الحريري: لا أحد يأخذ مني شيئا بالصوت العالي

رسم علاقة «دولة» مع إيران.. ولا عودة إلى الوراء مع سورية

TT

يمكن النظر إلى زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى طهران من منظارين، فهي زيارة ناجحة وفاشلة في آن، اعتمادا على النظرة التي رسمت لهذه الزيارة بعد حصولها و«الآمال» التي علقت عليها.

وتقول مصادر في الوفد الذي رافق الحريري إلى طهران: إنه إذا كانت التوقعات التي وضعت للزيارة تتعلق بإعلان مهم من الحريري في موضوع القرار الظني في جريمة اغتيال والده الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، والطلب من القيادة الإيرانية الضغط على «حزب الله» لخفض سقفه في موضوع القرار وضرورة إدانته قبل صدوره، فهي زيارة فاشلة جدا «لأنه لا الحريري ولا الإيرانيون طرحوا موضوع القرار الظني أو التدخل الإيراني لدى الحزب الذي يدرك الحريري تماما متانة علاقته بطهران»، وهو يعرف أن نظرة إيران إلى موضوع دعم حزب الله كانت من زاوية دعم المقاومة باعتبار أن «الدفاع عن لبنان هو دفاع عن إيران» كما قال أكثر من مسؤول إيراني حرفيا، أما إذا كانت الزيارة تهدف إلى بناء علاقة من دولة إلى دولة فهي علاقة ناجحة، كما عبر الحريري، الذي يرى أن الزيارة كانت «ناجحة سياسيا ومؤسساتيا».

وقد حرص الحريري خلال لقاءاته على تأكيد ضرورة «إراحة الجو الداخلي»، قائلا لمحاوريه الخائفين من «انعكاسات فتنوية» للقرار الظني: «إذا كنا ندرك جميعا أن هناك مشروعا لخلق الفتنة، فلماذا نرمي بأنفسنا إليها؟»، فالحريري يرى أن «القرار الظني إذا كان سيحدث فتنة، فالمطلوب إحداث توازن، والتوازن لا يكون إلا بالحوار والعقلانية، وإذا صدر في هذا القرار ما يمكن أن يهز التوازن الداخلي نستطيع كقيادات لبنانية إحباط مفاعيل هذا الاهتزاز»، أما ما قبل القرار، فهو واضح بشأن عدم معرفته بأي من تفاصيله ولا موعده، بالإضافة إلى مسلمة ثابتة لديه، هي أنه «لا يتدخل فيه ولا قدرة له على ذلك»، مشددا على أن «لا أحد يأخذ مني أي شيء بالصوت العالي، أما بالحوار فأنا مستعد لبحث كل شيء وبانفتاح كبير».

ويرفض الحريري القول إن زيارته إلى طهران - وغيرها - هي عملية تقطيع للوقت «فأنا ذهبت إلى طهران للقيام بعلاقة من دولة إلى دولة، مع دولة أساسية في المنطقة»، مشيرا إلى أن الزيارة حققت أهدافها بالنسبة إليه، مشيرا إلى أن «العبرة في التنفيذ، لكن الإيرانيين يبدون جديين للغاية». ويؤكد أنه لم يترك لبنان فريسة للوضع المتشنج، بل إن حركته الإقليمية والدولية تهدف في جزء أساسي منها إلى إراحة هذا الجو، مشيرا إلى أن مجلس الوزراء اللبناني لن ينعقد؛ لأنه لم يدع الوزراء لاجتماع، وهو لم يفعل ذلك بحكم سفره، وبحكم رغبته في «حلحلة الأمور»، مفضلا «انتظار المساعي السعودية - السورية»، مشددا في الوقت نفسه على أن «لا عودة في العلاقات مع سورية إلى الوراء»، على الرغم من إشارته إلى أنه «لا زيارة قريبة له لدمشق».

ويقول أعضاء في الوفد اللبناني: إن من الثمار الاقتصادية للزيارة اتفاقا على تطوير العلاقات التجارية بين البلدين، وإن الجانب الإيراني أبدى رغبة في توجه الشركات الإيرانية إلى لبنان للمساهمة في مشاريع الطاقة والتنقيب عن الغاز ومد أنبوب غاز ساحلي يربط بين معمل دير عمار في الشمال، حيث يصل الغاز المصري إلى معمل الزهراني في الجنوب، مرورا بمعمل الذوق، كذلك المساهمة في مشروع السكك الحديدية وإمكانية توصيل لبنان بالشبكة التي أنشئت بالفعل بين إيران وتركيا وسورية والعراق.

أما في الجانب السياسي، فقد كان التركيز الإيراني كبيرا على موضوع «الاستقرار والهدوء» في لبنان، وأن «الوحدة الوطنية وحدها يمكن أن تواجه أي مشكلات مستقبلية»، وكان رد الحريري هو «أن هناك محاولات لإبراز الفتنة في المنطقة كلها، وعلينا جميعا ألا نقع في الفخ»، مشيرا إلى أن «مشاريع الفتنة في لبنان كثيرة وهي لا تنحصر بالقرار الظني، فموضوع إطاحة حق العودة (للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم) هو مشروع للفتنة، مثل القرار 1559 (الذي صدر عام 2004 ونص على سحب سلاح الميليشيات في لبنان) والذي تم سحب فتيله من خلال التأكيد للمجتمع الدولي أن موضوع السلاح هو مسألة يتم حلها من خلال الحوار الداخلي في لبنان».

صحيح أن الحريري لم يثر مع القيادة الإيرانية موضوع «القرار الظني»، ولم يطلب منها الضغط على حلفائها في لبنان، انطلاقا من رغبته بترك الموضوع محليا «يمكن حله بالحوار»، لكنه من دون شك كان يأمل في أن تقوم إيران بترجمة رغبتها بالاستقرار بالمساعدة في توطيد الاستقرار محليا. لم يطرح الحريري موضوع المحكمة الدولية، ولا فعل الجانب الإيراني مباشرة، لكن من التقاهم كانوا يقاربون الملف من زاوية «حفظ الاستقرار والمخاطر التي قد تنجم عن القرار الظني».