صلوات الاستسقاء في لبنان وفلسطين والأردن وسورية.. لمواجهة انحباس الأمطار

اللبنانيون يتندرون: من يضرب لبنان أولا الأمطار أم القرار الاتهامي؟.. والمسلمون والمسيحيون واليهود تجمعهم الصلوات

TT

تشهد الدول العربية في شرق البحر الأبيض المتوسط، لا سيما فلسطين والأردن ولبنان وسورية، إضافة إلى إسرائيل، حالة من الجفاف وانحباس في الأمطار لم تشهدها منذ فترة طويلة. ولجأ الناس إلى صلوات الاستسقاء لعل الله يستجيب لدعواتهم ويخلصهم من هذا الجفاف الذي إن تواصل فستكون عواقبه وخيمة.

ففي بيروت، لم تشكل أزمة الانحباس التي لم يشهد لبنان مثيلا لها لسنوات، بعثا للقلق دفع الزعماء الروحيين إلى الدعوة لصلوات الاستسقاء فحسب، بل أصبحت أيضا مادة للتندر. ففي حين تتخوف الوزارات المعنية وأوساط المزارعين والمواطنين عامة من انعكاسات الأزمة على المنتجات الزراعية والمياه الجوفية، يسخر البعض من تأخر المطر كما لو أن الساحة اللبنانية ينقصها بعد ترقب «مناخي»، يضاف إلى سلسلة محطات ترقب للقرار الاتهامي وملف شهود الزور والتئام المؤسسات الدستورية ومعالجة هموم الناس اليومية.

وفي هذا الإطار، لا يبدو مستغربا أن تضاف أزمة الأمطار إلى باقي هموم اللبنانيين كارتفاع أسعار المحروقات وانقطاع الكهرباء وكثرة الفواتير المعيشية وأقساط المدارس. ووجدت هذه الأزمة مكانها على صفحات «فيس بوك» وخدمات الماسنجر على شبكة الإنترنت، إذ يتطرق الكثيرون إلى الموضوع بأسلوب هزلي حينا وبحسرة حينا آخر. ووضعت إحدى الشابات اللبنانيات على الصفحة الخاصة بها على «فيس بوك» شعار: «من يضرب لبنان أولا: الأمطار أم القرار الاتهامي؟»، لتحصد سيلا من الردود والمواقف.

ولم تشغل أزمة عدم تساقط الأمطار مصلحة الأرصاد الجوية والدوائر المختصة في الوزارات اللبنانية المعنية فحسب، بل بلغت تردداتها رجال الدين المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

وعلى الرغم من توقعات مصلحة الأرصاد الجوية عن سقوط أمطار في نهاية الأسبوع الحالي، فإن دار الإفتاء ومجلس المطارنة الموارنة دعيا منفصلين إلى الصلاة من أجل أن يمن لله بالأمطار على اللبنانيين، علها تحد من اندلاع الحرائق في الكثير من البلدات والأحراج، مهددة ثروة لبنان الحرجية بشكل خطير.

وفي هذا السياق، دعا مفتي الجمهورية اللبنانية، الدكتور محمد رشيد قباني، لإقامة صلاة الاستسقاء في جميع مساجد لبنان، عقب صلاة الجمعة اليوم، وطلب من جميع المفتين والعلماء والخطباء إقامة الصلاة في مناطقهم، على أن يؤدي المفتي قباني الصلاة في مسجد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين وسط بيروت.

ودعا مجلس المطارنة الموارنة، في بيان أصدره بعد اجتماعه الشهري في بكركي أول من أمس، المسؤولين وجميع المواطنين إلى «اتخاذ المزيد من التدابير للحفاظ على البيئة وعدم الاعتداء على الطبيعة بقطع الأشجار، والاهتمام بالثروة الحرجية التي تذهب طعما للنار وتتراجع أمام التصحر الذي سيغيّر، لا سمح الله، وجه لبنان». وسألوا المؤمنين الصلاة «ليجود الله على لبنان والمنطقة بالمطر».

وبينما يأمل اللبنانيون أن تصح توقعات مصلحة الأرصاد الجوية وتشفع صلاة المفتين والمطارنة، يتحسر أهالي القرى الجبلية على قمم الجبال التي لا تزال جرداء من الثلوج البيضاء، وينظر أصحاب منتجعات التزلج بقلق إلى الموسم السياحي الذي لن يبصر النور لو بقي الوضع على حاله.

وفي فلسطين وإسرائيل، وبينما تبقى السياسة العنصر المفرق بين الشعبين، جمعهما القلق والخوف من القحط والتغيير المناخي، وتوجههما إلى الله في صلوات الاستسقاء، لتخليصهما من انحباس الأمطار في الموسم الحالي.

وعلى مدار الشهر الماضي، صلى المسلمون في المساجد والمسيحيون في الكنائس واليهود عند حائط المبكى، مبتهلين إلى الله أن يفك كربهم ويهطل الأمطار عليهم. وفي غير مرة التقى ممثلو الأديان الثلاثة في صلاة مشتركة في القدس المحتلة وفي قرية الولجة الواقعة بين القدس وبيت لحم، حيث اختاروا عينا شهيرة في المنطقة اسمها «عين الحنية» التي جفت بالكامل.

وصلى عن المسلمين مفتي بيت لحم عبد المجيد عطا، وعن اليهود الحاخام الشهير مناحيم فرومان، حاخام مستوطنة تقوع، المعروف بمواقفه المعتدلة، وعن المسيحيين الأب عيسى مصلح، وتمنى ثلاثتهم أن ينقذ الله البلاد من الجفاف.

ومنذ سنوات لم تشهد إسرائيل والأراضي الفلسطينية انحباسا طويلا للأمطار مثلما هو الحال هذا العام، ويتوقع أن يستمر هذا حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وهو ما أثار مزيدا من القلق، خصوصا أن الفلسطينيين يعانون من نقص شديد في المياه كل عام.

وقال مدير عام الأرصاد الجوية الفلسطينية، يوسف أبو أسعد، إن هذه السنة من بين سنوات قليلة نادرة تأخر فيها المطر، محذرا من أن ذلك يعني مزيدا من المعاناة. وأوضح أبو أسعد لـ«الشرق الأوسط» أن المرتفع السايبيري عند شرق البحر المتوسط يمنع المنخفضات المقبلة من غربه من الوصول إلى المنطقة.

ويتوقع أبو أسعد على الرغم من ذلك موسما كثيفا من الأمطار، لكنه قال إن ذلك لن يكون مفيدا بالقدر المتوقع مثلما لو هطلت الأمطار في موعدها وعلى فترات متفرقة. وأردف أن «توزيع الأمطار أهم من كميتها، لأن كثيرا من المزارعين قد تضرروا بهذا التأخير، ولأن الأرض تأخذ عادة كفايتها من الأمطار، في حين يتحول الباقي إلى سيول».

وتوقع الشيء ذاته مدير عام دائرة الأرصاد الجوية في الأردن، عبد الحليم أبو هزيم، الذي قال إن الموسم الحالي لا يعتبر فريدا من نوعه، بل سبقته انحباسات متكررة خلال الأربعينات من القرن الماضي، مشيرا إلى أن المواسم التي شهدت انحباسا في بدايتها، عادت فاغتنت بهطول جيد في منتصفها ونهايتها، مبينا أن ذلك قد يحدث في الموسم الحالي.

وكما في فلسطين، شهد الأردن أمس صلوات استسقاء في جميع المحافظات، دعت إليها وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بعد انحباس الأمطار في الموسم الشتوي الحالي.

وبين أبو هزيم أن الأردن، بل ومنطقة شرق البحر المتوسط، تشهد منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول)، أجواء دافئة وجافة، بلغت فيها درجات الحرارة العظمى أعلى من معدلها بنحو 4 درجات مئوية، وذلك نتيجة لتأثرها بمرتفع جوي مصحوب بكتلة هوائية جافة، ورياح جنوبية شرقية، إضافة إلى انحباس الأمطار، حيث لم تتجاوز نسبة الهطول حتى الآن، ما بين 3 – 5 في المائة في المناطق الشرقية، بينما بقيت بحدود 1 في المائة في المناطق الجبلية.

وقال إنه، وبالرجوع إلى السجلات المناخية لدائرة الأرصاد الجوية للأعوام السابقة، «نجد أن موسمي 1998 - 1999 و1999 - 2000، شهدا انحباسا مماثلا، و«إذا استعرضنا المواسم المطرية خلال فترة الأربعين عاما السابقة، نجد أن 65 في المائة من المواسم التي كانت بدايتها سيئة، عادت وسجلت موسما مطريا جيدا.

وعلى صعيد متصل، أكد وزير المياه والري الأردني محمد النجار، أن خطة وزارته للحد من الآثار السلبية لتأخر الهطول المطري الحالية، ستراعي مصلحة الجانبين المتعلقة بمياه الشرب كأولوية وحقوق المزارعين.

ونبه النجار الذي يشدد على صعوبة الجزم بتحديد «شكل» الموسم المطري الحالي بين تأخر الهطول أو اعتباره فصلا جافا، بضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الوضع المائي الحالي من خلال تقنين استخدام المياه لأغراض الزراعة في وادي الأردن، لتلبية احتياجات المزارعين كافة على نحو عام، في حين تتعامل الوزارة مع مياه الشرب في الاعتماد على المياه الجوفية، وتعزيز شبكات المياه وتقليل الفاقد، مع ترشيد الاستهلاك.

وأكد مدير عام المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي، الدكتور فيصل العواودة، أنه من المبكر الإعلان عن حالة الجفاف وأن «الموسم الزراعي لم يبدأ بعد، ولم تتأثر الزراعات الحقلية، أو الأشجار المثمرة بالجفاف أو شح الأمطار بعد».

وفي دمشق، تعتزم الحكومة السورية اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة حالة الجفاف الحالية، بعد تحذيرات من خطورتها والتوقعات المستقبلية لهذا الموسم. وكلفت جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة بوضع خطة سريعة للمساهمة في مكافحة الجفاف.

وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي أن سورية تواجه وضعا خطيرا بسبب الجفاف الذي تعاني منه منذ أربع سنوات، وتشهد سورية خلال هذا الموسم الذي يبدأ فعليا اليوم انحباسا للأمطار لم تشهده منذ عام 1958، وأرجعت مديرية الأرصاد الجوية سبب الانحباس الحالي إلى سيطرة المرتفع الجوي على منطقة حوض المتوسط، متوقعة انحساره بعد انقضاء الأسبوع الأول من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وظهرت ملامح كارثة بيئية خلال الموسم الماضي في المناطق الشمالية الشرقية حيث يمر نهر الفرات ويزرع القمح والشعير والقطن وتربى الماشية في مساحات واسعة، استحقت عليها وصف سلة غذاء سورية، وحسب المعطيات الرسمية أدى الجفاف خلال السنوات الخمس الماضية إلى نفوق 85 في المائة من الماشية، ونزوح ما يقارب نصف مليون نسمة من المنطقة نحو محافظات الوسط والجنوب؛ فقد انخفض معدل هطول الأمطار إلى 152 ملليمترا من 163 ملليمترا في التسعينات، و189 ملليمترا في الثمانينات. كما تعرضت المنطقة لموجة حرارة غير مسبوقة الصيف الماضي لتتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية لمدة 46 يوما على التوالي. ومع تزامن ذلك مع سوء الإدارة والتلوث، تدهورت نسبة 59 في المائة من مساحة الأراضي الزراعية نتيجة استخدام مياه صرف صحي غير معالجة في الري على نطاق واسع.

وتضرُّر القطاع الزراعي على هذا النحو الكارثي، هدد سياسة الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي التي تتبعها منذ نحو أربعة عقود. وشهدت أروقة المؤسسات الحكومية وجلسات مجلس الشعب في الشهر الأخير مناقشات حادة للخطط الاقتصادية، إذ حمل الفريق الاقتصادي بعض المسؤولية عن تدهور الزراعة في سورية إلى جانب الجفاف وسوء الإدارة، وتفيد أرقام رسمية بأن حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي انخفضت عشر نقاط مئوية إلى 13 في المائة في السنوات الخمس الماضية. وما زالت الزراعة تستهلك ما بين 90 و95 في المائة من موارد المياه في سورية.

وبيّن وزير الزراعة السوري، عادل سفر، خلال افتتاح ورشة العمل الدولية حول «محاور ومتطلبات وتنفيذ البرنامج الوطني للأمن الغذائي في سورية» أنه، على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة لتحقيق الأمن الغذائي، فإن «أزمة الجفاف التي تأثرت بها منطقتنا في السنوات الأخيرة، حالت دون تحقيق بعض الأهداف التنموية، وحولت بعض المناطق، وخاصة الشمالية الشرقية، من مصدر مهم لتوفير الغذاء ورفد المناطق الأخرى، لمناطق تعاني من العجز الغذائي، وأدت إلى هجرة الكثير من الأسر الريفية لتأمين سبل العيش».

وسارعت الحكومة إلى عقد ورش عمل للبحث في كيفية إنقاذ الزراعة، وتم وضع عدة مقترحات علاجية سريعة ومتوسطة ومستقبلية لمعالجة حالة الجفاف وتأمين الأعلاف لمربي المواشي، وتوظيف شخص واحد من كل أسرة في المناطق المعرضة للجفاف والمقدرة بـ800 ألف أسرة، وذلك لقطاعات الدولة المختلفة، وخاصة المشاريع الاستثمارية والخدمية، وتأمين كوادر للمراكز الصحية بعقود سنوية، والاستعانة بغرف التجارة والصناعة والزراعة لتأمين السيولة اللازمة للإقلاع بالأعمال والمشاريع المقترحة.

كما تم إعطاء أسبوعين كمهلة لجميع الجهات ذات العلاقة لوضع خطة واضحة وسريعة للمساهمة في مكافحة الجفاف وبيان احتياجات كل جهة، وإناطة نشاط إجراءات مكافحة الجفاف بإحدى الوزارات من أجل سرعة التحرك والمعالجة والتنفيذ.