فوضى جوية في إسبانيا تدفع الحكومة لإعلان حالة الطوارئ للمرة الأولى منذ 34 عاما

إعادة فتح المجال الجوي مساء.. والمسافرون يصفون المراقبين الجويين بـ«المجرمين»

علامات الاستياء على وجوه المسافرين أثناء توقف العمل في مطار بيلباو جنوب إسبانيا أمس (أ.ب)
TT

تمر إسبانيا منذ أول من أمس بأكبر فوضى جوية في تاريخها، دفعت بمجلس الوزراء إلى إعلان حالة الطوارئ في كامل البلاد. وقد تعطلت حركة النقل الجوي صباح أمس بسبب إضراب مفاجئ بدأه مراقبو الجو مساء الجمعة، إثر خلاف حول دوام العمل، على الرغم من قرار الحكومة بتكليف الجيش المراقبة الجوية، وتهديدها بإنزال عقوبات.

وقضى آلاف المسافرين، الذين باغتهم الإضراب مع بداية نهاية أسبوع طويلة، ليلتهم في المطارات مثل مطار مدريد حيث لم تتمكن من الهبوط سوى بعض الطائرات المقبلة في رحلات عبر الأطلسي.

ولكن ما لبثت أن أعلنت هيئة المطارات الإسبانية بعد ظهر أمس إعادة فتح المجال الجوي، وكانت الهيئة قالت في وقت سابق إن المراقبين بدأوا العودة للعمل.

وقال وزير الأشغال العامة خوسيه بلانكو إنه من المتوقع أن تعود الحركة الجوية لطبيعتها خلال ما بين 24 و48 ساعة.

وبدأت الفوضى عندما قرر مراقبون جويون في خمسة مراكز تدير حركة الطيران الساعة الخامسة مساء الجمعة، مغادرة محل عملهم لأسباب صحية. لم يبدأ أي من المراقبين الجويين في المناوبة التالية عملهم، مما أدى إلى عودة الطائرات التي كانت على وشك الإقلاع، أو التي كانت مستعدة للإقلاع بالفعل إلى المطار، واضطر آلاف الركاب، الذين كانوا يستعدون لقضاء عطلة مدتها خمسة أيام، إلى النزول.

لكن هذا الصراع له جذور، فصباح أول من أمس أقرت الحكومة الإسبانية قانونا جديدا يحدد عدد ساعات عمل المراقبين الجويين بـ1670 ساعة سنويا.

اعتقد المراقبون أن هذه الساعات لا تشمل وقت توزيع العمل ومهام الاتحاد وتصريحات العمل وأفراد الأمن، ومن ثم أقاموا احتجاجا من خلال إضراب غير معلن يمكن أن يؤثر على 4.2 مليون شخص في كل العطلات. لكنهم «انتصروا» في هذه المعركة بالمعنى الاجتماعي بعد إعلان رئيس سلطة الطيران الإسبانية الحكومية التي تدير المطارات والعاملون لديه في إسبانيا أن متوسط الراتب للمراقب في العام 350 ألف يورو، وهو ما يعد مبلغا كبيرا بالنظر إلى دولة يصل معدل البطالة بها إلى 20 في المائة.

ولهذا حاولت الحكومة إنهاء هذا الموقف بإعطاء امتيازات تضاعف من رواتب بعض المراقبين تدريجيا. ومع ذلك استمر الصراع من خلال هذا الإضراب غير المعلن الذي كان يعلمه وزير البنية التحتية جيدا. لذلك أضاف الوزير إلى ذلك القانون قانونين آخرين يخولان لرئيس إسبانيا تفويض رجال الجيش بإدارة حركة الطيران في حالات الطوارئ، وتكليف أطباء شركة سلطة الطيران الإسبانية بتحديد الحالة الصحية للمراقبين ومعرفة إذا ما كانت سيئة حقا أم لا.

المشكلة هي أن هؤلاء الموظفين يدعون المرض حتى لا يأتوا إلى العمل، وذلك لأنهم إن أرادوا الإضراب عن العمل، فمن حق المدير التنفيذي بالشركة توفير الحد الأدنى من الخدمات التي لا تماثل الخدمات التي يقدمونها في إسبانيا. وخلال أربع ساعات فقط أعلنت شركة الطيران المدني إلغاء أكثر من ألف رحلة في أنحاء البلاد، وتضرر 250 ألف شخص استمروا في التوافد على المطارات ولم يحصلوا على أي تفسير لإلغاء رحلاتهم.

وبعد مرور 22 ساعة و20 دقيقة يوم الجمعة عقب اجتماع مكتب الأزمات التابع لقسم البنية التحتية، وقع الرئيس الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو على أمر بتفويض رجال الجيش لتولي مسؤولية حركة الطيران في إسبانيا. إضافة إلى ذلك حذر المدعي العام المراقبين من توجيه تهمة إثارة الفتن لهم.

ودفع هذا الإجراء بعض المراقبين للعودة إلى مواقع عملهم في المراكز في برشلونة وجزر البليار وإشبيلية وجزر الكناري في المناوبة الليلية، بينما لم يعد أي مراقب في مدريد التي استمر تأجيل شركات الطيران للرحلات بها. ولم تظهر أي طائرة على خريطة إسبانيا، وكانت الصور الفوتوغرافية التي التقطت لعدد ضخم من المسافرين النائمين في المطارات والحقائب تحيط بهم مذهلة. ووصل أفراد وحدة العناية الطبية التابعة للجيش الإسباني إلى المطارات لتوزيع أغطية ومواد غذائية على المسافرين المحاصرين، في حين طلبت سلطات الطيران الإسبانية من مديري المطارات عدم غلق أبوابها لتواصل استقبالها للمسافرين.

«أقيلوهم من عملهم، هذا أمر مخجل. إن هذه المزحة التي قام بها المراقبون الجويون تساوي 1200 يورو خسرناها، كما أن الخطط التي وضعناها لرحلاتنا ذهبت هباء. إذا كانوا لا يريدون العمل.. حسنا أقيلوهم»، كان هذا هو الهتاف الذي جاء على لسان مئات الآلاف من المسافرين المحاصرين في المطارات بسبب الإضراب. وقد دفع هذا بعض المسافرين إلى وصفهم بـ«قلة من المجرمين». وتجمعت الشرطة حول الفندق الذي يقيم فيه المراقبون من أجل الحيلولة دون وقوع أي أعمال شغب. وبعد 20 ساعة من شلل حركة الطيران في الأجواء الإسبانية، عقد مجلس الوزراء اجتماعا خاصا صباح السبت، وأعلن «حالة الطوارئ» في كامل البلاد، وهي المرة الأولى التي يحدث هذا الأمر خلال 34 عاما الماضية. وقال النائب الأول لرئيس الوزراء، ألفريدو بيريز روبالكابا، الذي كان يشارك في اجتماع مجلس الوزراء: «قبل حدوث هذا الابتزاز غير المقبول من المراقبين الجويين، وبالنظر إلى حالة الفوضى التي تسيطر على سماء إسبانيا، قررنا إعلان حالة الطوارئ». وطالب روبالكابا المسافرين المتضررين بقبول اعتذار الحكومة، وأكد أن الحكومة لن تقبل هذا الابتزاز.

وإعلان حالة الطوارئ يعني سلسلة من الإجراءات، كان من بينها كما أعلن روبالكابا بالفعل يوم الجمعة، أن يستبدل بالمراقبين الجويين المدنيون آخرين من الجيش. كما تسمح هذه الحالة بإعلان تعبئة عامة للمراقبين الجويين، وفي هذه الحالة سيتعين عليهم العودة إلى عملهم، وإلا سيواجهون جريمة العصيان، التي عقوبتها في قانون العقوبات العسكري السجن، وفقدان العمل.

وبعد هذا القرار، حدثت في بعض مطارات إسبانيا أمور لم تحدث من قبل، حيث أعلن المتحدث باسم اتحاد المراقبين الجويين أن رجال الشرطة دخلوا إلى غرفة المراقبة الجوية في بالما دي مايوركا، وأجبروا المراقبين على الجلوس أمام شاشات أجهزتهم. وفي هذه الأثناء استمر آلاف الركاب في الانتظار بالمطارات، والبعض الآخر عادوا إلى منازلهم، ولكنهم جميعا أوضحوا أن رحلاتهم انتهت قبل أن تبدأ.

وتتحدث شركات الطيران والقطاع السياحي عن خسارة آلاف الملايين من اليورو، لكن الوضع لا يزال غير واضح في البلاد، مما جعلهم يتفقون على أن اللحظة ليست مناسبة للحديث عن الخسائر، لأن رئيس الوزراء مشغول بمتابعة الأزمة، وقد تستمر حالة الطوارئ لمدة 15 يوما.

* صحافية في «اللوموندو» الإسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»