الأسد من باريس: لا توجد مبادرة سورية ـ سعودية لحل الأزمة اللبنانية.. والحل لبناني

لقاء مغلق لأكثر من ساعة ونصف الساعة مع ساركوزي تمحور حول لبنان ومفاوضات السلام

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (يمين) مع الرئيس السوري بشار الأسد (يسار) أثناءمغادرته قصر الاليزيه في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

ملفان رئيسيان هيمنا على اللقاء المطول والمغلق الذي استمر أكثر من ساعة ونصف الساعة، بين الرئيسين الفرنسي نيكولا ساركوزي والسوري بشار الأسد في قصر الإليزيه ظهر أمس، هما: الملف اللبناني وتشعباته وملف السلام في الشرق الأوسط. وبما أن الرئيسين لم يتناولا الوضع في العراق ولا اقتربا من الملف الإيراني «النووي أو غير النووي» وفق ما قاله الأسد شخصيا، فإنه يمكن التأكد أنهما أشبعا الوضع اللبناني بحثا باعتبار أن باريس ودمشق «والرياض» معنية بالدرجة الأولى بتطورات الملف المذكور.

غير أن الأسد سعى إلى التزام موقف متحفظ لجهة التخفيف من أهمية «الوساطة» الخارجية وإلقاء الكرة بين أيدي اللبنانيين، لا بل إنه وصل إلى حد نفي وجود «مبادرة» سورية - سعودية التي تضج بها وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين اللبنانيين وغير اللبنانيين. وقال الأسد بلهجة قطعية إنه «لا توجد مبادرة كما يقال. وفي المحصلة الحل هو حل لبناني وليس حلا سوريا أو فرنسيا أو سعوديا». واستطرد الأسد قائلا: «ما نريده وهو ما ناقشناه اليوم وما ناقشناه مع السعودية هو كيف نسهل الأفكار التي تطرح لبنانيا ولكي نرى كيف تلتقي هذه الأفكار من خلال الإجراءات». وبلهجة قطعية أيضا قال الأسد إن «كل الأطراف ليس لها مصلحة في الفتنة في لبنان» من غير أن يحدد ما إذا كان يقصد الأطراف اللبنانية الداخلية أو الأطراف الخارجية.

ورغم إصرار الصحافة التي كانت موجودة بكثافة والتي تحدث إليها الأسد عقب الغداء في باحة الإليزيه، فقد رفض الدخول في التفاصيل، لأن الموضوع «داخلي لبناني» مضيفا: «لا نريد نحن، انطلاقا من احترامنا لسيادة لبنان واستقلاله، أن نتدخل في هذا الموضوع». وبالمقابل، بقي قصر الإليزيه الذي أصدر بيانا مساء أمس عن الاجتماع، في إطار العموميات. لكنه أشار إلى «القلق» الذي ينتاب الرئاسة الفرنسية بسبب المحكمة الدولية واقتراب صدور القرار الظني. وتضمن البيان بين السطور إشارات إلى الخلاف الموجود بين فرنسا وسورية حول المحكمة الدولية. ففيما تطالب سورية بوضع حد لها وهو ما أشار إليه وزير الخارجية وليد المعلم مرارا وعلنا، أكد البيان الرئاسي «تمسك فرنسا باحترام مهمة المحكمة واستقلاليتها». كذلك انتقد ساركوزي ضمنا تعطيل عمل الحكومة اللبنانية من غير الإشارة إلى الجهات المعطلة؛ إذ أشار البيان إلى أن الرئيس الفرنسي عبر عن رغبته في أن تتمكن «حكومة الوحدة الوطنية فعليا من ممارسة مهماتها في خدمة جميع اللبنانيين». وأخيرا، أعرب ساركوزي للأسد عن «التزام فرنسا بأمن لبنان وهو ما تعكسه مشاركتها الثابتة والجدية في اليونيفيل».

وتعكس لغة البيان الرئاسي الدبلوماسية عناوين ما تسعى إليه فرنسا وما تنتظره من زيارة الرئيس السوري إلى باريس التي ستمتد حتى يوم السبت على ما يبدو. وقالت الأوساط الفرنسية إن باريس تعمل على التوصل إلى «تفاهم» يقع بين معطيين أساسيين: التمسك بالمحكمة الدولية وبالقرار الظني الذي اقترب موعد صدوره من جهة، والتشديد على سلامة لبنان وهو ما أكده مصدر فرنسي رسمي بقوله إنه «لا يتعين على اللبنانيين الاختيار بين العدالة والاستقرار».

وجاءت زيارة الأسد إلى باريس بعد مراوحة واسعة من المشاورات الفرنسية مع المسؤولين اللبنانيين والعرب والشركاء الأوروبيين. وتريد باريس من دمشق وفق ما أشارت إليه أوساطها أن تكون «عنصر اعتدال» ليس فقط من خلال الدور الثنائي السوري - السعودي لإيجاد «مخرج» من أزمة القرار الظني الذي أصبح واقعا قائما ولم يعد ثمة مجال لوقف الماكينة الدولية بل خصوصا من خلال التواصل مع الأطراف التي تستطيع سورية أن تؤثر عليها داخل لبنان «حزب الله والمعارضة بشكل عام» وخارج لبنان كإيران مثلا.

وبسبب اقتراب الموعد/ الحسم، لم تعد المشاورات وفق ما قالته مصادر فرنسية رسمية يوم الاثنين الماضي لـ«الشرق الأوسط» تدور حول العناوين التي أصبحت مقبولة بشكل عام، بل حول التفاصيل، وهو ما لمح إليه الرئيس الأسد بقوله إن المناقشات تناولت «تسهيل الأفكار التي تطرح لبنانيا.. لنرى كيف تلتقي من خلال الإجراءات». وواضح أنه كان يستطيع أن يضيف «التطبيقية».

أما بالنسبة للملف الثاني، فقد كان الأسد أكثر إطالة، وقد وجه سهامه في أكثر من اتجاه. وانتقد الرئيس السوري إسرائيل التي وصفها بـ«الشريك الوهمي» للسلام، معربا عن أسفه لغياب «الشريك الإسرائيلي». وكتتمة لذلك، ندد بالقانون الإسرائيلي الجديد الذي يفرض إجراء استفتاء قبل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة التي تشمل القدس والجولان. وقال عن إسرائيل إنها تقوم بدور «السارق الذي يأخذ شيئا لا يمتلكه ويذهب إلى سوق الحرامية لبيعه وهذا مرفوض منطقيا وقانونيا وأخلاقيا».

وبموازاة ذلك، انتقد الأسد الطرف الفلسطيني الذي يربط المفاوضات بموضوع الاستيطان، ولكن وفق فلسفة أخرى. وقال الأسد: «نحن ضد أن يكون جوهر «المفاوضات» هو المستوطنات فهذا خطأ». وأردف قائلا: «القضية قضية أرض ونحن لا نتحدث في موضوع المستوطنات في الجولان. الأرض ستعود بمستوطنات أو من غير مستوطنات؛ إذ إن هذا الموضوع ليست له قيمة، ومن يريد التحدث عن عملية السلام عليه أن يتحدث عن الانسحاب من الأرض (المحتلة) وليس عن المستوطنات».

وعرج الأسد على انتقاد الولايات المتحدة الأميركية التي تحركت على المسارين السوري والفلسطيني «ولكن حتى الآن لا يوجد شيء (تقدم) حقيقي». ولمح الأسد إلى أن «الوساطة» الفرنسية هي الأخرى التي تمثلت بتعيين السفير جان كلود كوسران مبعوثا لملف المفاوضات، لم تفض إلى شيء؛ إذ رأى أن الجهود الأميركية «لم تصل إلى شيء» بسبب التعنت الإسرائيلي، ولذا فمن «البديهي أن لا تصل الجهود الفرنسية إلى أي شيء».

ورغم ذلك، فقد أكد الأسد على أنه «شجع» الرئيس الفرنسي على الاستمرار في جهوده، موضحا أنه سيلتقي السفير كوسران للاطلاع منه على تفاصيل ما يكون قد طرأ منذ زيارة الأخير إلى دمشق الصيف الماضي. والتف الأسد على سؤال يتناول المنافسة بين الدورين التركي والفرنسي في مساعي معاودة المحادثات غير المباشرة التي كانت تركيا تتولى دور الوسيط فيها، بقوله إن لا معنى للحديث «عن الدمج أو الفصل في ظل عدم وجود شريك». وذهب إلى حد المزاح مشبها الوضع باستدعاء شيخ ليكتب كتابا بينما الموجود إما العريس أو العروس وليس الاثنان معا. وأنحى الأسد بالمسؤولية على الأسرة الدولية إذ لم يعد مطلوبا من سورية شيء بل المطلوب إقناع إسرائيل بإعادة الأرض و«هذه مسؤوليتهم».

وفي البيان الرئاسي، وبالنظر إلى الطريق المسدود الذي وصلت إليه الجهود الأميركية، جدد الرئيس الفرنسي انتقاده لـ«المنهج» الأميركي في الوساطة المتفردة، مشددا على الحاجة إلى «مقاربة جماعية ومتوافق عليها» لأنها الوحيدة القادرة على التغلب على المأزق الحالي.