الشرطة تحسن صورتها بالجنس اللطيف في الصين

جدل حول جدوى اشتراطها مجندات يتمتعن بصغر السن وطول القامة

أربع فتيات التحقن للعمل بقوة «تشينغوان» في تشينغدو بالصين (نيويورك تايمز)
TT

سار تانغ شينبين عبر أحد ميادين المدينة بصرامة بينما أخذ يدقق النظر في الأفراد العاملين تحت إمرته، الذين بدت عليهم علامات التوتر، وشرع في إصدار أوامر بصوت خفيض لا يخلو من نبرة عسكرية. كان يرغب من النساء الأعضاء في «تشينغوان»، وهي مجموعة من أصحاب البنية القوية يضطلعون بمهام فرض القانون في المناطق الحضرية ويلقاهم المواطنون بمزيج من مشاعر الخوف والازدراء بسبب الحملات العشوائية التي يشنونها وميلهم للعنف، أن يثرن انطباعا معينا لدى الناظرين، وقال: «قفن بثبات! ارسمن الصرامة على وجوهكن!»، قبل أن يهمس لهن قائلا: «أروهن كيف تبدو الجميلات!».

وأمامه اصطفت أربع فتيات تجاوزن مرحلة المراهقة بالكاد، يرتدين قفازات بيضاء وسترات موحدة ذات لون أخضر زيتوني، بينما غطت رؤوسهن قبعات صغيرة تلفها شرائط زرقاء وبيضاء. من جهته، علق تانغ على مظهرهن قائلا: «شخصيا، أرى أنهن يتسمن بمستوى متوسط من الجمال».

والملاحظ أن أكثر من حكومة صينية حاولت تحسين صورة المفتشين في المناطق الحضرية بالبلاد. وفي إطار هذه الجهود، فرضت إحدى المدن ضرورة أن يكون جميع المتطوعين الجدد من خريجي الجامعات. وعمد إقليم غواندونغ لتغيير الزي الرسمي الموحد لهم من لون الأخضر الفاتح إلى الأزرق، باعتبار الأخير أكثر جاذبية. أما إقليم ووهان، بوسط الصين، فقد استعاض عن تكتيكات استخدام القوة والقمع بالتحديق. وفي عام 2009، ذكر أحد التقارير أن 50 ضابطا طوقوا عربة جانحة لبيع الوجبات الخفيفة، وعمدوا للتحديق بغضب في صاحبها لمدة نصف ساعة حتى اضطر للرحيل.

أما تشيندو، وهي مقاطعة حضرية في تشينغدو تضم نحو 680 ألف نسمة، فاختارت إجراء عملية تغيير كبرى في الصورة العامة لهذه القوة، فمنذ عام 2003 أضافت المقاطعة لقوة شرطة الشوارع بها 13 امرأة، وقع الاختيار عليهن تحديدا لمظهرهن الجذاب وشبابهن. وهدفت هذه الخطوة إلى إضفاء لمسة أنثوية رقيقة على القوة الشرطية الخشنة.

إلا أنه للأسف ربما تجد حتى الفاتنات صعوبة في تحسين صورة هذه الفرق في أعين الصينيين.

ويرى نقاد أن هذا الموقف الشعبي الصيني تقف وراءه أسباب وجيهة، فعلى خلاف الحال مع الشرطة، لا يحق لهؤلاء المفتشين سوى فرض الأوامر الصادرة عن إدارة المدينة من خلال تطبيق غرامات وعقوبات إدارية أخرى. ومع ذلك، ترسم المؤسسات الإخبارية في الصين عادة صورة لواقع مغاير. في يناير (كانون الثاني) 2008، اعتدى مفتشون بإقليم هوبي على مواطن بالضرب حتى الموت لاستخدامه هاتفه الجوال في تصويرهم أثناء تفريقهم مظاهرة ضد مقلب للنفايات. والعام الماضي، سرق كتيب إرشادات تدريبي للمفتشين في بكين ونشر على الإنترنت، وتضمن وصفا لكيفية ضرب المخطئين من دون إصابتهم بنزيف. وهذا العام، تعرض بائع متجول في شنغهاي لتلف في المخ جراء تشاجره مع خمسة مفتشين. ويظهر بأحد المقاطع المصورة المتوافرة على الإنترنت مفتشون مدربون بالصين وهم يهاجمون باعة متجولين بالشوارع.

واشتكت صحيفة «تشينا ديلي» الوطنية، العام الماضي من أن «تشينغوان شوهت وجه الحكومة»، وذلك في أعقاب اندلاع جدل آخر حول الأساليب التي تنتهجها هذه المجموعة. وطالبت الصحيفة بإجراء «عملية تطهير حقيقي كاملة». ويرى متشككون أن هذا الأمر لم يتحقق مطلقا هنا، فبعدما أعلنت المقاطعة عن حاجتها لثماني مجندات جدد في أكتوبر (تشرين الأول)، أثار مقال افتتاحي في «بيجينغ إيفننغ نيوز» التساؤلات حول ما إذا كانت للمجندات الجدد مهام حقيقية، أم أنهن مجرد محاولة تمثيلية لتشتيت الانتباه.

ويبدو أن الإجابة تجمع بين الاثنين. يذكر أن الإعلان الصادر عن المقاطعة طالب بأن يتراوح عمر المتقدمات بين 18 و22 عاما، مع تمتعهن بقوام رشيق وتناسق في ملامح الوجه. كما نص الإعلان على ضرورة أن تكون المتقدمات أطول من المتوسط السائد، بحيث يزيد طولهن عن 1.6 متر. أما سن التقاعد الإلزامي، فهو 26 عاما. وبرر مسؤولون ذلك بأن مهام هذه الوظيفة ستكون شاقة للغاية للنساء التي تفوق أعمارهن 25 عاما.

وفي تصريحات لموقع «Rednet.com» شبه الحكومي، قال مسؤول بالمقاطعة لم تكشف هويته: «الأمر المهم هو مظهرهن. في البداية، ستحدد السمات الخارجية للمرشحات ما إذا كن سينجحن، مثل الطول والوزن وملامح الوجه، وما إلى غير ذلك». بعد ذلك، يأتي الطابع الشخصي و«السمات الداخلية»، وأضاف أن الأعضاء النساء في «تشينغوان» أشبه بباقات الزهور، مضيفا أنه «إلى جانب كونهن باقات زهور، سيضطلعن بمهام أخرى».

من جهته، لا يبدي زهنغ ليهوا، نائب مدير مكتب إدارة المدن بالمقاطعة، حماسا تجاه هذا الوصف، لكنه أشار إلى أن المطلب الخاص بالطول يعد روتينيا في الكثير من إعلانات الوظائف الصينية الموجهة لكلا النوعين. وكذلك الحال مع تناسق ملامح الوجه.

ويدور جدال بين الصينيين حول ما إذا كان المطلب الأخير يعني وسامة الوجه، لكن المؤكد أنه يعني أنه على ذوي الاحتياجات الخاصة أو التشوهات الجسدية الامتناع عن المشاركة في التقديم.

تتولى ليو يي، 22 عاما، تنفيذ دوريات بميدان باوغوانغ بالقرب من أحد الأديرة، وتتميز بجمال ملامحها. وأعربت عن اعتقادها أن التأكيد على مظهرها يحمل تمييزا نوعيا. وتساءلت بنبرة ساخرة: «هل تعتقد أنني أبدو مثيرة في هذا الزي الرسمي؟»، وسارعت زميلتها تشو يانغ، 21 عاما، بالقول: «إننا نمثل صورة المدينة».

وإلى جانب ذلك، لم تبد أي منهما اعتراضا على الفترة المحدودة لعملهما، وذلك لأن طموحاتهما العملية أكبر من مجرد دفع الباعة للانتقال إلى الأزقة والشوارع الجانبية، حيث يفترض أن يقتصر نشاطهما. وكل صباح، تدخل فرقة المفتشين في مواجهة مع الكثير من الباعة المتجولين المتحركين على الأقدام أو دراجات، الذين يحاولون تحقيق أكبر قدر من المبيعات قبل أن ينطلقوا هربا من المفتشين، وصاحت تشو في وجه أحد الباعة، الذي فر على قدميه مخلفا وراءه مؤقتا العربة التي تجرها دراجة وتحمل بضاعته: «سيد وانغ، عليك الرحيل. وقد أخبرناك بهذا الأمر مرارا!».

ويصف المفتشون مهامهم باعتبارها مملة. وعن هذا، شرحت هوانغ جينغ، 20 عاما، التي تدرس التسويق خلال الإجازة: «نقوم بالأمر ذاته كل يوما. إنه أمر روتيني للغاية». ومن بين الأسباب وراء ذلك افتقار الشرطيات إلى سلطة مصادرة بضاعة الباعة المخطئين، على عكس نظرائهن الرجال. وليس بإمكانهن سوى التهديد بالإبلاغ عن المخالفين للمشرفين عليهم من الرجال. وغالبا ما يحميهن هذا الأمر من نوبات تفجر العداء علانية ضد المؤسسة الرسمية من جانب بعض العامة، وهو أمر شائع بمختلف أرجاء الصين.

يذكر أن هذا العام شهد اندلاع أعمال شغب من جانب مئات المواطنين في كومنغ، عاصمة إقليم يونان، بعد انتشار شائعات كاذبة بأن مسؤولي «تشينغوان» قتلوا أحد الباعة. وخلال هذه الفترة المظلمة تعرض أكثر من 20 من شرطيي الشوارع للإصابة، وتم تدمير أو إضرام النار في 14 سيارة حكومية. وحتى الآن نجحت مقاطعة تشيندو في النجاة من مثل هذا العنف، لكن يبقى الهدوء أمرا غير مضمون مطلقا، فمثلا على بعد بنايتين فقط من ميدان باوغوانغ، حيث كانت شرطيات يقمن بدورية ذلك الصباح، احتشد أكثر من 50 شخصا على ناصية أحد الشوارع. وصادر الضباط دراجة بخارية كان يجري إصلاحها على الرصيف بدلا من وضعها داخل محل، حسبما تنص التنظيمات. وأخذ صاحب الدراجة في الصياح معربا عن غضبه. وشهدت المنطقة حالة تأزم لمدة 15 دقيقة قبل أن يتمكن الضباط من شق طريقهم عبر المتجمهرين، وانطلقوا بسياراتهم حاملين معهم الدراجة وصاحبها.

وبقي ليو تويندونغ، 40 عاما، منسق تم إلحاقه بفرقة من الشرطيين الرجال، في الخلف، ومثلما الحال مع الشرطيات، يضطلع المنسقون، وهم ذكور تتجاوز أعمارهم 40 عاما، بأدوار ثانوية. لكن بخلاف الفتيات، لا يجري تدريبهم على الحفاظ على صورة راقية، حيث اعترف ليو قائلا: «أحيانا نتورط في تبادل السباب، وأحيانا أخرى في عراك بالأيدي. وفي أغلب الأحيان يكون المواطنون البادئين».

* بنجامين هاس وديفيد يانغ أسهما بأبحاث من بكين، وشي دا من تشينغدو

* خدمة «نيويورك تايمز»