مصر: أزمة «انسحاب المعارضة» تثير جدلا سياسيا بعد مقاطعة «الإخوان» وغموض موقف الوفد

أمين عام الحزب الحاكم: القضية ليست برلمانا بلا معارضة * ورئيس لجنة الانتخابات: لا يجوز التنازل الآن

TT

ساد المشهد السياسي في مصر أمس حالة من الغموض، فبينما أعلن رئيس حزب الوفد انسحاب الحزب رسميا من جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية المصرية المقرر لها الأحد المقبل وكذا استقالة نائب الحزب من مجلس الشورى (الغرفة الثانية بالبرلمان) - أكدت قيادات بارزة بالوفد ومن الحزب الوطني الحاكم أن الوفد «لم يقرر الانسحاب حتى الآن». كما ترددت أنباء متضاربة عن موقف حزب التجمع اليساري المعارض بشأن خوضه انتخابات الإعادة. في حين حسمت جماعة الإخوان المسلمين قرارها بالمقاطعة.

من جانبه، أعلن المستشار السيد عبد العزيز عمر، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، أنه لا يجوز من الناحية القانونية قبول تنازل أحد ممن سيخوضون انتخابات الإعادة عن الترشيح في انتخابات مجلس الشعب التي ستجرى يوم الأحد المقبل.

وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات: «إن المواعيد القانونية للتنازل عن الترشيح قد انتهت في مرحلة ما قبل إجراء الانتخابات، ومن ثم لا يجوز التنازل عن الترشيح أثناء العملية الانتخابية أو خلال انتخابات الإعادة».

وقد علق صفوت الشريف، الأمين العام للحزب الوطني الحاكم، في مؤتمر صحافي، على قرار «الإخوان» بالانسحاب بقوله: «إن أي مبتدئ في السياسة يعرف أن فرص مرشحي التنظيم غير الشرعي في الإعادة كانت صعبة للغاية»، مشيرا إلى أن «القضية ليست برلمانا بلا معارضة، بل برلمانا يعبر عن اختيارات المواطنين».

ونفى الشريف ما تناقلته وسائل الإعلام عن استقالة عضو مجلس الشورى الوفدي محمد بهاء أبو شقة من المجلس، مؤكدا أنه تلقى اتصالا من أبو شقة «نفى خلاله صحة ما تردد عن استقالته».

في سياق متصل، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، أكثر قوى المعارضة تأثيرا في مصر، انسحابها رسميا من جولة الإعادة في انتخابات البرلمان المصري احتجاجا على «تزوير الانتخابات»، بعد أن فشل مرشحوها في الحصول على أي مقعد في الجولة الأولى.

وبذلك، لن يخوض مرشحو الجماعة الـ26 الذين حصلوا على أصوات تؤهلهم لخوض جولة الإعادة المنافسة. وكانت الجماعة قد حصلت على 88 مقعدا في الانتخابات السابقة عام 2005 ومثل نوابها نسبة 20 في المائة من مقاعد البرلمان.

وقال الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان في بيان بثه الموقع الرسمي للجماعة أمس إن «قرار الانسحاب جاء بعد مراجعة مجلس شورى الجماعة، الذي قرر بأغلبية 72%، مقاطعة انتخابات الإعادة كخطوة احتجاجية على ما حدث في انتخابات الجولة الأولى، خاصة أن المشاركة في الانتخابات الأولى حققت أهدافها من خلال بث الإيجابية في الشعب المصري والتفافه حول شعار (الإسلام هو الحل) ونزع الشرعية عن نظام الحكم الفاسد المستبد الذي انتشرت فضائحه في أرجاء العالم».

وأضاف بديع أن عدم مشاركة «الإخوان» في هذه الجولة الانتخابية لا يعني تغييرا في استراتيجية الجماعة الثابتة بالمشاركة في جميع الانتخابات، ولكنه موقف فرضته الظروف الحالية. وتابع قائلا: «سوف نستمر في كل الإجراءات القانونية التي تلاحق المزورين والمفسدين لإبطال هذا المجلس المزور ولإحقاق الحق وإعادته إلى صاحبه الحقيقي وهو الشعب».

وفي حين أعلن الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد الليبرالي المعارض، أمس، رسميا انسحاب حزبه من الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الأحد الماضي - أكدت مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» أنه يتعرض الآن «لضغوط كبيرة للتراجع عن هذا الموقف».

وعلق الدكتور نعمان جمعة، رئيس حزب الوفد الأسبق، على قرار الانسحاب قائلا: «إنه اعتراف بالهزيمة، خاصة أنه جاء بعد الموعد المقرر، فإما أن تقرر عدم خوض الانتخابات منذ البداية أو تستكملها إلى النهاية»، واصفا هذا القرار بأنه «غير منضبط».

وفسر جمعة فشل الوفد في حصوله على مقاعد مناسبة في الجولة الأولى، بأنه ناتج عن ضعف مرشحيه وأنهم غير مجهزين لخوض الانتخابات، وليس صحيحا ما يتم ادعاؤه عن عمليات تزوير.

واستطرد جمعة «معظم مرشحي الوفد في هذه الانتخابات دخلوا إما بوعود عن عمليات تزوير لصالحهم وبالتالي فوزهم، أو مقابل أموال»، واستنتج جمعة أن ما حدث لهم من هزيمة يمكن اعتباره «تغريرا» بهم. كما أن قيادات الحزب التي دخلت الانتخابات نافست في دوائر لا تتمتع فيها بالشعبية ولا تتمتع أيضا بالخبرة السياسية. وتابع: «بالتالي، كان أفضل للوفد أن يدخل بمرشحين مؤهلين أو يعلن مقاطعة الانتخابات منذ البداية».

يذكر أن حزب الوفد لا يزال ينتظر اتخاذ قراره النهائي خلال اجتماع الهيئة العليا اليوم (الخميس) لتحديد موقف النائبين اللذين نجحا في انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى بالبرلمان) التي أعلنت نتائجها النهائية الليلة قبل الماضية، وموقف مرشحيه التسعة الذين يخوضون جولة الإعادة. وذلك على الرغم من تأكيد البدوي أن الوفد لن يمثل في البرلمان حتى لو لم يتقدم النائبان باستقالتيهما للمجلس، أو قرر مرشحوه خوض الإعادة. وهو ما اعتبره مراقبون موقفا «ملتبسا وغير مفهوم».

وقال ياسر حسان، عضو الهيئة العليا بالحزب، إن البدوي اجتمع أمس بقيادات بالحزب واتفقت الأغلبية على قرار الانسحاب، مما وصفه بـ«المهزلة الانتخابية»، مشيرا إلى أن قرار البدوي سيتم اعتماده من المكتب التنفيذي اليوم (الخميس).

وأضاف حسان بقوله إن «الحزب ثائر من الداخل، وكان من الضروري أن يتخذ البدوي موقفا حاسما لتهدئة جموع الوفديين الغاضبين». لكن قيادات بالهيئة العليا للوفد قالت إن القرار «لن يمر بسهولة في اجتماع الهيئة العليا»، مشيرين إلى أنه «من الصعب إقناع الأعضاء الذين سيخوضون جولة الإعادة بالتراجع عن خوض المنافسة، كما أنه من الصعب إقناع العضوين اللذين حصلا بالكاد اليوم (أمس) على بطاقة عضوية المجلس (مجلس الشعب) بالاستقالة».

وقد فسر مصدر مطلع في الحزب الوطني الحاكم لـ«الشرق الأوسط» تضارب موقف الوفد وغموضه قائلا: «إن أعضاء حزب الوفد حملوا رئيسه البدوي مسؤولية الخسارة بعد دفعه بمرشحين لا يمتلكون خبرة سياسية، وإعلانه الانسحاب مجرد مناورة لامتصاص غضب الوفديين».

وتابع بقوله: «البدوي يعلم جيدا أن مرشحي الحزب في جولة الإعادة ونائبيه بالبرلمان المنتخب لن يقبلوا جميعا بقرار الانسحاب هذا وسيدفعون باتجاه التراجع عن القرار»، ولمح إلى أن حزب الوفد تباطأ في إعداد الصفحة الأولى من جريدة الوفد لسان حال الحزب وموقفه لمدة ثلاث ساعات لاستثمار نتائج هذا الغموض المقصود في مسعى للحصول على مكاسب أكبر.

وفي وقت تواترت فيه أنباء عن عزم حزب التجمع خوض المنافسة في جولة الإعادة، نفى الدكتور رفعت السعيد رئيس الحزب أن يكون حزبه قد اتخذ قراره بعد. وقال ضياء رشوان، القيادي بالحزب، والذي يفترض أن يخوض جولة الإعادة الأحد المقبل، إن قيادات الحزب مجتمعة وستصل إلى قرارها مساء اليوم (أمس).

وكانت اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات قد أعلنت النتائج الرسمية للجولة الأولى من انتخابات البرلمان الليلة قبل الماضية، وكشفت النتائج عن فوز الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) بـ217 مقعدا في البرلمان، بينما حصل الوفد على مقعدين، وحصل حزب التجمع وحزب الغد (جبهة موسى مصطفى موسى) وحزب العدالة على مقعد واحد لكل منهم، بينما حصل المستقلين على 3 مقاعد.

ويخوض جولة الإعادة 377 عضوا بالحزب الوطني، وكان من المفترض أن يخوضها أيضا 9 مرشحين لحزب الوفد و6 مرشحين للتجمع ومرشح واحد لحزب السلام الاجتماعي، بالإضافة لـ140 مرشحا مستقلا بينهم 26 مرشحا عن جماعة الإخوان المسلمين.

وعلى صعيد متصل، دعت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية إلى إجراء تحقيق شامل في الانتهاكات التي صاحبت انتخابات البرلمان.

وقالت في بيان لها إن «8 أشخاص على الأقل قد قتلوا وعشرات أصيبوا بجروح في جميع أنحاء البلاد، وأشارت تقارير إلى أن اثنين منهم قتلا على يد قوات الأمن في أسيوط ووادي النطرون في ظروف لا تزال غير واضحة».

وقال ماكوم سمارت، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة: «يجب على السلطات المصرية أن تجري الآن تحقيقا مستقلا في الوفيات ومزاعم العنف التي ألقت مرة أخرى بظلال دموية على يوم الانتخابات».