مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»: اختيار اسطنبول ليس انتصارا لإيران

قالت عن اجتماع جنيف: جليلي لم يكن يملك هامش حركة.. والاجتماع المقبل لن يكون أحسن حالا

TT

«اجتماع جنيف لم يسفر عن أية نتيجة إيجابية واجتماع اسطنبول المنتظر نهاية الشهر المقبل لن يكون أحسن حالا إذا بقي الإيرانيون على مواقفهم، وهذا ما نتوقعه».. هكذا اختصرت مصادر فرنسية قريبة جدا من الملف النووي الإيراني ما جرى في لقاء جنيف بين مجموعة الست «الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا» بقيادة مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون والوفد الإيراني بقيادة سعيد جليلي مسؤول الملف النووي. وما بين إصرار الستة على التركيز على الملف النووي والطلب من إيران الإجابة عن التساؤلات التي يطرحونها منذ شهور والخطاب التقليدي الإيراني عن «النموذج» الإيراني في رفض السلاح النووي والدعوة إلى شرق أوسط خال منه، انقضى اليومان «الاثنين والثلاثاء» دون نتيجة تذكر باستثناء «الاتفاق على اللقاء مجددا في اسطنبول». وعند سؤال المصادر الفرنسية عما إذا كان هناك اتفاق على جدول أعمال للاجتماع المقبل وعن سقف التوقعات، جاء الجواب بالنفي بالنسبة للسؤالين معا.

تقول المصادر الفرنسية إن إيجابيات اللقاء، بالإضافة إلى استئناف المناقشات مع إيران والاتفاق على موعد مقبل تكمن في «الوضوح» و«وحدة كلمة الستة» و«التنسيق الكامل بينهم قبل وأثناء الاجتماع» و«وحدة المواقف والصراحة» و«توزيع الأدوار» بين الستة. كذلك، فإن كاثرين أشتون كانت تتحدث باسم المجموعة ككل وليس فقط باسم الجانب الغربي. وكشفت المصادر الفرنسية أن اختيار اسطنبول «لا يعني أبدا أن تركيا ستشارك في الاجتماع بل ستستضيفه فقط». كذلك فإن اختيار هذه المدينة لم يكن «انتصارا» لإيران التي كانت طالبت بداية بعقد اجتماع جنيف في اسطنبول. ورأت هذه المصادر أن جليلي كان في مناقشاته في الداخل يتوجه إلى طهران أكثر مما يتوجه إلى الدول الست.

والأمر المثير للتعجب أن المجتمعين لم يطرحوا موضوع إخراج اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب وتخصيبه في روسيا وفرنسا وإعادته وقودا لمفاعل طهران التجريبي لاستخدامه في إنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية. وكانت إيران رفضت العرض الغربي الذي قدم العام الماضي في اجتماع مماثل في جنيف وطرحت بديلا عنه في شهر يونيو (حزيران) الماضي بدعم تركي وبرازيلي، وهو ما رفضته مجموعة الستة.

وتؤكد المصادر الفرنسية أن العودة إلى مناقشة هذا الموضوع تفترض أن تجيب طهران عن التساؤلات التسعة التي طرحها الستة بخصوص العرض الإيراني ومنها الأخذ بعين الاعتبار كمية الأطنان الثلاثة من اليورانيوم ضعيف التخصيب التي تملكها إيران اليوم وهي تزيد بـ 1300 كلغ عما كانت تملكه يوم طرح عليها العرض الأول.

وقالت هذه المصادر إن جليلي تعاطى مع العرض الغربي بكثير من الترفع، إذ أكد أن إيران «لا تحتاج» لمساعدة الدول الخارجية وقادرة على إنتاج ما تريده بنفسها.

وسعت المصادر الفرنسية إلى التقليل من أهمية التصريح الذي أطلقته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من الدوحة وفيه أنها لا ترى مانعا في أن تحافظ طهران على «قدرات تخصيبية» إذا ما أوضحت وضعها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية. وسعت هذه المصادر إلى تأكيد أن «لا خروج أميركيا» عن المواقف المشتركة وأن وليام بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية حضر الاجتماع ولم يعبر عن موقف مغاير للمواقف الفرنسية أو الأوروبية. وأبدت المصادر المشار إليها تعجبها من أن جليلي لم يستفسر عما قالته كلينتون من بيرنز. وجدير بالذكر أن موضوع حق إيران في التخصيب يعد «العقدة الرئيسية» في مفاوضات الجانبين، إذ تتمسك به إيران كحق طبيعي تتيحه معاهدة منع انتشار السلاح النووي، بينما الدول الغربية ومجلس الأمن يطالبون بـ«تجميد» إيران لهذه النشاطات بالنظر إلى القلق من طبيعة البرنامج الإيراني، حيث لا تمتلك إيران أي مفاعل يحتاج ليورانيوم بينما التزمت روسيا بتزويد مفاعل بوشهر بالوقود النووي لفترة طويلة. والمادة الرابعة من معاهدة منع الانتشار تنص على حق الدول الموقعة في التخصيب. لكن الستة يريدون أولا ضمانات حول طبيعة وأهداف البرنامج الإيراني.

وسعى جليلي لدق إسفين بين الغربيين والوفدين الروسي والصيني بقوله في اللقاءات الثنائية: ماذا تفعلون مع هؤلاء حيث إن أهدافكم غير أهدافهم ومواقفكم غير مواقفهم؟

وتعتبر المصادر الفرنسية أن سعيد جليلي «لم يكن يمتلك هامشا للتحرك» وهو «ما انعكس تصلبا في التعبير عن مواقف طهران التقليدية رغم أن ما نسبته 70 إلى 75 في المائة من المناقشات جرت عن البرنامج النووي الإيراني، بينما كان المسؤولون الإيرانيون يؤكدون أنهم يرفضون الخوض فيه ويريدون بحث أمور نزع السلاح النووي في العالم والاستقرار وخلاف ذلك.

وسادت اجتماعات جنيف أجواء باردة، إذ رفض جليلي مصافحة ممثلي الستة كما رفض مؤتمرا صحافيا مشتركا. ونقل إنه رفض لقاء ثنائيا مع بيرنز وهو ما لم تؤكده المصادر الفرنسية التي أشارت إلى ثلاثة لقاءات منفردة مع أشتون والممثلين الروسي والصيني.

وإزاء مطالبة دول مجلس التعاون الخليجي بألا تترك على هامش المناقشات، وأن تنضم بشكل أو بآخر إليها مخافة أن تحصل صفقة مع إيران على حساب مصالحها، ردت المصادر الفرنسية بأن الموضوع لم يبحث بين الدول الست. لكنها أردفت أن أحد أهداف اجتماع جنيف إفهام هذه الدول أن مجموعة الست مستمرة في معالجة الملف الإيراني ومتمسكة بالمقاربة المزدوجة أي تشديد العقوبات من جهة ودعوة إيران إلى طاولة المفاوضات.

وأشارت المصادر الغربية، ردا على مبدأ شائع قوامه أن إيران تعمل على كسب الوقت وأنه من الضروري تحديد سقف زمني للمفاوضات بحيث لا تدوم إلى ما لا نهاية، أن تحديد مثل هذه المهلة «يعني أن لدينا خطة بديلة والحال أن هذه الخطة غير موجودة». وبرأي هذه المصادر أنه يتعين إعطاء الوقت الكافي للعقوبات الاقتصادية التي أقرها مجلس الأمن في يونيو (حزيران) الماضي والعقوبات الأحادية من الولايات المتحدة الأميركية ومن أطراف أخرى بما فيها الاتحاد الأوروبي حتى تفعل فعلها، إذ لم يمض عليها سوى ستة أشهر. وفي أي حال لم يستبعد أن تليها عقوبات إضافية إذا بقي الوضع يراوح مكانه.