ساركوزي يستقبل الأسد اليوم.. ولبنان الطبق الرئيسي في مشاوراتهما

مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: الرئيس ناقم للغاية على نتنياهو ويحمله شخصيا مسؤولية نسف جهود السلام

TT

يلتقي الرئيس السوري بشار الأسد بنظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي في إطار مأدبة غداء بقصر الإليزيه ظهر اليوم، ستمثل اللقاء الوحيد بين المسؤولين في زيارة اليومين التي يقوم بها الأسد إلى فرنسا.

تأتي هذه الزيارة في سياق وضع ثلاثي التأزم: في لبنان أولا، بسبب الخلاف الداخلي على المحكمة الدولية واقتراب صدور القرار الظني عن المدعي العام دانيال بلمار. وفي الشرق الأوسط ثانيا، حيث وصلت الجهود الأميركية الهادفة إلى تحقيق اختراق في الملف الفلسطيني -الإسرائيلي إلى حائط مسدود، وعلى صعيد «الاتحاد من أجل المتوسط» ثالثا، الغارق في غيبوبة عميقة بسبب غياب أي تقدم في الجهود السلمية وتمسك إسرائيل بتسريع الاستيطان في الضفة الغربية وعجز الولايات المتحدة عن وقفها.

يضاف إلى ذلك، أن تسريبات البرقيات الدبلوماسية الأميركية عبر موقع «ويكيليكس» وصحيفة «لو موند» تشكل عامل توتير إضافي،حيث تبين تلك البرقيات وجود خلافات جوهرية بين واشنطن وباريس إزاء انفتاح باريس على دمشق. فالأميركيون أعربوا عن «ذهولهم» إزاء خطوة ساركوزي وأحيانا عن «شكوكهم» إزاء نجاعة هذه السياسة. وبموازاة ذلك، تبين البرقيات الأميركية وجود «تباينات» بين مقاربة وزارة الخارجية ومواقف الإليزيه، حيث الأولى أكثر «حذرا» من القصر الرئاسي. ومعلوم أن أمين عام الرئاسة كلود غيان هو الذي يدير الملف اللبناني – السوري، مما كان يعني تهميش دور الخارجية إبان وجود الوزير برنار كوشنير على رأسها.

وحتى مساء أمس، لم يكن قد صدر أي شيء رسمي عن الزيارة؛ لا عن الإليزيه ولا عن الخارجية، باستثناء الإشارة إليها في أجندة الرئيس. وكان الأسد قد جاء إلى فرنسا في زيارة رسمية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وتريد باريس، وفق مصادرها، أن تلعب «دورا ما» في الملفات الثلاثة المتأزمة التي تعنيها مباشرة. فـ«الاتحاد من أجل المتوسط» الذي أجل العام الحالي مرتين قمته المقررة في برشلونه (يونيو/ حزيران ونوفمبر/ تشرين الثاني) هو في الأساس مشروع ساركوزي الذي انطلق بباريس في 13 يوليو (تموز) وفشله هو بمعنى ما فشل له، على الرغم من أن العامل الأساسي يعود لغياب أي تقدم في ملف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية ورفض العرب توفير «منصة» دعائية لرئيس الوزراء الإسرائيلي. وكانت سياسة الأخير قد «أطاحت» بقمة السلام المصغرة التي كان يريد ساركوزي عقدها في باريس بحضور الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ونتنياهو ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.

وكان ساركوزي قد أوكل للسفير جان كلود كوسران، أحد أكثر سفراء فرنسا خبرة بمنطقة الشرق الأوسط، مهمة البحث في كيفية إحداث اختراق ما لمعاودة المفاوضات السورية - الإسرائيلية غير المباشرة التي توقفت مع حرب إسرائيل على غزة. لكن جولات كوسران في الشرق الأوسط وزياراته إلى الولايات المتحدة الأميركية وعواصم أخرى لم تبين «الكوة» التي تستطيع فرنسا الانسلال عبرها لتحقيق اختراق ما. ويقول دبلوماسيون معتمدون في باريس إن الدبلوماسية الفرنسية «لن تنجح حيث أخفقت السياسة الأميركية». وقالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن ساركوزي «ناقم للغاية» على نتنياهو الذي يحمله «شخصيا» مسؤولية نسف جهود السلام ونسف قمة الإليزيه وذلك رغم الصداقة «الحميمة» التي تربط بين الرجلين. وتضيف هذه المصادر أن ساركوزي يعتبر أنه «لم يحصد شيئا من السياسة التي أرادها أقرب من إسرائيل» المختلفة عن سياسة سلفه جاك شيراك.

يبقى الملف اللبناني الذي تصفه المصادر الفرنسية بأنه من «أعقد الملفات» لتداخل العوامل الخارجية مع الداخلية، وتعتبر أنه سيكون «الطبق الرئيسي» في لقاء ساركوزي - الأسد.

وتنظر باريس إلى لقاء اليوم على أنه مناسبة لتقييم الجهود المبذولة لبلورة «مخرج مشرف» للجميع من مأزق القرار الظني وتاليا المحكمة الدولية بالنظر للدور الذي تلعبه سورية والحل الذي تسعى إليه بالتشارك مع المملكة العربية السعودية.

وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت يوم الثلاثاء الماضي تصور الحل الذي يمكن أن يوفق بين الأفرقاء اللبنانيين ويحل إشكالية توقيت صدوره، حيث إن فريق «14 آذار» متمسك بصدور القرار الظني أولا، بينما فريق «8 مارس» وتحديدا حزب الله يريد الحل قبل القرار. والمخرج هو أن يتم التفاهم على الحل ويعهد به «وديعة» للعاهل السعودي والرئيس السوري مقرونا بضمانات التنفيذ على أن ينص على التزامات من الجانبين؛ أبرزها الامتناع عن استخدام القرار الظني ضد سلاح حزب الله والتزام الأخير بعدم استخدامه في الداخل وتسهيل مهمة الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة المشلولة منذ شهور.

من هذه الزاوية، وأخذا في الاعتبار الدور السوري في المساعدة على التهدئة وضمان الحل في لبنان، تبرز أهمية اجتماع اليوم بين الأسد وساركوزي الذي كان أول من شجع على الانفتاح على سورية وتوصل معها إلى خارطة طريق كانت إحدى ثمارها التبادل الدبلوماسي بين البلدين.

ولا يبدو الموضوع الإيراني بعيدا عن هذه الاهتمامات. وواشنطن اتهمت باريس بتضخيم دور سورية لدى إيران، خاصة لجهة المساعدة على إخراج الجامعية الفرنسية كلوتيلد ريس من السجون الإيرانية. وأفادت برقية دبلوماسية أن باريس تعمدت ذلك من أجل إرسال إشارة إلى القادة الإيرانيين مفادها أن دمشق قد تسير في اتجاه الابتعاد عن إيران، وهو ما لم يقنع واشنطن. غير أن القمة الثلاثية في دمشق التي جمعت الرئيسين السوري والإيراني وأمين عام حزب الله حسن نصر الله كانت بمثابة الماء البارد الذي سكب على رؤوس الفرنسيين وأطاح بتوهماتهم.

واليوم ترى باريس أنه لا مناص أمامها من «لعب الورقة السورية» في لبنان بسبب تعقيد الوضع ولما يمكن أن توفره من المساهمة في المحافظة على الاستقرار من غير التخلي عن حلم العدالة.