دبلوماسيون أميركيون عن روسيا بوتين: «شمولية».. «وحشية» و«فاسدة»

قالوا إن للجريمة في موسكو 3 أركان: العمدة.. والأجهزة الأمنية.. ومفترسو المحليات

مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج محاطا بحراسه قبيل مؤتمر صحافي عقده في جنيف أخيرا (إ.ب.أ)
TT

في بداية عام 2009، عندما كان الركود لا يزال جاثما على العالم، بعثت السفارة الأميركية في موسكو إلى واشنطن ببرقية تلخص الشائعات التي تدور في المجتمع السياسي الروسي، حيث تقول الشائعات إن رئيس الوزراء الروسي لم يظهر في مكتبه. وعنونت السفارة البرقية بـ«تساؤلات حول أخلاقيات عمل بوتين». وقالت الوثيقة مشيرة إلى حالة الإرهاق والسلبية والعزلة التي أصابت بوتين إلى حد أنه يعمل من المنزل: «ترد تقارير مستمرة بأن بوتين مستاء ويعارض عبء العمل الذي يضطلع به».

أكدت البرقية، التي اعتمدها السفير الأميركي جون بيرلي، على أن الشائعات داخل الكرملين ليست مؤشرا على ضعف بوتين، لكن على قيود موقعة في فترة انخفاض أسعار السلع وضيق الائتمان، فأقوى رجال روسيا الذي يضم في قبضته كل إرث روسيا لم يترك الركود سوى القليل كي يديره، وقوض، بحسب الوثيقة، «بعضا من سلطاته».

وخلصت الوثيقة إلى أن: «عزوف بوتين عن العمل المكتبي أدى إلى اعترافه بأن الانخفاض الحاد في الموارد يحد من قدرته على إيجاد تسوية مقبولة بين النخبة في الكرملين». وكانت الولايات المتحدة قد سعت رسميا منذ العام الماضي إلى ما وصفه الرئيس أوباما ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف بإعادة ضبط العلاقات. لكن عشرات المراسلات السرية الأميركية الخاصة بالسنوات الأخيرة التي حصل عليها «ويكيليكس»، التي أتيحت لكثير من المنظمات الإعلامية، تظهر أن الولايات المتحدة، تخفي أسفل سطح العلاقات الدافئة، نظرة متشائمة حول كرملين ما بعد الاتحاد السوفياتي، وقيادته، والقليل من الأمل بشأن قدرة روسيا على التحول إلى مزيد من الديمقراطية أو الاعتماد عليها.

وترسم الوثيقة صورا لبوتين بأنه يستمتع بفرض سطوته على كل الشخصيات العامة الروسية الأخرى، وهو ما يقوض صورة البلاد التي أسهم هو ذاته في بنائها بعد الاتحاد السوفياتي، حتى إن رجلا بمثل عزيمته القوية وذكائه، تم تصويره على أنه مدين بالفضل لقوى أكبر مستعصية تضم اقتصادا غير فاعل وبيروقراطية لا يمكن السيطرة عليها لدرجة أنها غالبا ما تتجاهل أوامره.

وفي لهجة بدت سرية وجريئة، تكشف البرقية عن تقييم لـ«روسيا بوتين» بأنها مركزية إلى حد بعيد، ووحشية في بعض الأحيان، ومثيرة للسخرية وفاسدة، والكرملين وفق هذا الوصف يقف وسط مجموعة من الدوائر الرسمية وغير الرسمية.

من خلال المراسلات الداخلية بين السفارة الأميركية وواشنطن، يرسم الدبلوماسيون الأميركيون صورة لروسيا يكاد ينعدم فيها الاتجاه إلى العمل العام، وشوه فيها التاريخ. ويظهر الكرملين عجزا تجاه إصلاح ما وصفته إحدى البرقيات «صيغة جديدة من الشمولية، الذي قبله باستسلام المحكومين».

* الفساد الحكومي:

في وصف أميركي سري، أصابت المخالفات الرسمية والفساد جميع عناصر الحياة العامة في روسيا، بدءا من تزوير الانتخابات، مرورا باضطهاد الخصوم أو المواطنين الذين يشكلون تهديدا، إلى ابتزاز الشركات. وصف الفساد في البرقية على أنه وبال على الأمة، وأنه يكفي لإثارة انتباه الرئيس ميدفيديف وبوتين، الذي استفاد على النقيض من المقربين الذين ينظمون عمليات الابتزاز لكنهم يدعمون الكرملين. البرقية التي تصف الحكومة وأسلوب يوري لوجكوف عمدة موسكو، آنذاك، قدمت لغزا.

فمنذ عام 2008 كان ميدفيديف الوجه والقائد للحملة المفترضة ضد الفساد، بيد أن الفساد ازدهر في موسكو، ووقع كثير منه تحت سمع وبصر عمدة موسكو الذي خدم بناء على رغبة الرئيس. وكتبت السفارة عن «البناء الثلاثي الأركان» في عالم الجريمة في موسكو، الذي يجلس العمدة على رأسه، ثم مسؤولو الشرطة والاستخبارات في الركن الثاني، ويأتي في الركن الثالث من اعتبرتهم البرقية «مفترسو المحليات» - من المجرمين العاديين والمفتشين الفاسدين - في القاع.

في هذا العالم كانت الفاعلية الحكومية هي المافيا، وانتشر الابتزاز، وأشارت البرقية إلى أنه أصبح عمل وزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات الفيدرالية والمعروفة اختصارا باسم «إم في دي»، و«إف إس بي».

وتقول الوثيقة نقلا عن مصادر روسية: «أصحاب الشركات يدركون أن هذا هو الأفضل للحصول على الحماية من (إم في دي) و(إف إس بي)، بدلا من عصابات الجريمة المنظمة، لأنهم لا يملكون المزيد من البنادق والموارد والقوة أكثر من المنظمات الإجرامية وفقط؛ بل لأنهم أيضا يخضعون لحماية القانون. ولهذا السبب لم تعد الحماية من قبل المنظمات الإجرامية مطلوبة.

وألقت البرقية بمزيد من التفاصيل على هذا التوازن الدقيق.

من ناحية أخرى، استفاد الرئيس ورئيس الوزراء من الأصوات التي قدمها لوجكوف لحزب البلاد الحاكم وربما من الفساد الذي قال أحد المصادر في السفارة إنه كان واسع النطاق لدرجة أن شهود عيان رأوا حقائب سفر، يفترض أنها مملوءة بالنقد حملت إلى الكرملين تحت حراسة مسلحة.

من ناحية أخرى، أثار الفساد والانتخابات المزورة التي أجريت عام 2009 لاختيار المجلس التشريعي للمدينة التساؤلات حول ما إذا كان لوجكوف يستحق هذه الأزمة. وانتهت البرقية بالتكهن بإمكانية الإطاحة بلوجكوف، وهو ما حدث بعد ثمانية أشهر من كتابة البرقية، حيث أقال ميدفيديف لوجكوف.

لم تترك التقييمات المتتالية سوى القليل من الأمل في أن تكون الإطاحة بشخص ستكون كافية، فتقول البرقية إن الفساد الحكومي أصبح مؤسسيا.

إحدى الشخصيات الأجنبية الذي وصفته السفارة بأنه كون ثروة من أعمال القمار في روسيا، قال عام 2009 إن مستويات الفساد في العمل كانت أسوأ مما يمكن تصوره، وأنه في أعقاب العمل هنا لمدة 15 عاما ومتابعة سلوك مسؤولي الحكومة الروسية على جميع الأصعدة، لا يعتقد بإمكانية تغيير النظام.

أشارت البرقية ذاتها إلى أنه حتى إذا كانت الحكومة راغبة في التغيير، فإنها لن تتمكن من ذلك بالنظر إلى ما حملته الشائعات عام 2006 - خلال أوج سلطة بوتين في اقتصاد مزدهر - من داخل الإدارة الرئاسية من أن ما يقرب من 60 في المائة من أوامر الرئيس لا تنفذ.

* الصفقات التجارية السرية:

الفصل في روسيا بين أهم المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال يدور ما بين ضبابي إلى منعدم. فتناولت البرقية طبيعة تسيير الشركات الروسية أعمالها، التي غالبا ما تتم، بحسب وصف البرقية، عبر اتفاقات سرية تشمل شركات وسيطة أصحابها غير معروفين.

* خدمة «نيويورك تايمز»