حملة ملاحقات دولية ضد مؤسس «ويكيليكس» والشرطة البريطانية تراقبه

أسانج يواجه مصير سلمان رشدي.. بعد أول فتوى غربية بقتله.. كلينتون في لقاء صعب مع وزراء عرب في المنامة اليوم

إحدى الوثائق الأميركية على موقع «ويكيليكس» (أ.ب)
TT

بات مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج، المختفي عن الأنظار، بعد كشفه نحو ربع مليون برقية سرية أميركية، يواجه مصيرا غامضا اثر حملة ملاحقات دولية ضده. وبينما تدرس الولايات المتحدة كل الوسائل المتاحة لتوقيف أسانج وملاحقته لاعتباره «خائنا» أو حتى «إرهابيا»، يطلب الكثير من المسؤولين السياسيين رأسه، بعضهم بالمعنى الحرفي للكلمة، غير أن هذه المهمة تبدو صعبة على الصعيد القانوني. وأعلنت المحكمة العليا في السويد، أمس، أنها ستصدر مذكرة اعتقال جديدة في حقه، في وقت أعلن فيه محامي أسانج أن الشرطة البريطانية وعدة دول «تعرف» مكان وجوده، من دون أن يؤكد معلومات صحافية أفادت بأنه في بريطانيا.

وقالت مصادر أميركية، أمس: إن الولايات المتحدة تتجه لتوقيف مؤسس «ويكيليكس» وملاحقته. وقال بروس زاغاريس، الخبير في القانون الدولي: «إن عددا كبيرا من المحامين في وزارة العدل الأميركية يقومون بعملية بحث عن القوانين والأحكام والاجتهادات التي تسمح بملاحقته بأكبر فاعلية ممكنة». كانت الولايات المتحدة قد فتحت رسميا تحقيقا جنائيا إثر الكشف عن عشرات آلاف الوثائق عن العمليات الأميركية في العراق وأفغانستان الصيف الماضي، بحق أي شخص مسؤول عن التسريبات التي نشرها موقع «ويكيليكس»، وعهد بالتحقيق إلى وزارة العدل بالتعاون مع البنتاغون. غير أن الإدارة لا تخفي صعوبة هذه المهمة. وقال وزير العدل إريك هولدر، بهذا الصدد: «إذا كانت هناك ثغرات في القانون الأميركي، فسنعمل على سدها».

ودعا مسؤولون غربيون إلى قتل أسانج صراحة، حتى قبل اعتقاله أو اتهامه. وقال توم فلاناغان (سياسي كيني) في مقابلة تلفزيونية: «سأكون سعيدا إذا اصطاده شخص ما بطريقة ما». ما جعل مقدم البرنامج التلفزيوني يقول إنها أول فتوى قتل منذ فتوى آية الله الخميني ضد الكاتب البريطاني سلمان رشدي عام 1989.

وحسب خبراء قانونيين فإن أمام الولايات المتحدة عمليا وسيلتين رئيسيتين لبدء ملاحقات بحق جوليان أسانج، سواء بموجب قانون مكافحة التجسس أو قانون مكافحة الإرهاب. وقانون مكافحة التجسس، الذي أقر إبان الحرب العالمية الأولى، يجيز ملاحقة «أي شخص تلقى أو حصل من شخص آخر على أي وثيقة أو مذكرة أو وثيقة خطية متعلقة بالدفاع الوطني». لكن سكوت سليمان، الأستاذ في جامعة ديوك، حذر في تصريح لصحيفة «وول ستريت جورنال» من أن هذه الآلية غير مضمونة النتائج ضد الشخص الملاحق «ما لم يثبت أن لديه دافعا وأنه طلب هذه المعلومات شخصيا».

غير أن زاغاريس اعتبر أنه «يكفي أن يعثر محامو الوزارة على بضع وثائق مصنفة رسميا سرية بداعي الدفاع بين آلاف الوثائق التي نشرت». وقال السيناتور الديمقراطي جون كيري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، أمام الصحافيين: «علينا أن نعدل القانون حول التجسس الذي يبدو من الصعب تطبيقه على هذا النوع من الأوضاع». ودعا ضمنا إلى «الالتفاف» على القوانين المرعية لإيجاد تهم يمكن الأخذ بها. غير أن زاغاريس نقض التهديد بتطبيق عقوبة الإعدام الذي لوح به بعض السياسيين الأميركيين لاعتبارهم أن أسانج ارتكب «خيانة».

وقال الخبير في القانون: «إنه لا يحمل الجنسية الأميركية وعمليات التسليم لا يمكن أن تتم من الاتحاد الأوروبي إلا في حال عدم تطبيق عقوبة الإعدام». وتوقع اعتقال مؤسس «ويكيليكس» في الأيام أو الأسابيع المقبلة في بريطانيا بموجب مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحقه عن الإنتربول في إطار تحقيق في قضية اغتصاب واعتداء جنسي في السويد. ودعت شخصيات جمهورية مثل سارة بايلن، المرشحة سابقا لنيابة الرئاسة، والنائب بيتر كينغ إلى ملاحقة جوليان أسانج بتهمة «الإرهاب». لكن أيا ما كان القانون الذي سيعتمد لمقاضاته، فإن مسألة حرية الإعلام التي يحميها التعديل الأول للدستور الأميركي ستطرح بالتأكيد في هذه القضية.

وقالت هينا شمسي، من الجمعية الأميركية للدفاع عن الحريات المدنية: «إن المحاكم قالت بشكل واضح إن التعديل الأول يحمي الأشخاص المستقلين الذين يقدمون على نشر معلومات سرية». ولفتت إلى أنه «لو كانت الصحف تواجه خطر مقاضاتها لنشر تسريبات حول سلوك الإدارة، لما كنا قد عرفنا إطلاقا بسجون الـ(سي آي إيه) السرية».

وأعلنت السويد أمس أنها ستصدر مذكرة اعتقال جديدة بحق أسانج، بعد أن رفضت المحكمة العليا في استوكهولم السماح لجوليان أسانج بالاستئناف ضد قرار اعتقاله في مزاعم بالاغتصاب. ونفى أسانج المزاعم التي أثيرت في وقت سابق من العام بعد زيارته للسويد. وقدم محاميه استئنافا ضد أمر اعتقاله أمام المحكمة العليا هذا الأسبوع لكن المحكمة ترفض حاليا نظر الاستئناف. وقال كرستين نورمان، المسؤول في المحكمة: «لم تصدر المحكمة العليا إذنا بالاستئناف؛ لذا فإن قرار محكمة الاستئناف لا يزال ساريا». وقالت هيلينا إيكستراند، المتحدثة باسم مكتب المدعي العام في السويد: إن المكتب لم يحصل على أي معلومات بشأن مكان أسانج. وأضافت: «لذا فالوضع الآن هو أن أمر الاعتقال لا يزال ساريا وأننا نبحث عن جوليان أسانج».

ومكان أسانج لا يزال مجهولا على الرغم من أن جهات بريطانية قالت أمس إنه يعتقد أنه موجود في جنوب شرق إنجلترا.

وأصدرت الشرطة الدولية (الإنتربول) «إخطارا أحمر» للمساعدة في اعتقاله. وقالت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية: إن الوكالة البريطانية للجريمة المنظمة الخطيرة رفضت حتى الآن القبض عليه. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها أن الوكالة تريد إيضاحات بشأن أمر الاعتقال الأوروبي الذي أصدره مدعون سويديون لكنها وصفت التأخير بأنه لأسباب فنية. ولم يظهر أسانج إلى العلن منذ أن بدأ موقعه في تسريب البرقيات الأحد. ونفى محاميه، من لندن، مارك ستيفنز، أن يكون أسانج فارا. وأعلن ستيفنز أن الشرطة البريطانية وعدة دول «تعرف» مكان وجوده.

وقال ستيفنز أن «سكوتلانديارد تعلم بمكان وجوده، كما أن الأجهزة الأمنية لعدد من الدول تعرف مكان وجوده».

إلى ذلك، تشارك وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اليوم في العاصمة البحرينية في منتدى «حوار المنامة» المخصص لشؤون الأمن الإقليمي، وذلك بحضور عدة مسؤولين عرب من دول شملتها الوثائق الدبلوماسية التي سربها موقع «ويكيليكس». وقال بيان للمنظمين: «إن وزيرة الخارجية الأميركية ستلقي خطابا في افتتاح القمة مساء الجمعة». وينظم هذا المنتدى السنوي المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ويشارك فيه هذه السنة 25 وفدا حكوميا. وإلى جانب المسؤولين البحرينيين، يشارك في «حوار المنامة» وزراء خارجية قطر والإمارات واليمن والعراق وإيران وتركيا، فضلا عن مسؤولين غربيين. ونفت غالبية دول المنطقة ما تضمنته تسريبات «ويكيليكس» التي أشارت خصوصا إلى تأييد بعض كبار المسؤولين الخليجيين الخيار العسكري من أجل منع إيران من الحصول على السلاح النووي، على خلاف المواقف الخليجية الرسمية المعلنة الداعية إلى حل سلمي.