3 ساعات من المفاوضات النووية: الغرب يدعو لوقف التخصيب.. وطهران تخشى ضربة إسرائيلية

جليلي وأشتون لم يتصافحا وأمضيا الاجتماع في «التذكير بموقفيهما».. ولقاء مرتقب بين الوفدين الأميركي والإيراني

TT

وسط زخم إعلامي واهتمام دولي، بدأت في العاشرة من صباح أول من أمس جلسة للحوار والتفاوض المغلق بين إيران، برئاسة سعيد جليلي، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، ووفد عالمي مشترك للقوى الكبرى، ضم الاتحاد الأوروبي ممثلا في رئيسة الوفد السيدة، كاثرين أشتون، المسؤول الأول عن الشؤون الدبلوماسية، وعضوية كل من الدول الدائمة بمجلس الأمن الدولي، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا.

وفي حين استقبلت مدينة جنيف السويسرية المتفاوضين بأجواء ماطرة مثلجة، تابعتهم وسائل الإعلام من على البعد باهتمام محفوف بقلق لعدم وضوح الرؤية حول مسيرة الاجتماعات وماهيتها، خاصة أنها المرة الأولي بعد 15 شهر التي تلتقي فيها إيران بأي قوة دولية.

وكانت أنباء رشحت من طهران قد زادت من القلق والتوتر أوردتها وسائل إعلام إيرانية، بأن الاجتماع لن يزيد عن يوم واحد فقط، بينما كانت مفوضية الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي قد أعلنت مسبقا أن طهران قد وافقت على تفاوض يستمر ليومين.

كم جلسة سيعقدها المجتمعون؟ وكم من الزمان ستستغرق؟ كان ذلك بمثابة هاجس للكثيرين ممن اعتبروا قضية جلوس المتفاوضين إشارة تدل على نجاحهم في احتمال تقديم أطروحاتهم لبعضهم بعضا، وقدرتهم على الحوار على الرغم من اختلافهم بشأن قضية الملف النووي الإيراني التي اختلف عليها الطرفان كبند أساسي من بنود أجندة الاجتماع.

ومعلوم أن إيران كانت قد أعلنت وبوضوح أن ملفها وحقها النووي ليسا مطروحين للنقاش، في حين أشارت المصادر الغربية إلى أن الحوار في الأساس لبحث النشاط النووي الإيراني، بحثا عن منافذ تؤكد أن إيران لا تهدف للوصول لسلاح نووي.

ومعلوم كذلك أن الطريق للمفاوضات لم يكن مفروشا بالورد، وإنما بالاتهامات والشكوك، لا سيما الاتهامات الأخيرة التي كالتها إيران قبل أيام تتهم فيها أجهزة استخبارات غربية بالوقوف وراء عمليات الاغتيال التي أودت بحياة عالم إيراني، كما عرضت حياة عالم آخر للخطر، دع عنك ما أثارته إيران بإعلانها، أول من أمس، اكتفاءها الذاتي من إنتاج الكعكة الصفراء، وهي مادة أساسية في العملية النووية.

هذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة للجمود التاريخي بين إيران والمجتمع الدولي، ألقت بظلالها على الظروف المحيطة بأجواء الاجتماع، وبكثير من عدم اليقين حول مسيرة تقدمه حتى ساعة متأخرة من الأمس، حتى تسربت أنباء أنهم أكملوا جلستهم الصباحية، وأنهم سيعودون لمسائية قد تقتصر على محادثات ثنائية.

وقال مصدر قريب من الدول الست أن المفاوضين، أشتون وجليلي، أمضيا الاجتماع في «التذكير بموقفيهما»، وذكرت مصادر إيرانية أن جليلي ألقى كلمة متشددة دان فيها الاعتداءين اللذين أديا إلى مقتل عالمين إيرانيين متخصصين في القطاع النووي، وتتهم الغرب بالوقوف وراء استهدافهما.

وقال مصدر آخر مطلع على المفاوضات أن 75 في المائة من وقت الجلسة الأولى التي استغرقت نحو 3 ساعات خصصت للقضايا النووية، ويعتبر هذا الأمر لافتا لأن طهران كانت قد وصلت إلى طاولة المحادثات وهي مصرة على أن تتناول المحادثات البرنامج النووي الإيراني بشكل عام، دون الخوض في التفاصيل.

وبحسب المصدر المسؤول، فإن الدول الكبرى قد جددت خلال اللقاء الدعوة إلى وقف البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم، بينما طرح الجانب الإيراني قضايا أخرى منها اغتيال العالم النووي الإيراني الأسبوع الماضي وإصابة آخر، حسبما أوردته وكالة «أسوشييتد برس».

بينما أفاد مصدر إيراني بأن عددا كبيرا من الأمور خضع للمناقشة في الاجتماع، بما في ذلك خوف إيران من قيام إسرائيل بشن هجوم جوي على منشآتها النووية. وأضاف أن الجمهورية الإسلامية دعت مجموعة الست إلى العمل على منع وقوع مثل هذا الاعتداء وحذرت من أن ردها سيكون «بلا حدود».

وفي المجمل، وصف مسؤولون المحادثات بأنها «مشجعة» مع انقضاء الجلسة الأولى وبدء استراحة الغداء التي تضمنت لحم البط والزيتون مع شرائح السمك المتبل ورز البيلاو والحلويات.

هذا وفي حين لم يتصافح رئيسا الوفدين يدويا، فإن كلا منهما استقبل الآخر بابتسامة مع هزة من الرأس، وكان واضحا أن الليدي أشتون قد تذكرت أن رصيفها الإيراني لا يصافح، فلم تبادر بمد يدها عندما وقفا للصورة التقليدية أمام الكاميرات وأجهزة التصوير التي سُمح لها بالدخول لموقع الاجتماع بمبنى المفوضية السويسرية التابعة للأمم المتحدة، بينما تم تخصيص غرفتين ضخمتين لبقية الصحافيين ومندوبي وسائل الإعلام بفندق «إنتركونتننتال» حيث لم يكن أمامهم معظم اليوم سوى الانتظار وتوقع ما قد يحدث، وأي أجندة ومواضيع يناقشها الطرفان، وهل ستستمر الاجتماعات أم سينفرط عقدها؟ وكم كان جليلي منفتحا لنقاش الموضوع النووي الإيراني؟.

وفي حين واصل الاجتماع التفاوضي بين إيران والقوى الدولية جلساته حتى ساعة متأخرة من يوم أمس، أشارت مصادر غربية مطلعة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قيادة الوفد الدولي، وإن كانت برئاسة السيدة أشتون، فإن الثقل الحقيقي يقع على الولايات المتحدة، لا سيما أن الإدارة الأميركية تواجه تحديا كبيرا لإحداث اختراق في قضية الملف النووي الإيراني لتحقيق نجاح في قضية تشغل الرأي العام العالمي بصورة لا بد أن تتعاطى معها الحكومة الأميركية بكل الجدية.

وردا على سؤال كيف تقرأ المصادر مسار المفاوضات التي كسرت كل التوقعات بأنها ستنهار بينما بدرت إشارات تؤكد أن الجلسات تسودها روح إيجابية وأن المتفاوضين قد طرحوا للنقاش أكثر من موضوع، جاءت الإجابة أن «وصف الاجتماع بالنجاح لا بد أن يصدر من الطرفين بعد أن يختتموا جلساتهم ويكشفوا عما ناقشوه، وعندما يعلنون موعدا جديدا لمواصلة اللقاء ليستمر الحوار بينهما ويتواصل».

وكان مسؤول أوروبي قد قال إن القوى الست تتوقع من إيران أن تلقي الضوء على تساؤلات بشأن برنامجها النووي لم تجب عنها حتى الآن، وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه: «الخيارات واضحة أمام إيران.. إما أن تواجه عزلة متنامية وإما أن تتعاون». وشدد مصدر دبلوماسي آخر مقرب من الدول الست الكبرى، قائلا: «نتوقع ردا جديا من الإيرانيين» في الملف النووي، مضيفا: «لا نعرف بماذا يفكر الإيرانيون».

أما جليلي فقد قال قبل المفاوضات إن إيران تتعامل مع المفاوضات بجدية، وصرح للتلفزيون الرسمي قائلا: «نتعشم أن تكون المحادثات طيبة للغاية، وأن تكون محادثات مفيدة وصادقة وشفافة»، حسبما أوردته وكالة «رويترز». وقال علي باقري نائب رئيس الوفد الإيراني إن «أي قضية تتعلق بالأنشطة النووية الإيرانية يجب أن تحسم تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

أما الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد فقد وصف الغرب بالكيل بمكيالين، وتساءل في تعليقات على موقعه الإلكتروني، أمس، قائلا: «تمتلكون ألف قنبلة ذرية (لذا) كيف يساوركم القلق من احتمال أن تتمكن إيران من تطوير قنابل ذرية في غضون ثلاث سنوات. شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق وأفغانستان، لكنها لم تستخدم القنابل الذرية لأن عهد استخدامها قد ولى».

وكانت الليدي أشتون قد حضرت بصحبة كل من وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، وسيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، والألمانية إيلي هابر، المديرة بالخارجية الألمانية، والفرنسي جاك اوديبييت، والصيني وو هاي لونقن، مما يؤكد تركيزها على تكنوقراط كخبراء في مجال الدبلوماسية والسياسة.

من جانبه اصطحب سعيد جليلي معه كلا من مساعده علي الباقري، وعلي اهاني، نائب وزير الخارجية للشؤون الأوروبية.

وفي حين أشارت أنباء صدرت من البيت الأبيض الأميركي إلى أن الرئيس باراك أوباما كان قد ناقش مع رصيفه الصيني الغرض من المحادثات التي دخلوها كطرف واحد، مما يلزمهم بالتنسيق في مواقفهم، على العكس من ذلك أشارت وسائل إعلام إيرانية أن جليلي لم يتحمس لعقد لقاء مع المندوب الروسي للمباحثات، سيرغي ريابكوف، الذي طلب أن يقابله بشأن المباحثات، فكلف جليلي نائبه الباقري باستكشاف ما ترغب موسكو في قوله.

لكن مصادر أشارت إلى اجتماع مرتقب بين جليلي وبيرنز ووفديهما في فترة بعد ظهر أمس، كما أشارت إلى أنه في حال انقضاء المفاوضات التي تستغرق يومين فستبدأ جولة جديدة العام المقبل في تركيا، حسب الطلب الإيراني. من جانب آخر، عمدت جماعة من منظمة «مجاهدين خلق» للتظاهر أمام مبنى الأمم المتحدة، منددة بما وصفوه بـ«نظام الملالي النووي».