السنوات الخمس الأخيرة مع استتباب الوضع السياسي والأمني في كردستان، وتركيز حكومة الإقليم منذ تشكيلتها الخامسة برئاسة نيجيرفان بارزاني وامتدادا إلى التشكيلة الحالية برئاسة برهم صالح في سلم أولوياتها على قضية بناء علاقات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية مع دول العالم، لذا بدا رئيس دائرة العلاقات الخارجية فخورا بإنجازات دائرته وهو يعدد 18 قنصلية ومكتب تمثيل دبلوماسي معتمدة في كردستان، مؤكدا أن «العدد سيزداد في السنة المقبلة بعد تلقي الدائرة إشعارات من ثلاث دول عربية أخرى بفتح ممثلياتها في الإقليم».

وعلى الرغم مما تثيره نشاطات هذه الدائرة التي يرأسها الوزير فلاح مصطفى من قلق ومخاوف أوساط عربية عراقية باعتبارها تدشن لمرحلة بناء أسس علاقات دبلوماسية وسياسية مع دول العالم تمهيدا لفصل كردستان عن العراق، وهذه المخاوف لم يخفها المسؤول الكردي، وهو يتحدث إلى «الشرق الأوسط» في حوار صريح.. على الرغم من ذلك، فإنه أكد بحزم أن «هذه الاتهامات بدت كاسطوانة مشروخة نسمعها دائما وأبدا، ولكن في الواقع من ينظر إلى المواقف السياسية الكردستانية، وإلى دور وجهود قيادة ومؤسسات الإقليم وحرصهما على حماية وحدة العراق، يجب أن يعترف بأن الكرد كانوا دوما عامل وحدة للعراق وليس عاملا لتمزيقه أو تقسيمه».

وللتدليل على هذا الدور يشير مصطفى إلى واقعتين قائلا: «في عام 1992 عندما أجرينا أول انتخابات برلمانية حرة في كردستان بعد الانتفاضة عندما كان نظام صدام حسين القمعي الذي سلخ كردستان ما زال قائما بإصرار وترصد عن الدولة العراقية، وفرض حصارا اقتصاديا ظالما على شعبه إضافة إلى الحصار الدولي المفروض أصلا بسبب حربه على الكويت، خرج البرلمان الكردستاني بقرار يعبر عن الإرادة الشعبية الكردية في البقاء ضمن كيان العراق كإقليم فيدرالي، وجاء قراره بتبني الفيدرالية كأساس وثمرة لنضال الشعب الكردي المتواصل لأكثر من ثمانية عقود في العراق ليثبت القرار للعالم أن الكرد يريدون أن يعيشوا في بلدهم العراق، وأنهم ليسوا انفصاليين كما تزعم بعض الأوساط العربية، فذلك القرار لم يصدر بناء على ضغوطات أو ما شابه ذلك، لأننا كنا في ذلك الوقت عمليا خارج سيطرة ذلك النظام، كما أن القرار جاء بعد تعرض شعبنا إلى شتى صنوف الإرهاب والقمع والجرائم ابتداء من عمليات الأنفال والقصف الكيماوي والإعدامات الجماعية وانتهاء بجرائم التطهير والتمييز العرقي، ومع كل ذلك كان القرار تعبيرا عن الرغبة الحقيقية للشعب الكردي بالانضمام إلى العراق.

والواقعة الثانية كانت المبادرة الأخيرة لرئيس الإقليم مسعود بارزاني التي أثمرت عن إخراج العراق من مأزق خطير كاد أن يودي بالدولة العراقية ككل، وعلى الرغم من أن كثيرا من الأوساط العراقية والعربية كانت تردد مقولة أن الأكراد مشغولون بإقليمهم وأنه لا يهمهم ما يحصل للعراق بقدر ما تهمهم مصالحهم الذاتية، لكن الواقع أثبت حقيقة أن بارزاني والشعب الكردي كانوا أكثر حرصا على حماية العراق من كثير من الكتل السياسية العراقية المتصارعة على السلطة، ولولا تلك المبادرة لكان العراق يسير فعلا نحو مستنقع خطير يهدد كيانه كدولة خاصة بعد أن طال أوان الأزمة السياسية وفقد الكثيرون الأمل في الخروج منها». ويستطرد المسؤول الكردي: «يجب أن يعرف الآخرون أن العراق الجديد يختلف تماما عن العراق القديم، وأن هناك واقعا جديدا قد تكرس في الحياة السياسية بالعراق لا يمكن الرجوع عنه، وفي حال اعترف هؤلاء بأن هذا الواقع موجود في العراق وهم يعيشونه يوميا، عليهم في المقابل أن يعترفوا بأن إقليم كردستان أصبح أيضا واقعا وأنه يتمتع بخصوصية أقرها الدستور العراقي، لذلك لا يمكن التغافل عن هذا الواقع الكردستاني، ونحن في دائرتنا وفي حكومة إقليم كردستان عموما نستند في علاقاتنا الخارجية إلى السياسة الخارجية التي تعتمدها الحكومة العراقية، ونمارس حقا كفله لنا الدستور وأقره لنا كشعب جزء من العراق، وعلاقاتنا الخارجية هي جزء من هذه الحقوق الدستورية التي نمارسها وتتمثل في وجودنا ضمن هيكلية السفارات العراقية بالخارج، ومحاولة استقدام ممثليات وقنصليات دول العالم والمكاتب الاقتصادية إلى الإقليم؛ بل إننا انطلاقا من حرصنا على تقدم العراق ونهضته فتحنا أبواب الإقليم كاملة أمام تدفق الشركات العالمية والاستثمارات الأجنبية، وشددنا مرارا على أن تكون كردستان منطلقا للشركات العالمية والاستثمارات الوافدة لدخول السوق العراقية».

ويعدد فلاح مصطفى القنصليات والمكاتب الدبلوماسية في كردستان بالقول: «هناك لحد الآن 18 قنصلية وممثلية ومكتبا اقتصاديا وغيرها، فلدينا حاليا قنصليات مفتوحة لكل من فرنسا وروسيا وألمانيا وإيران وتركيا ومصر وبريطانيا، والأردنيون أيضا قبل نهاية السنة سيفتحون قنصلية لهم في كردستان، وهناك وفد ليبي يجري مباحثات لإنشاء تمثيل دبلوماسي رفيع المستوى في الإقليم، أما المكاتب، فهناك مكاتب لسفارات كوريا وفريق الإعمار الأميركي الذي صدر قرار بتحويله إلى القنصلية، ومكاتب تجارية لليونان والنمسا وإيطاليا، إضافة إلى قنصليتي السويد وهولندا وكذلك القنصليات الفخرية لإسبانيا واليابان والدنمارك، وهناك عدد آخر من الدول تسعى لفتح ممثلياتها في كردستان، وأتصور أن ذلك سيتأجل إلى بداية العام المقبل ليرتفع العدد، حيث ستنضم دول أخرى مثل بولونيا ورومانيا وكرواتيا والإمارات ولبنان بفتح ممثلياتها في الإقليم».

وعن العلاقات العربية، يتحدث رئيس دائرة العلاقات الخارجية بحكومة إقليم كردستان قائلا: «للأسف ما زال هناك فهم خاطئ في بعض الأوساط العربية تجاه الشعب الكردي، وهي أوساط تعادي في بعض الأحيان كل التطلعات الكردية نحو الحرية وبناء مستقبلهم على غرار شعوب وأمم العالم الأخرى، ونحن نعتقد أن الإعلام يلعب دورا مهما في تغيير تلك الأفكار الراسخة والمواقف المتصلبة من العرب ضد الكرد، ويقف في مقدمة ذلك الإعلام العربي الدولي الذي يدخل الدول العربية وله رسالة مؤثرة على المجتمعات العربية، فنحن نعتقد أن الحكومات وحدها لا تستطيع أن تفعل كل شيء، بل هناك دور وواجب على النخبة السياسية والثقافية لحوار هادئ ومثمر لبناء أسس التفاهم لقضايانا ومشتركاتنا، وأؤكد هنا من على منبر (الشرق الأوسط) أن رسالتنا نحن الشعب الكردي في كردستان العراق هي رسالة سلام وصداقة وتعايش أخوي. أيدينا ممدودة للجميع لنتحاور ونتحادث ونزيل المخاوف والحساسيات بيننا. أنا عن نفسي أشعر بوجود تغيير ملحوظ في التعامل العربي مع الكرد، فمن خلال لقاءاتي بدبلوماسيين ووفود وشخصيات سياسية وثقافية عربية، سواء التي تأتي إلى كردستان أو من نلتقي بهم في المحافل الدولية، أشعر بوجود هذا التغيير الإيجابي في مواقفهم، خاصة بعد أن اطمأنوا إلى مواقفنا ودورنا السياسي في العراق وثوابتنا الوطنية القائمة على أساس التعايش السلمي والأخوي وإيماننا المطلق بالتعددية السياسية والدينية والمذهبية والعرقية، ورغبتنا في التعامل مع الآخرين تقوم على أساس رعاية واحترام المصالح المشتركة، وعلى هذا الأساس نسعى ونطمع في عقد أفضل العلاقات مع الدول العربية، خاصة الخليجية، لأننا على اقتناع تام بأن المحيط العربي للعراق هو بالتحديد عمقنا الاستراتيجي وذلك بسبب وجود كثير من المشتركات والقضايا التي تربطنا معا، لذلك أكرر أن أيدينا ممدودة لكل من يرحب بصداقتنا». ويضيف: «ليس الأمر محصورا فقط في الدول العربية؛ بل إننا نسعى إلى فتح حوارات بين مؤسسات المجتمع المدني والنخب الثقافية والفكرية والأكاديمية، ونسعى كذلك إلى فتح مكتب للجامعة العربية في كردستان، ففي زيارة للرئيس بارزاني والدكتور برهم صالح رئيس حكومة إقليم كردستان ولقائهما مع أمين عام الجامعة العربية الأستاذ عمرو موسى، تحدثا حول ذلك، وقبل الزيارة كنا قد اجتمعنا مع وفد الجامعة العربية وأكدنا على ضرورة وأهمية وجودهم في إقليم كردستان».

وحول العلاقات مع منظمات ووكالات الأمم المتحدة، قال مصطفى: «منظمات الأمم المتحدة أيضا لديها مكاتب في كردستان، واقترحنا عليهم أن يعودوا إلى العراق عبر كردستان بعد أن غادروه إثر تعرض ممثل الأمين العام سيرجيو ديميلو إلى عملية الاغتيال، فوجود المنظمات الدولية في العراق أمر حيوي ومهم جدا، والعراق دولة غنية بمصادرها ومواردها وليس في حاجة إلى الدعم المادي الدولي، ولكن بسبب السياسات الخاطئة للأنظمة السابقة فإنه يفتقر إلى الخبرات والكوادر المختصة في جميع القطاعات الحيوية. لذلك، فإن حاجة العراق لدور الأمم المتحدة لا تتحدد بالدعم المادي، بقدر ما تتركز حول نقل الخبرات وتأهيل الكوادر بمساعدة دولية. وفي هذا الصدد تحدثنا مع هذه المنظمات وسعينا إلى إقناعهم بالعودة إلى العراق ونقل نشاطاتهم الإقليمية من خارج العراق إلى إقليم كردستان تمهيدا لعودتهم بعد ذلك إلى بغداد بعد استقرار الأوضاع هناك. من جهتنا، فنحن سنعمل على تدريب كوادرنا المحلية بإرسالهم في دورات وبعثات بالتعاون مع الحكومة العراقية، ونبحث حاليا في مقترح إنشاء معهد للتدريب الدبلوماسي بكردستان لإخراج الكوادر الدبلوماسية المؤهلة ذات الكفاءة لإدارة العلاقات الخارجية».