مصادر فرنسية رسمية لـ «الشرق الأوسط»: هذا هو سيناريو الحل في لبنان

اتفاق ـ وديعة يبرم قبل صدور القرار الظني ولا يذاع إلا بعده

TT

موضوعان رئيسيان، إلى جانب تنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية بين باريس ودمشق، سيطغيان على زيارة اليومين التي سيقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد بدءا من يوم الخميس إلى العاصمة الفرنسية، وهما الوضع اللبناني والبحث عن مخارج من التأزيم المتصاعد مع اقتراب صدور القرار الظني عن المدعي العام للمحكمة الدولية من جهة، ووضع مفاوضات السلام وتحديدا الملف السوري - الإسرائيلي والرغبة الفرنسية في أن تلعب باريس «دورا ما» في هذه المرحلة.

تقول مصادر فرنسية رسمية واسعة الاطلاع إن «الطبق الأساسي» في محادثات الرئيس السوري مع الرئيس ساركوزي يتناول الوضع اللبناني لأن ساركوزي «قلق من انفجار الوضع» و«من النتائج التي يمكن أن تترتب عليه». وأجملتها المصادر الفرنسية كالتالي: سقوط اتفاق الدوحة وعودة الوضع لما كان عليه قبل اجتماع الدوحة في مايو (أيار) عام 2008 أي تحديدا تعطيل الحكومة قبل استقالة وزراء المعارضة، واللجوء إلى الشارع وربما تحرك عسكري لحزب الله للانقضاض على الدولة وفرض واقع ميداني جديد.

وتضيف هذه المصادر أن تصرفا كهذا «سيضر بحزب الله وسيدفع الدول الغربية إلى تغيير تعاطيها معه عبر وضعه على لائحة المنظمات الإرهابية وتقييد حركة قادته واتخاذ إجراءات تعيق عملياته المالية عبر العالم». غير أن الأخطر برأي باريس أنه «سيوفر الحجة والفرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي للتدخل في لبنان عبر عملية غزو حقيقية تستهدف التخلص من حزب الله». وتعتبر هذه المصادر أن عملية كهذه تتم بحجة سيطرة حزب الله على لبنان «ستكون مكلفة ليس فقط لجهة ضرب البنى التحتية اللبنانية وللمدنيين اللبنانيين ولكن خصوصا بالنسبة للحزب نفسه بالنظر لرغبة إسرائيل في إضعافه وربما لإلغائه». ولذا تدعو هذه المصادر إلى التحلي بـ«الحكمة» و«تفادي الأسوأ». وهذا ما سيقوله الرئيس ساركوزي للرئيس الأسد، علما أن المصادر الفرنسية ترى أن دمشق «لا يمكن أن توافق على خيارات كهذه ستحشرها دبلوماسيا وسياسيا وتضر بمصالحها الآنية وعلى المدى البعيد».

وبالنظر إلى هذه المعطيات، ترى فرنسا أن حزب الله يتبع سياسة «حافة الهاوية» لتحقيق أغراضه التي لا يخفيها إطلاقا، وهي ليس فقط منع صدور القرار الاتهامي بل إلغاء المحكمة ككل. ولأنه حزب عقلاني، فليست لديه «رغبة بالانتحار» لا السياسي ولا العسكري. لذا، فإن الرئيس الفرنسي دخل على خط «البحث عن مخرج» من التأزم السياسي الراهن لا يدفع لبنان ثمنه حربا جديدة ولا يكون على حساب طرف أو لمصلحة طرف آخر.

ولكن ما هي صورة الحل المنشود؟

تقول المصادر الفرنسية إنه حتى الساعة «ليس ثمة تصور نهائي ومكتوب» للصيغة النهائية للحل المنشود. لكن بالمقابل، ثمة «تقدم كبير لجهة الأفكار» التي تحتاج إلى بلورة وتفصيل وإلى «آلية» تنفيذ. والأفكار المقبولة اليوم هي التالية: لا مجال لوقف سير المحكمة نحو القرار الظني ولا إمكانية لا للتأخير ولا للتعديل. ولذا تبدو كلمة «الوديعة» بمثابة المفتاح السحري الذي سينقذ لبنان مما هو متجه إليه. وهي تعني عمليا أن طرفي الأزمة في لبنان سيتوصلان إلى «تفاهم مكتوب» عبر الوساطة السعودية - السورية وبموافقة وبعلم أطراف عربية ودولية فاعلة. والتفاهم المنشود سيوضع «وديعة» بين يدي العاهل السعودي والرئيس السوري اللذين سيكونان «الضامنين» له. وسيبرم الاتفاق قبل صدور القرار الظني ولكن لن يذاع إلا بعد صدوره. وبذلك يطبق اللبنانيون مجددا مفهوم «لا غالب ولا مغلوب» على طرفي المعادلة وهما تيار المستقبل من جهة ومعه حركة «14 ذار» وحزب الله ومعه المعارضة بكافة أطيافها الحكومية وغير الحكومية. وبهذا الإخراج يتم إرضاء رئيس الوزراء سعد الحريري بألا يعلن الاتفاق إلا بعد صدور القرار الظني ويرضي أمين عام حزب الله حسن نصر الله بحيث يبرم الاتفاق قبل صدور القرار المذكور. وبهذا الإخراج يكون كل طرف قد حقق نصف انتصار ومني بنصف خيبة. وكانت باريس منذ الصيف الماضي قد بدأت بالدعوة إلى دراسة كيفية التعاطي مع الملف فيما يسمى بالإنجليزية «داي أفتر» وهو ما تبلور مع الوساطة السعودية - السورية.

ولكن بعيدا عن الإخراج، ما هو مضمون الاتفاق؟

تفيد المعلومات المتوافرة بأنه سيتضمن التزامات متبادلة من الطرفين. الأول، «تيار المستقبل» يعلن ويلتزم بعدم المزج بين أفراد من الجانب الآخر قد ترد أسماؤهم في القرار الاتهامي أي رفض اتهام حزب الله باغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري ويلتزم بعدم استخدامه في الجدل السياسي ولا في السعي لحشر حزب الله في موضوع السلاح... بينما الجانب المقابل يلتزم بعدم استخدام السلاح في الداخل وترك الحكومة تعمل بشكل طبيعي ويمتنع عن أي تحرك أو بادرة تؤزم الوضع السياسي.

أما الشؤون التفصيلية الأخرى مثل كيفية التعاطي مع «شهود الزور» وخلافه فلا تبدو أنها عقدة العقد وستسوى إذا اتفق الطرفان على الأساس.

وبالطبع، الدور السوري من المنظور الفرنسي «أساسي» وهو ما سيقوله الرئيس ساركوزي لضيفه يوم الخميس المقبل عندما يلتقيه في قصر الإليزيه.