«الشرق الأوسط» تزور محافظة الجوف المرعبة في اليمن (الحلقة الاخيرة) : مصادر قبلية: «الهلال الحوثي» يسعى لتطويق صنعاء عبر التحالف مع القبائل

دبلوماسي يمني: غياب الدولة في الجوف سياسة جعلت المحافظة ساحة للتطرف

جانب من الحزم عاصمة الجوف («الشرق الاوسط»)
TT

خلال الحلقات الخمس السابقة التي نشرتها «الشرق الأوسط» حول محافظة الجوف اليمنية المرعبة، التي توسع فيها الحوثيون ويسعون إلى التوسع، جرى تسليط الضوء على معظم قضايا هذه المحافظة المهمة والغنية بالثروات والإرث الحضاري، وتبين، من خلال بحث مشكلات الجوف، أنها تعاني علة مزمنة أجمع عليها الجميع، وهي ما توصف بـ«غياب الدولة»، وهذه إشكالية توضع في كفة وباقي الإشكاليات والمشكلات في كفة أخرى.

الأمر الآخر، الذي لا يقل أهمية عما سبق وربما نتيجة له، هو أن هذه المحافظة باتت محاصرة بثلاثة تحديات خطيرة، هي: التمرد الحوثي، وجود «القاعدة»، الانفلات الأمني والتقطعات والنهب والسلب والقطاعات القبلية، إضافة بالطبع إلى أوضاعها التنموية المتردية التي تحتاج إلى «مشروع مارشال»، حسب تعبير محافظ المحافظة، حسين حازب لـ«الشرق الأوسط».

وبحسب مصادر قبلية مطلعة، فإنه، منذ عدة أيام، اشتدت حدة التوتر بين الحوثيين وقبائل «آل حمد – ذو حسين» بمديرية المتون، ولذلك نشر الحوثيون نقاطا خاصة لمسلحيهم، خاصة الوافدين من خارج المحافظة.

وترجع مصادر خاصة لـ«الشرق الأوسط» إصرار الحوثيين على بسط السيطرة عبر عناصرهم في مناطق الجوف، إلى أهداف استراتيجية وبعيدة المدى تتعلق بصراعهم مع النظام اليمني الذي خاضوا ضده 6 حروب منذ عام 2004 وحتى مطلع العام الحالي.

وضمن الأهداف التي تتحدث عنها المصادر: محاصرة العاصمة صنعاء بوجود حولها يشبه الهلال، وبالتالي أن يكونوا محيطين بها من معظم الاتجاهات، وفي الوقت نفسه يعزلونها عن مناطق الثروة النفطية في المنطقة الشرقية، ويدلل من يطرح ذلك على تمكن الحوثيين من الوصول إلى منطقة صرواح في محافظة مأرب التي – صرواح – بات لهم فيها وجود بعد أن أعلنت عدد من القبائل المأربية ولاءها لعبد الملك الحوثي، وهي منطقة تقترب من مناطق قبائل خولان في محافظة صنعاء، أي في الجهة الجنوبية للعاصمة صنعاء وعلى مقربة منها، الأمر الذي يمكن حصره، اختصارا، في امتداد للحوثيين حول صنعاء يبدأ من حرف سفيان بمحافظة عمران ثم محافظة صعدة فالجوف ثم أجزاء من محافظتي مأرب وصنعاء! ويحذر ناشطون وشخصيات قبلية من التطورات الجارية في الجوف ويصفون الاحتقان هناك مع الحوثيين بـ«الخطير جدا»، وتقول شخصية قبلية بارزة في «تحالف قبائل مأرب والجوف» لـ«الشرق الأوسط»: «إنه إذا اختلط الحابل بالنابل في الجوف، فستتحول إلى فوضى، وهذه الفوضى ستنعكس على محافظات مأرب المجاورة».. ثم يشير المصدر القبلي، الذي رفض الكشف عن هويته، إلى أن أي فوضى في الجوف قد تمتد، أيضا، إلى «مثلث الجدعان» الذي يسمى «مثلث الموت»؛ لأنه أكثر المناطق التي تقع فيها حوادث التقطع بين مأرب والجوف، وبالتالي فإن «النفط والغاز والكهرباء ستكون على كف عفريت»، حسب تعبيره.

من جانبه، يأخذ فيصل أبو رأس، سفير اليمن لدى لبنان وهو من وجاهات الجوف، على الدولة اليمنية إهمالها لمحافظة الجوف ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن الدولة أهملت الجوف ودأبت على تحويله إلى بيئة خصبة للتطرف والغلو والإرهاب وعدم الاستقرار»، وذلك بقصد «إضعافها وتمزيق مجتمعها القبلي وإدخاله في صراعات وحروب لا تنتهي»، وإن الدولة جردت المجتمع القبلي في الجوف من «قيمه وأعرافه وتسامحه»؛ لذلك فشأنها، هنا، شأن «الراعي المهمل».

ويجزم الدبلوماسي اليمني وأحد أبناء القبائل الجوفية البارزة، بأن غياب الدولة في الجوف «لم يعد خافيا»، ويذهب إلى أبعد من ذلك بالقول: «إن غياب الدولة سياسة مدروسة، تتبعها بعناية فائقة، وتمثل نقطة سوداء في سجل موبقاتها التي تراكمت وصنعت الجوف الأجوف، وقبل أن توجه أصابع الاتهام لأي أحد بالتسبب فيما جرى ويجري للجوف، فإنه من الأولى أن توجه إلى الدولة»، التي قال إنها «دأبت على توفير المناخات والأجواء الملائمة لعدم الاستقرار وسعت من أجل إحياء تراث داحس والغبراء»، في الجوف.

ويقول السفير أبو رأس إنه قبل معرفة أسباب «الحالة الحوثية أو (القاعدة) وأخواتها»، لا بد من «معرفة ما وراء غياب الدولة المريب، وكيف؟ ولماذا؟ ولصالح من؟!»، مؤكدا أن إخراج الجوف وأهلها من «الحالة البائسة»، لا يتطلب أو لا ينقصه سوى «عزم الدولة وإرادتها»، وأن المسؤولين الرسميين أو العدليين أو العسكريين أو القبليين وجميع القائمين على شؤون المحافظة والمنطقة «مقصرون، ومنهم من لا يتوافر لديه معيار واحد من معايير الشفافية والنزاهة والمسؤولية».

ويعبر أبو رأس عن رفضه لاتهام «الموروث القبلي» بالوقوف وراء «تخلف الجوف»، ويعتبر ذلك مندرجا ضمن «الترويج». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «إن العادات القبلية وأسلافها وقواعدها، لم ولن تكون وراء تخلف الجوف»، بل على العكس من ذلك يعتقد أن تلك العادات والتقاليد، لو أمعن النظر إليها «تنسجم مع نص القانون وروحه، بل تتقدم عليه؛ لأن القانون بحاجة إلى دولة، والدولة في خبر كان». وإن «القواعد القبلية وموروثها وقيمها وأسلافها، أمنت وبنت وشيدت حضارات وزودت الإسلام بخيرة قادته وفاتحيه».

وتقلق هذه التطورات في الجوف الكثير من الأوساط؛ حيث يقول الشيخ علي العجي، الأمين العام المساعد لـ«تحالف قبائل مأرب والجوف» في اليمن إنهم لا يتمنون وجود أي صراعات مذهبية أو قبلية في الجوف أو غيرها، خاصة أنها منطقة «تعاني ضعفا في التنمية». ويعرب عن أمنياته في أن تكون «منطقة أمن واستقرار من أجل وصول التنمية»، أما بشأن وجود «القاعدة» فيقول: «إننا لا نرى ظهورا علنيا لها، وهي تختلف عن الحوثيين، وتعمل بصورة سرية حتى في الدول العظمى».

وإزاء التحديات القائمة في محافظة الجوف، فإن مراقبين يتوقعون أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من الصراع بين الحوثيين، من جهة، والقبائل الموالية للحكومة اليمنية من جهة ثانية، ولا يستبعد المراقبون أن تمتد هذه المواجهات إلى داخل القبائل الموالية للحوثيين أنفسهم إزاء الانقسام حول إدارة الأمور في الجوف، أما «القاعدة» فإن جميع المؤشرات لا تفصح بحقيقة وجودها وحجمه، إلا أن المعطيات لا تستبعد أن تستمر المواجهات بينها وبين جماعة الحوثي، خاصة أن الحوثيين، بالأمس فقط، نشروا مئات، وربما آلاف، المنشورات التي تحرض المواطنين في محافظات صعدة والجوف ومأرب وعمران وغيرها من المناطق التي يوجدون فيها.

ويعتقد محللون للأوضاع، في شمال اليمن وشرقه، أن الحوثيين، بعد التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا قيادات وعناصر تابعة لهم في الجوف وصعدة يومي 24 و26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فقدوا السيطرة على أعصابهم وباتوا يمارسون نوعا من الاضطهاد والانتهاك المتوتر ضد الفئات التي لا تؤيدهم، سواء من القبائل أو غيرها، فقد قاموا، خلال اليومين الماضيين، باختطاف أعضاء في نقابة المعلمين، وشكا أحد الصحافيين المحليين بصعدة من تهديدهم له وتعريض سلامته للخطر هناك.

أما فيما يتعلق بملف التنمية في الجوف.. فما زال ينتظر «مارشال»!