الحريري من باريس: لا نقطع الوقت والآخرون لم ينفذوا بعض الأمور المطلوبة منهم

قال: ملتزمون بالمسار السوري ـ السعودي ولدينا الرغبة في التوصل إلى تفاهم بالحوار

رئيس الحكومة الفرنسية، فرنسوا فيون، يصافح رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، لدى استقباله له، أمس، بمقر رئاسة الحكومة الفرنسية في باريس (أ.ب)
TT

غادر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري باريس أمس متوجها إلى المملكة العربية السعودية متخليا بذلك عن الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها إلى تركيا. وبحسب أوساطه، فقد يتوجه من السعودية إلى الولايات المتحدة الأميركية للاطمئنان على صحة الملك عبد الله، وربما لإجراء بعض الاتصالات في نيويورك على أن يزور عقب ذلك سلطنة عمان رسميا.

وحصد الحريري في محطته الباريسية التي اختتمها ظهر أمس بلقاء مع رئيس الوزراء فرنسوا فيون على مائدة غداء دعما فرنسيا واضحا سمعه من أعلى هرم الدولة ممثلة بالرئيس نيكولا ساركوزي وبرئيس الحكومة وبوزيرة الخارجية ميشيل أليو ماري التي استقبلها في مقر إقامته في أحد فنادق العاصمة. وحرصت المصادر الفرنسية على القول إنه «دعم للحريري وللمؤسسات الشرعية التي يمثلها».

وكانت النقطة الأبرز تعبير فرنسا الثابت عن التزام دعم المحكمة الدولية وما يبدو أنه تمسك بدعم صدور القرار الظني. وكان مصدر رئاسي فرنسي أشار إلى ذلك مباشرة بقوله إنه «من الطبيعي أن فرنسا التي تدعم المحكمة الدولية تقوم بدعم ما يصدر عنها». وفي هذا السياق، قال الحريري للصحافة أمس عقب لقائه فيون إن فرنسا «ما زالت تدعم المحكمة بالشكل الذي أعلنت فيه دعمها». وحرص المسؤولون الفرنسيون على القول أكثر من مرة، خلال زيارة الحريري، على أنه «ليس للبنانيين أن يختاروا بين العدالة والاستقرار ولا يمكن تصور العدالة على حساب الاستقرار أو العكس». أما الشق الآخر من الموقف الفرنسي فيتمثل بتأكيد أن «لا أحد قادر على التأثير على المحكمة» أو على قراراتها.

غير أن هذا الموقف لا يمنع باريس من التحرك على أكثر من صعيد لتدارك تهديد الاستقرار في لبنان وهو ما يعكسه توافد الشخصيات اللبنانية إليها والزيارة المرتقبة للرئيس السوري بشار الأسد في الأيام المقبلة. وبعد فترة من «البرودة» بين باريس ودمشق، عادت فرنسا إلى «تسخين» علاقاتها بدمشق رغم «الملاحظات» الفرنسية على الأداء السوري في لبنان، ونظرا لقناعة باريس أن السلطات السورية «قادرة على المساعدة في احتواء الوضع اللبناني». ورغم نفي فرنسا أن تكون على صلة بالوساطة السعودية - السورية في لبنان، فإن مصادر سياسية فيها تؤكد أنها «تواكب الاتصالات وتساهم فيها» عن قرب.

واغتنم الحريري المنبر الفرنسي ليوجه رسائل إلى «الداخل» اللبناني وهي ذات شقين: الأول، جرعة تفاؤل حيث أكد أن «الأمور إن شاء الله إيجابية ونحن لدينا كل النيات للتوصل إلى تفاهم بالحوار والهدوء والكلام العالي في لبنان لا يفيد وهذا ما قلته وما زلت أقوله». وكرديف للهجة التفاؤل، أكد الحريري أنه «ما زال ملتزما» بالمسار السوري - السعودي مطالبا بـ«إعطائه الوقت الكافي للتوصل إلى نتائج».

وجاء الشق الثاني من رسائل الحريري موجها إلى الفريق الآخر في لبنان الذي لم يسمه مباشرة، إذ نفى أن يكون بصدد المماطلة وكسب الوقت، وقال «إننا لا نمرر ولا نتأخر. الآخرون عليهم القيام ببعض الأمور... إنهم يعرفون جيدا أن عليهم القيام ببعض الأمور التي لم يقوموا بها حتى الآن». ولم يكشف الحريري المزيد عن هذه «الأمور» التي كان على الطرف الآخر القيام بها.

ولكن من الواضح أن الحريري يرمي الكرة في ملعب الفريق الآخر وينفي عن نفسه تهمة كسب الوقت التي وجهها إليه أمين عام حزب الله حسن نصر الله من غير أن يسميه في ظهوره التلفزيوني الأخير. ولم يفصح رئيس الوزراء اللبناني عن تاريخ عودته إلى لبنان. لكنه أثنى على التحرك الذي يقوم به رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان لاحتواء الوضع والتعويض عن اجتماعات مجلس الوزراء بدعوة الأطراف إلى طاولة الحوار. ووصف الحريري ما يقوم به سليمان بأنه «جيد جدا».

وفي كلامه إلى الصحافة الفرنسية في باحة المقر الحكومي المعروف باسم قصر ماتينيون، اعتبر الحريري أن لبنان «يمر حاليا بمرحلة صعبة». لكنه عول على «الحوار» و«دعم الأصدقاء أمثال فرنسا والسعودية وسورية وجميع أصدقاء لبنان» من أجل تخطي هذه المرحلة.

وتناول الحريري وفيون العلاقات الثنائية اللبنانية - الفرنسية والتحديات التي يواجهها لبنان، مشيرا إلى أن فرنسا «وقفت دائما إلى جانبه وما زالت». كذلك تطرقا إلى موضوع قرية الغجر التي قررت إسرائيل الانسحاب من جزئها الشمالي مع رفض دخول الجيش اللبناني إليها وهو ما لا يقبله لبنان.

وندد الحريري بإسرائيل التي «لا تفعل شيئا إلا من أجل وقف عملية السلام»، معتبرا أن عدم التقدم فيها «يعني انتصار التطرف في المنطقة».

وكان الحريري استقبل وزيرة الخارجية ميشيل أليو ماري وقبلها وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد. وحرصت المصادر الفرنسية على تأكيد أن باريس «تريد أن تلعب دورها كاملا في لبنان».

غير أن المسؤولين الفرنسيين رغم تمسكهم بالموقف المبدئي من المحكمة ومن القرار الظني يدعمون المسعى السعودي - الفرنسي لكنهم يطالبون بألا يكون على حساب المصلحة اللبنانية.

وتنظر باريس بعين الشك إلى التهديدات الصادرة عن بعض الأطراف اللبنانية بالتحرك ميدانيا في حال صدر القرار الظني محتويا ما يتوقع أن يكون اتهامات لأفراد من حزب الله. وتعتبر باريس أن ليس للحزب المذكور اليوم مصلحة في التحرك الميداني لأن «المحاذير» المترتبة عليه كثيرة ليس أقلها عودة الحديث عن إدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب. كذلك ترى باريس أن لا «مصلحة لسورية» اليوم في عودة العنف إلى لبنان «لأن سورية ستكون الخاسرة» منها.

وبين هذا وذلك، تغرق الحلول المتداولة في ضبابية تفقد الرؤية السليمة للمسار الذي ستسلكه الأمور في لبنان في الأيام والأسابيع المقبلة.