جامعات أميركا تفرز نمطا جديدا من نشطاء مكافحة الإيدز

يشنون حملة تهدف لدفع أوباما إلى التحرك ويقضون إجازاتهم في بلدان تعاني من الوباء

ديفيد كاريل الطالب بجامعة ييل تسلل إلى لقاء رئاسي في أكتوبر وضايق أوباما بالأسئلة (نيويورك تايمز)
TT

لم يكن ديفيد كاريل يوما ما قائدا شعبويا، لكن في خضم الفوضى التي تعتمل في غرفته بمسكن الطلاب بجامعة ييل، يحتفظ كاريل، 19 عاما، صاحب الوجه الطفولي، بأدلة تشير إلى حياته الجديدة كناشط معني بمكافحة الإيدز، حيث تضم الغرفة ملصقات وشعارات ونشرات تطالب بتوفير «50 مليار دولار من أجل مكافحة الإيدز عالميا». وقد أخفى بعضا من هذه المواد داخل سترته أحد أيام السبت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) عندما تسلل عبر أفراد الأمن إلى داخل اجتماع لحشد تأييد الناخبين لصالح الحزب الديمقراطي في بريدجبورت. وهناك، أقدم كاريل على أمر «لم يكن ليرد على مخيلتي»، حيث عمد لمضايقة رئيس الولايات المتحدة بالأسئلة.

من جهته، أكد كاميرون نت، طالب الأنثروبولوجي في دارتماوث، أنه يؤيد الرئيس أوباما «100%»، لكن غضبا يساوره حيال فشل الرئيس في «الالتزام» بوعده أثناء حملته الانتخابية للوصول للرئاسة بإنفاق 50 مليار دولار على مدار خمس سنوات على جهود محاربة وباء الإيدز في الخارج. وخلال مؤتمر انتخابي عام عقد في بوسطن هذا الخريف، تعمد نت مقاطعة أوباما أثناء حديثه. ومن بين رفاقه المتظاهرين لوك ميساك، طالب بكلية الطب بجامعة بنسلفانيا وتولى مهام تنظيمية خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لأوباما، وكريشنا برابو، وهو طالب بجامعة هارفارد صوت لصالح أوباما في أيوا عام 2008، وحرص على إرجاء امتحانه بمادة الصحة العالمية لحضور حفل تنصيب الرئيس. واشتكى برابو من أن «الوعد لم يتحقق»، وحمل صوته نبرة تنم عن خيبة الأمل أكثر من الغضب.

بعد قرابة ربع قرن من انتفاضة الرجال المثليين للمطالبة بتوفير أدوية لمواجهة فيروس نقص المناعة (المعروف اختصارا باسم «إتش آي في»)، يظهر حاليا نمط جديد من النشطاء المعنيين بالتصدي للإيدز داخل المباني الجامعية. وعلى خلاف الحال مع الرعيل الأول من المرضى - النشطاء، تتألف المجموعة الجديدة من عناصر معنية بالصحة العامة لا تزال في بداية مشوارها العملي. وتتألف هذه المجموعة في الجزء الأكبر منها من أشخاص طبيعيين من حيث الميول الجنسية. ويندر بينهم من فقد صديقا أو قريبا بسبب هذا الوباء. إلا أنهم من خلال دراستهم على أيدي كبار العقول العاملة في المجال الصحي، وعاينوا بأنفسهم ضحايا الوباء خلال عطلات الصيف أو الفترات الدراسية التي قضوها بالخارج في دول يفتك بها الوباء، مثل رواندا وتنزانيا وأوغندا.

والمؤكد أن الحراك في أوساط الطلاب الجامعيين، خاصة المرتبط بالإيدز، لا يعد بالأمر الجديد، فمثلا، كان مقررا أن يشارك طلاب من مختلف أرجاء البلاد، أمس بمناسبة «اليوم العالمي لمكافحة الإيدز»، في إلقاء خطب وجمع تبرعات وما شابه ذلك. إلا أن الملاحظ مؤخرا أن مجموعة من 20 طالبا من «اتحاد الجامعات»، خاصة جامعتي هارفارد وييل، تعمدت إلى استخدام أساليب تتسم بدرجة أكبر من المواجهة، بجانب اتصالات بشخصيات رفيعة، بغية التمكن عبر التحايل من مواجهة كبار مسؤولي البيت الأبيض في إطار جهود دؤوبة، وناجحة على ما يبدو، لاستثارة أوباما نحو التحرك ضد الإيدز.

وتأتي اعتراضات هؤلاء الطلاب، التي أثارت انتقادا لاذعا من جانب الرئيس (ناهيك عن ذوي الطلاب)، في وقت تراود المنظمات المعنية بقضية مكافحة الإيدز التساؤلات حول ما إذا كان أوباما على ذات القدر من الالتزام تجاه هذه القضية مثلما كان سلفه جورج دبليو بوش. يذكر أنه عام 2003 شرع بوش في زيادة الأموال الموجهة إلى إنتاج العقاقير المضادة لفيروس «إتش آي في» المخصصة للمرضى داخل دول معدمة. وعليه، قفز عدد من يتلقون هذه العقاقير من 50 ألفا إلى أكثر من 5 ملايين اليوم. ومع ذلك، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن ما يصل إلى 10 ملايين مريض بحاجة لهذه العقاقير.

ومع أن الإنفاق الموجه لمكافحة الإيدز عالميا ارتفع في عهد أوباما، ولا تزال الولايات المتحدة أكبر دولة تسهم في مثل هذه البرامج، يرى محللون مستقلون أن معدل زيادة الإنفاقات تباطأ بشدة، مما سيجعل من الصعب على الرئيس الوفاء بتعهده بتخصيص 50 مليار دولار لهذا الغرض - أو حتى تحقيق هدف آخر أدنى، وهو الذي أقره الكونغرس عام 2008 ويقضي بتخصيص 48 مليار دولار لمكافحة الإيدز والسل والملاريا بحلول عام 2013. بل وربما تزداد صعوبة المهمة في ظل كونغرس جديد يضم أغلبية جمهورية في مجلس النواب عاقدة العزم على تقليص النفقات ووجود جمهوريين مدعومين من حركة «حفل الشاي» بكلا مجلسي الكونغرس يبدون تشككهم إزاء جدوى جميع أنماط المساعدات الأجنبية.

ومع ذلك، يبقى الطلاب عاقدين العزم على دفع أوباما إلى الالتزام بوعده، مسلحين في ذلك ببيانات صادرة عن «هيلث غاب»، وهي منظمة نشطة معنية بمكافحة الإيدز.

عندما تحدث إزكييل إيمانويل، أحد المعنيين بما يسمى الأخلاق البيولوجية ومستشار الرئيس للشؤون الصحية (وشقيق راهم إيمانويل، رئيس موظفي البيت الأبيض سابقا) أمام جامعة ييل منذ أسبوعين، دخل في جدال حاد مع كاريل خلال مأدبة إفطار في «هيل هاوس» بالحرم الجامعي، وهي مأدبة تولت تنظيمها طالبة أخرى من «ييل»، هي ابنة إيمانويل. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، تزعم كاريل مظاهرة خارج القاعة التي كان يتحدث فيها إيمانويل، انتهت بترديد الطلاب هتافات ضد المستشار أثناء ملاحقتهم له في الشارع.

عندما سافر إريك غوسبي، منسق جهود مكافحة الإيدز عالميا المعاون لأوباما، إلى بوسطن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لحضور مناقشة مع السيناتور الديمقراطي جون كيري، تعرض للحصار خلال حفل كوكتيل من قبل برابو، من هارفارد. ومن بين المشاركين في هيئة المتحدثين الدكتور بول إي فارمر، أستاذ برابو ومؤسس منظمة «بارتنرز إن هيلث» العالمية غير الهادفة للربح. وقال فارمر، خلال مقابلة أجريت معه عبر الهاتف من هايتي، حيث يتولى علاج مرضى الكوليرا: «هؤلاء الطلاب هم خطتي للتقاعد. والكثير منهم يفعل ما هو أكبر بكثير من مجرد الخروج في مظاهرات، إنهم يكتبون أبحاثا ومقالات، ويدرسون في الوقت ذاته».

داخل البيت الأبيض، لا يشعر إيمانويل بانبهار تجاه الجيل الجديد، حيث يقول إن الطلاب يطرحون آراء مبتذلة حول الدولار تتجاهل تشديد إدارة أوباما على ضرورة الترشيد في إنفاق الأموال وعرض خدمات، مثل الختان، بإمكانها الحد من انتشار مرض نقص المناعة. وبينما شدد بوش على محاربة الإيدز والملاريا، يروج أوباما لـ«مبادرة الصحة العالمية» التي يفترض أن تستمر 6 سنوات بتكلفة 63 مليار دولار، وترمي لتناول مجموعة من الأمراض، مع التركيز على النساء والأطفال. وقال إيمانويل خلال مقابلة أجريت معه بعد تناوله الإفطار مع كاريل: «كي أكون أمينا، ولا أعني بذلك التقليل من إخلاص الطلاب، لم أسمع اليوم أي حجة جديدة لم أسمع بها لشهور من قبل. ولم أطلع على مدونات تشير لعدد الأفراد الذين قمنا بختانهم أو أعداد الأمهات اللائي نتولى علاجهن في إطار جهودنا لرعاية الأمهات والأطفال. تلك هي المقاييس الحقيقية للأداء».

ورفض إيمانويل مناقشة أي من المحادثات التي دارت بينه وبين الرئيس حول الطلاب، لكن رد فعل أوباما عندما تمت مقاطعته في أكتوبر خلال مؤتمر انتخابي عام في بريدجبورت أوضح أنه شعر بالغضب. واشتكى الرئيس من الطلاب قائلا: «لقد عمدتم للظهور في كل مؤتمر نعقده»، مشيرا إلى أن ما يفعلونه لا يعد «استراتيجية ناجعة».

وشعر الطلاب بسعادة تجاه مخاطبة الرئيس لهم مباشرة، لكن إلحاحهم بالأسئلة أثار غضب حتى بعض رفاقهم من النشطاء المعنيين بمحاربة الإيدز. مثلا، شكك ريغان هوفمان، رئيس تحرير «بوز»، وهي مجلة موجهة للأفراد الذين يعيشون بفيروس نقص المناعة، في مدى حكمة مقاطعة الرئيس أثناء حديثه عشية انتخابات حيوية للديمقراطيين. إلا أن كاريل أكد أنه ورفاقه النشطاء فكروا مليا في هذا الأمر. وقد كانت تلك أول مظاهرة له وأخبره والداه أنهما يأملان أن يبدي «قدرا أكبر من الاحترام»، بينما صدم أصدقاؤه من سلوكه. ومع ذلك، ظل مقتنعا بصحة موقفه. وقال: «هناك سبل قليلة للغاية أمامنا للوصول إليه، وهذا الطريق أحد السبل لجعله ينصت إلينا».

* خدمة «نيويورك تايمز»