الخارجية الأميركية تعالج «ويكيليكس» إعلاميا عبر الصحافيين الأجانب والإنترنت

كراولي: أسانج فوضوي وليس صحافيا

TT

بعد الصدمة الأولى من تداعيات نشر موقع «ويكيليكس» أكثر من 251 ألف برقية سرية وتوزيعها على وسائل إعلامية أوروبية وأميركية، نشطت وزارة الخارجية الأميركية استراتيجيتها الإعلامية للتعامل مع هذه الفضيحة. فبينما انشغلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالاتصال بنظرائها من أجل التصدي للأزمة الدبلوماسية الناتجة عن كشف أسرار لقاءات مغلقة مع دبلوماسيين أميركيين، انشغل المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية بكيفية التعامل الإعلامي معها. واتخذ القرار قبل أسابيع من نشر الوثائق بأنه لن يتم الخوض في تفاصيل البرقيات ومناقشة السياسة الخارجية الأميركية بناء على هذه التسريبات، إلا أن الخارجية الأميركية تتبع استراتيجية للتعامل مع وسائل الإعلام المهتمة بالتسريبات بناء على حماية سمعة دبلوماسيتها.

وضمن جهود إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للتقليل من تأثير تسريبات «ويكيليكس» والحرج الذي سببته للولايات المتحدة، عقد مساعد وزيرة الخارجية للشؤون العامة، والناطق باسم وزارة الخارجية، بي جي كراولي، مؤتمرا صحافيا خاصا بالصحافيين الأجانب أول من أمس.. وحرص كراولي على الإجابة عن أسئلتهم، على الرغم من رفضه الخوض في تفاصيل البرقيات المسربة. وكانت من أكثر الجمل التي كررها كراولي أن بلدا معينا «حليف وصديق».. فردا على أسئلة صحافيين أتراك وإيطاليين وغيرهم من الذين سميت دولهم في البرقيات المسربة من 274 سفارة، أكد كراوي على متانة العلاقات الدبلوماسية مع تلك الدول. وحرص كراولي وغيره من المختصين بالمكتب الإعلامي لوزارة الخارجية الأميركية على التوضيح بأن التسريبات لم تأت من وزارة الخارجية أو أجهزة كمبيوتر تابعة لها، في إشارة إلى أن الجهة المسؤولة تعود لوزارة الدفاع الأميركية. ويذكر أن المتهم الوحيد بالتسريبات حتى الآن هو الجندي برادلي ماننغ، الذي ما زال في الحبس الانفرادي ولم توجه له تهم رسمية بعد.

وشرح كراولي سياسة الخارجية الأميركية للتعامل إعلاميا مع فضيحة «ويكيليكس»، قائلا «لن نخوض في أي حوار حول برقية معينة، إذ ما زالت تلك البرقيات سرية، لكن نحن مستعدون للحديث حول التداعيات المحتملة هنا». وأضاف «نشر هذه المجموعة من المعلومات يضر بمصالحنا، لكن ليس فقط مصالحنا، بل مصالح دول وشعوب أخرى أيضا».

وأثار عدد من الصحافيين الأجانب موضوع إمكانية محاكمة مؤسس موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج بتهمة التجسس، إذ إن القانون الأميركي يمنع نشر وتسريب الوثائق السرية بناء على قانون التجسس. وبينما يعتبر بعض الصحافيين أنه يجب حماية أسانج بحجة حرية التعبير، رفض كراولي ذلك، وقال إن «السيد أسانج ليس صحافيا، إنه فوضوي ولا يستحق الحماية التي يحصل عليها الصحافيون». ويذكر أن كراولي وعددا من المسؤولين الأميركيين في المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية الأميركية كانوا على اتصال مع صحافيين من صحف مثل «نيويورك تايمز» و«الغارديان»، والذين حصلوا على البرقيات المسربة مسبقا، وقد طلبوا منهم شطب بعض المعلومات التي تعرض حياة أميركيين أو أجانب إلى الخطر إذا نشرت. وشرح كراولي «لقد كان لي عدد من الحوارات مع وسائل إعلام تنشر هذه الوثائق هذا الأسبوع، وأحترم تلك الوسائل التي اتصلت بها شخصيا، وكانت حذرة عندما حددنا لهم وثائق قد تعرض حياة بعض الأشخاص للخطر».

وتحرص وزارة الخارجية على طمأنة الصحافيين في واشنطن على أن هذه التسريبات لن تغير تعاونها مع الصحافيين. وقد تحدث عدد من الدبلوماسيين إلى «الشرق الأوسط» شريطة عدم ذكر أسمائهم عن شعورهم بالغضب مما حدث، ولكنهم كان لديهم إصرار على عدم تأثير ذلك على تواصلهم مع «الصحافيين الحقيقيين» الذين لديهم علاقات مباشرة مع الوزارة. وقال كراولي «لم يغير أي شيء وجهة نظرنا تجاه الأهمية الكبيرة لحرية الصحافة، حتى عندما نؤمن بأن الإعلام قد يتخذ خطوات لا نتفق معها، ذلك لا يغير واقع أن الإعلام النشط ضروري للديمقراطية وبناء المجتمع المدني في أي دولة في أي جزء من العالم».

وعلى الرغم من إدلاء وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ببيان والإجابة عن سؤالين حول «ويكيليكس» يوم نشر الوثائق، امتنعت كلينتون عن الإجابة عن أسئلة كثيرة حول هذه القضية. كما أن كراولي أبقى تصريحاته محددة بإدانة نشر الوثائق والتأكيد على أن «الدبلوماسيين الأميركيين يقومون بعمل دبلوماسي حول العالم يوميا»، نافيا تهم التجسس الموجهة لهم. وبالإضافة إلى الإجابة عن استفسارات الصحافيين في مؤتمراته الصحافية اليومية حول «ويكيليكس»، اعتمد كراولي منذ اليوم الأول على موقع «تويتر» للتعبير عن رأيه وموقف الحكومة الأميركية من هذه التسريبات. وكانت الرسالة الأولى من كراولي على صفحته على موقع «تويتر» حول هذه القضية يوم السبت الماضي، وعشية نشر الوثائق، قائلا «وزيرة الخارجية كلينتون اتصلت بقادة ألمانيا والسعودية والإمارات وبريطانيا وفرنسا وأفغانستان حول (ويكيليكس)». وتابع في رسالة أخرى «في كل أرجاء وزارة الخارجية، مسؤولون رفيعو المستوى يتواصلون مع دول ويحذرونهم من نشر محتمل للوثائق». وكان هذا هو التعليق الرسمي الأول للولايات المتحدة حول هذه القضية.

وترك البيت الأبيض غالبية التصريحات الإعلامية حول «ويكيليكس» للخارجية الأميركية. إلا أن الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس سجل رسالة على موقع «يوتيوب» صباح الاثنين للرد على القضية، قائلا إنها «تضر الأمن القومي الأميركي».

وحتى عصر أمس، وصل عدد الوثائق المنشورة كاملة على موقع «ويكيليكس» إلى 598 وثيقة من أصل 251287 وثيقة، مما يؤكد مواصلة تأثير هذه القضية على الخارجية الأميركية دبلوماسيا وإعلاميا. لكن كراولي أكد «سنستمر في التواصل الكامل مع الدول. مصالحنا لم تتغير، وهي مصالح مشتركة. سنواصل العمل بطريقة بناءة مع دول أخرى وحلفاء وأصدقاء حول العالم».